ورشة "نهضة المرأة الإيزيدية": TAJÊ تمثل إرادة النساء الإيزيديات المنظمات
من خلال سلسلة ندوات توعوية ونقاشات فكرية، سلطت ورشة عمل "نهضة المرأة الإيزيدية"، الضوء على أهمية الحماية الذاتية، وتنظيم النساء، وبناء وعي جديد يستند إلى علم المرأة "جنولوجي".

شنكال ـ أكدت القائمات على إدارة الندوات التي تخللت فعاليات ورشة عمل "نهضة المرأة الإيزيدية"، على أن حركة حرية المرأة الإيزيدية (TAJÊ) تمثل إرادة النساء المنظمات، وتسعى إلى إيصال صوت المرأة الإيزيدية إلى العالم، وبناء علاقات دولية داعمة لقضيتها.
تتواصل فعاليات ورشة عمل "نهضة المرأة الإيزيدية" التي انطلقت اليوم الخميس 28 آب/أغسطس، تحت شعار "بالتنظيم والنضال، سنكون رواد مجتمع ديمقراطي وحر"، بتقديم سلسلة من الندوات التوعوية والنقاشية.
في أولى هذه الندوات، قدمت الرئيسة المشتركة للإدارة الذاتية وعضوة التنسيق في حركة حرية المرأة الإيزيدية (TAJÊ)، ريهام حسن، مداخلة تناولت فيها علم اجتماع المرأة الإيزيدية، وسلطت الضوء على تاريخها، والتحديات التي واجهتها بفعل الهيمنة الذكورية على المجتمع.
وخلال حديثها، أكدت على أن التغيير الحقيقي في المجتمع لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال تمكين النساء وتعزيز قدراتهن، مشددة على أن قوة المرأة هي الأساس في بناء مجتمع حر وديمقراطي "تُعد شنكال منبعاً غنياً بالإرث الثقافي والديني، وتحمل في طياتها تاريخاً عريقاً يعكس عمق حضارتها، إلا أن هذا الإرث لم يسلم من آثار الفرمانات المتكررة، ومن هيمنة العقلية الذكورية التي رسختها سلطة الرجل والدولة، مما أدى إلى نشوء أزمات اجتماعية عميقة".
وأضافت "لقد كانت النساء في صميم هذه الاستهدافات، حيث شكلت الفرمانات وسيلة للسيطرة على المجتمع عبر قمع المرأة، ومحاولة اقتلاع المجتمع من جذوره الثقافية والروحية، وفي ذات السياق، سعى النظام الذكوري إلى النيل من النساء اللواتي حملن راية القيادة، وأحيين الحياة، وأصبحن رمزاً للوجود، بهدف تحطيم إرادتهن ومحو أثرهن من المشهد الاجتماعي".
العلاقة بين الجنسين الجذر العميق لأزمات المجتمع
وأوضحت أنه "عند العودة إلى صفحات التاريخ، نكتشف أن النساء الرائدات كن دائماً في طليعة المواجهات، سواء في الحروب أو خلال الفرمانات، فقد قادت العديد منهن عشائرهن بشجاعة وإصرار، وتركْن بصمات لا تُمحى في سجل المقاومة والوجود. ورغم هذا الإرث، لا يزال هناك آلاف النساء اللواتي لم يُسلط الضوء على تاريخهن، ولم يُعترف بدورهن الريادي، لقد تعرضت هويتنا، التي تشكلت بمعانٍ عميقة، إلى تشويه ممنهج بفعل العقلية الذكورية التي فرضتها السلطة والدولة، مما أدى إلى تآكل الحرية التي كانت جزءاً أصيلاً من كياننا الثقافي والاجتماعي".
وتابعت "من هنا، فإن جوهر التحديات المجتمعية يكمن في أزمة العلاقة بين الجنسين، لذا، من الضروري إجراء دراسات معمقة حول واقع المرأة، والبحث عن حلول جذرية تعيد التوازن لهذه العلاقة. في مواجهة الذكورية، والعنف المنزلي الذي يهدد حياة النساء، يجب أن يُنظر إلى النضال ليس فقط كفعل مقاومة، بل كمنهج علمي لتحليل الواقع وبناء مسار نحو حرية متكاملة للمرأة والرجل، هذا هو الأساس الذي ينبغي أن يرتكز عليه عملنا المستقبلي".
نهضة المرأة الإيزيدية من رماد الفرمان إلى بناء مجتمع ديمقراطي
وأشارت ريهام حسن إلى أنه "بعد الفرمان الرابع والسبعين، شهدت المرأة الإيزيدية تحولات جذرية في واقعها، حيث شكلت هذه الكارثة نقطة انطلاق نحو استعادة القوة والهوية، من خلال التعرف على فكر وفلسفة القائد عبد الله أوجلان، وانخراطها في حركة حرية المرأة، بدأت المرأة الإيزيدية في إعادة بناء حياتها على أسس جديدة مستمدة من ثقافتها، وإيمانها، وجذورها التاريخية، من الاقتصاد إلى السياسة، ومن التعليم إلى المؤسسات، أصبحت النساء في طليعة الحراك المجتمعي، بعد أن نهضن من سبات امتد لقرون، وعدن إلى مواقعهن الطبيعية كقائدات ومبدعات في الحياة".
ولفتت إلى أنه "في قلب مجتمعنا، تكمن قوة التغيير في النساء. فحين تواجه المرأة العقلية الذكورية بعلمها المتراكم عبر آلاف السنين، فإنها قادرة على استعادة هوية الحرية التي سلبت منها. ولهذا، فإن تنظيم النساء، وتمكينهن، والعمل وفق رؤية الأمة الديمقراطية، وتعريفهن بـ علم المرأة (الجينولوجيا) يشكل الطريق نحو مستقبل أكثر عدالة وحرية، ففي شنكال، تجلت من جديد القوة الجوهرية والمعرفة العميقة للمرأة على أرض الواقع. إن نهضة المجتمع، القائمة على الأخلاق وجماليات الحياة، ليست مجرد هدف، بل هي المهمة الأساسية التي تقع على عاتقنا جميعاً".
الفرمانات والإبادة الثقافية... الإيزيديات بين الاستهداف والتنظيم
في الندوة الثانية من ورشة "نهضة المرأة الإيزيدية"، تم التطرق إلى تأثير الفرمانات التاريخية على واقع النساء الإيزيديات، مع التركيز على الفرمان الأخير الذي وقع في 3 آب/أغسطس 2014، والمعروف بالفرمان الرابع والسبعين.
وتناولت الندوة التي قدمتها عضوة أكاديمية علم المرأة (جينولوجيا) في شنكال، سارة شنكالي، الظروف القاسية التي عاشتها النساء بعد الكارثة، من النزوح إلى الحياة في المخيمات، كما ناقشت سبل التنظيم الذاتي، والحماية، والمقاومة التي تبنتها النساء في مواجهة هذا الواقع.
ووصفت الفرمان بأنه امتداد لعقلية ذكورية سلطوية متجذرة في التاريخ، نشأت من الحضارة المركزية، وتجلت بأشكال متعددة من الهيمنة، سواء باسم الدين أو السلطة أو الدولة القومية، هذه العقلية، بحسب سارة شنكالي، لا تستند إلى الإيمان، بل إلى رغبة في السيطرة على الأرض والناس، وقد تكررت عبر التاريخ في صور متعددة من الإبادة، كان آخرها الهجوم الذي نفذه داعش في شنكال.
وأكدت على أن "النساء كن الضحايا الأبرز في هذه المجازر، حيث استهدفت هويتهن ومعتقداتهن وثقافتهن بهدف محوها، فاستهداف المرأة هو استهداف لجوهر المجتمع، ولغته، وثقافته، وهو ما يجعل تنظيم النساء بعد الكارثة ضرورة وجودية، لا مجرد رد فعل".
TAJÊ صوت المرأة الإيزيدية في مواجهة العنف
ولفتت إلى أن العنف ضد النساء لا يقتصر على المجازر والفرمانات فحسب، بل إن أكثر أشكاله قسوة وخطورة يتمثل في العنف النفسي الذي يمارس داخل الأسرة، وفي المجتمع، وفي أماكن العمل، وغالباً ما يكون بيد النظام الذكوري السلطوي "هذا النظام، الذي لا يميز بين قوميات أو ديانات أو ثقافات، يفرض على النساء حول العالم أشكالاً متعددة من العنف، من التحرش والاغتصاب إلى القتل، مما يجعل كل عملية إبادة تنفذ، وكأنها تنفذ ضد النساء جميعاً".
وأضافت "بعد كارثة عام 2014، أعاد المجتمع في شنكال تنظيم ذاته، مستنداً إلى فلسفة القائد عبد الله أوجلان، التي فتحت آفاقاً جديدة أمام النساء، ومن هذا المنطلق، تأسست حركة حرية المرأة الإيزيدية (TAJÊ)، كخطوة مفصلية في تاريخ المرأة الإيزيدية، حيث تم إنشاء تنظيم نسائي مستقل، اجتماعي وسياسي، يعبر عن إرادة النساء المنظمات، ويتخذ قراراته بشكل ذاتي لأول مرة".
وأشارت إلى أن اللجنة الدبلوماسية التابعة لـ TAJÊ لعبت دوراً محورياً في إيصال صوت النساء الإيزيديات إلى العالم، من خلال بناء علاقات متينة مع نساء من مختلف البلدان، ومع مؤسسات ومنظمات دولية، بهدف التعريف بالفرمانات التي تعرض لها المجتمع الإيزيدي، وإبراز نضال المرأة الإيزيدية في وجه العنف والإبادة "إن TAJÊ لا تمثل فقط تنظيماً نسوياً، بل تجسد إرادة مقاومة جماعية، تسعى إلى بناء مجتمع ديمقراطي حر، تكون فيه المرأة في موقع القيادة والقرار".
"تاريخنا هو تاريخ نضال ومقاومة وهو تاريخ 74 فرماناً"
وقالت سارة شنكالي "تاريخنا ليس مجرد سردٍ للأحداث، بل هو سجل حي للنضال والمقاومة، محفور بذاكرة 74 فرماناً استهدفت وجودنا وهويتنا، ومن هذا التاريخ، استخلصنا درساً جوهرياً ألا وهو، إن لم نحمي أنفسنا، فلن يفعل أحد ذلك نيابةً عنا، فالحماية بالنسبة لنا ليست خياراً، بل ضرورة وجودية، تماماً كما أن الماء والخبز لا يُستغنى عنهما للبقاء".
وتابعت "من هذا المنطلق، اعترفنا بقوة وحدات المرأة في شنكال (YJŞ) كدرعٍ يحمي كرامتنا ووجودنا، وانطلقنا بها نحو بناء واقع جديد. واليوم، أصبح جزء أساسي من نضالنا يتمثل في تعليم كل امرأة، أينما كانت، مبادئ الحماية الجوهرية، وتثقيفها فكرياً وعلمياً حول حقيقة المرأة، وحب الوطن، والتاريخ الإيزيدي".
وأكدت على أن حركة حرية المرأة الإيزيدية (TAJÊ) التي تأسست في شنكال، لم تكن مجرد تنظيم، بل تجسيد حي لثورة المرأة "لقد نشأت هذه الحركة من رحم الألم، وتحولت إلى قوة قيادية، تحمل حب الأرض، وتنهض بشعبها. الريادة التي ظهرت من خلال مقاومة شنكال، أصبحت اليوم رمزاً لوعي المرأة، ولقدرتها على قيادة مجتمعها نحو الحرية والكرامة".
المرأة الإيزيدية في قلب النهضة... من الحماية الذاتية إلى الثورة الذهنية
فيما سلطت الندوة الثالثة التي أديرت من قبل كل من عضوة اللجنة الدبلوماسية في حركة حرية المرأة الإيزيدية (TAJÊ) لافا شنكالي، والقيادية في وحدات المرأة في شنكال (YJŞ)، آخين انتقام، الضوء على دور النساء الإيزيديات في نهضة المجتمع، وعلى أهمية الحماية الذاتية كركيزة أساسية في مسيرة التحرر والتنظيم.
وقد تناولت الندوة مفاهيم النهضة من منظور نسوي تحرري، حيث أكدت لافا شنكالي أن النهضة لا تعني فقط التغيير، بل هي ولادة جديدة، وعودة إلى الطبيعة والجذور، وهي في جوهرها ثورة ذهنية تعيد تشكيل العلاقة بين الفرد والمجتمع والطبيعة.
وأشارت إلى أن فلسفة القائد عبد الله أوجلان في نهضة الشرق الأوسط تمنح الفرد الحر دوراً محورياً، وتسعى إلى بناء مجتمع ديمقراطي متكامل، لا يقوم على الهيمنة، بل على التوازن والتكامل بين مكوناته "في ظل اتساع رقعة الحرب العالمية الثالثة وتصاعد الأزمات ، من الحروب إلى التدهور البيئي والاقتصادي، وفي مواجهة الذهنية الذكورية المتضخمة، تبرز دعوة القائد أوجلان للسلام والحرية كمشروع إنساني شامل، موجه للشعوب المضطهدة والفئات المهمشة، وفي مقدمتها النساء".
أهمية الدفاع عن الذات
من جانبها قالت القيادية في وحدات المرأة في شنكال (YJŞ)، آخين انتقام "لو لم نكن اليوم كنساء إيزيديات ومجتمعنا واقفين على أقدامنا، والفضل في ذلك يعود إلى فكر القائد أوجلان. نحن من تحملنا الألم الأكبر. نحن أصحاب هذه الثقافة وهذه العقيدة. لقد بنينا أنفسنا من خلال إرادتنا. نحن نمتلك القوة والإيمان الذي يمكننا من التنظيم ومواجهة جميع الهجمات. في هذا الزمن، يجب أن نكون رواداً لجميع المجتمعات".
وأكدت على أن الإبادة التي وقعت عام 2014 لم تكن مجرد حدث، بل لحظة فاصلة دفعت النساء إلى إدراك أن الحماية الذاتية ليست خياراً، بل ضرورة وجودية "في زمن تتصاعد فيه الهجمات ضد النساء، وتُمارس الإبادة الثقافية بعقلية ذكورية، تبرز الحاجة إلى ثورة ذهنية شاملة، تعيد تشكيل الفكر، والثقافة، والإيمان، والعلم. هذه الثورة لا تبنى فقط على الوعي، بل على التنظيم، وعلى الإيمان بأن المرأة ليست ضحية، بل صاحبة إرادة وقوة قادرة على قيادة المجتمعات، المرحلة الجديدة تتطلب استعداداً شاملاً، ونضالاً لا يلين، يستند إلى جذور التاريخ المقاوم، ويكرس ثقافة الحماية الذاتية كجزء من الهوية الإيزيدية، ولكي نحمي عقيدتنا وثقافتنا، يجب أن نكون أصحابها الحقيقيين، وأن نجسدها في كل جانب من جوانب الحياة".