في الذكرى الثالثة لمجزرة حلنج... نساء أصبحن قدوة لنساء العالم

تركت ثلاث نساء سياسيات ومناضلات رحن ضحايا مجزرة حلنج في كوباني، إرثاً تاريخياً للسير عليه حتى تحقيق الحرية، والتخلص من قيود العبودية، وأصبحن بريادتهن قدوة لنساء العالم.

برجم جودي

كوباني ـ بدأت النساء الكرديات في شمال وشرق سوريا، اللواتي رحبن بفكر القائد عبد الله أوجلان الذي يدعو لحياة حرة، رحلتهن في النضال بالإيمان بالحرية، وتمكن من إشعال شرارة ثورة 19 تموز على مبدأ "jin jiyan azadî"، خلقت ثورة روج آفا الآلاف من القيادات النسائية والمقاتلات، فقد اجتمعت النساء وثورة الحرية معاً كقلب وعقل متحررين وتركن بصمتهن في القرن الحادي والعشرين.

لقد مارس النظام الرأسمالي للرجل الحاكم سلطته على النساء والمجتمعات لقرون وما زال قائماً على هذا النحو. ضد هذا النظام قدم القائد عبد الله أوجلان مشروعاً بديلاً يخدم الشعب المظلوم. أصبح مشروع الأمة الديمقراطية، المعروف بمبادئه الثلاث الأساسية وهي "حرية المرأة والديمقراطية والبيئة"، أكبر تهديد للدول القومية.

 

تبنت المرأة فكرة الحرية وبدأت الثورة

اضطهدت المرأة في ظل النظام الحالي منذ خمسة آلاف عام، لذلك اجتمعت النساء حول أيديولوجية وفكر القائد عبد الله أوجلان، واعتبرنها مصدر نضالهن. لذا تم القبض على خالق فلسفة الحياة الحرة والكونفدرالية الديمقراطية عبد الله أوجلان من قبل القوى المهيمنة التي أوشكت على الفشل في استهداف قادة واتباع هذه الأيديولوجية. أشار القائد أوجلان في العديد من خطاباته ومرافعاته إلى أن المرأة ستكون قادرة على ضمان مشروع الأمة الديمقراطية من خلال نضالها وقيادتها للحرية. وعلى هذا الأساس، في التاسع من تموز/يوليو عام 2012، اندلعت ثورة بقيادة النساء في روج آفا. ظهرت هذه الثورة في وقت كانت القوى المهيمنة تحاول تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير. أرادت القوى الحاكمة عن طريق الدولة التركية القضاء على الأنشطة التي بدأت في روج آفا وامتدت إلى مناطق شمال وشرق سوريا بأكملها. لهذا السبب حدثت ولا تزال تحدث هجمات مختلفة ضد الثورة وقادتها.

 

القوة الديناميكية للثورة

التف شعب روج آفا وخاصة النساء بإخلاص حول ثورة وأيديولوجية عبد الله أوجلان. لطالما كان هذا الموقف عقبة أمام الدولة التركية لتحقيق أهداف ومصالح القوى الحاكمة، لذلك تشن تركيا منذ سنوات هجمات عسكرية وتمارس الحرب الخاصة والباردة ضد أهالي شمال وشرق سوريا، وارتكبت عشرات المجازر في المنطقة خوفاً من تنظيم ونضال ومقاومة المرأة.

 

مجزرة حلنج في كوباني

في الثالث من حزيران/يونيو عام 2020، ارتكبت الدولة التركية جريمة جديدة بحق قيادات الثورة النسائية. في ذلك اليوم قصفت طائرات مسيرة تابعة لتركيا منزل عائلة وطنية في قرية حلنج شرق كوباني. نتيجة للهجوم المتعمد، فقدت عضوة تنسيق مؤتمر ستار زهرة بركل، وهبون ملا خليل من إدارة مؤتمر ستار في منطقة شيران وصاحبة المنزل الأم أمينة ويسي حياتهم.

وبهذا الهجوم بدأت تركيا باستهداف القيادات والوطنيين في شمال وشرق سوريا، حيث فقدت عشرات النساء أرواحهن حتى الآن، وكان آخرها استهداف طائرات الاحتلال التركي سيارة الرئيسة المشتركة لمجلس مقاطعة قامشلو يسرى درويش ونائبتها ليمان شويش على الطريق بين قامشلو وتربسبيه، في الـ 20 من حزيران/يونيو الجاري، مما أدى إلى استشهادهما.

 

زهرة بركل المرأة القيادية والناشطة

في المجزرة التي حدثت منذ ثلاث سنوات، تم استهداف أكثر النساء ديناميكية في منظمة مؤتمر ستار النسائية، من بينهن عضوة تنسيقية مؤتمر ستار لمنطقة الفرات زهرة بركل التي ولدت عام 1987 في قرية برخ بوتان جنوب كوباني، وتلقت تعليمها الابتدائي والإعدادي في مدينتها، ثم درست الحقوق في جامعة حلب لمدة عامين.

اشتهرت زهرة بركل التي شاركت في النضال لسنوات عديدة ضمن ثورة روج آفا، بين عائلتها وأصدقائها ورفاقها بالتواضع والمسؤولية والانضباط، في عام 2012 بدأت بالعمل في دار المرأة، وبعد عام انضمت إلى فريق الهلال الأحمر الكردي، واستمرت في تنظيم النساء بشمال كردستان في عام 2014 أثناء معركة كوباني ضد هجمات مرتزقة داعش.

وما بين عامي 2015 ـ 2016 عملت في مجلس العدالة، وفي عام 2017 تولت الرئاسة المشتركة لبلدية كوباني، إلى أن انضمت إلى تنسيقية مؤتمر ستار عام 2018 وعملت فيها حتى اللحظة التي فقدت فيها حياتها. كانت زهرة بركل ملتزمة وشغوفة بحرية المرأة والمجتمع في عملها حتى النهاية. وفي كل تقييماتها وكلماتها تحدثت عن الاعتداءات على النساء وكيفية النضال.

 

هبون كوباني

المقاتلة هبون كوباني واسمها الحقيقي بديعة ملا خليل، وتعرف بـ هبون ملا خليل، ضحت بـ 21 عاماً من حياتها من أجل ثورة الحرية في كردستان. ولدت عام 1981 في قرية حلنج شرق كوباني. نشأت وترعرعت على معرفة حقيقة الشعب الكردي وكردستان وفكر القائد عبد الله أوجلان، بدأت نضالها من أجل حرية المرأة وشعب كردستان متأثرة بالمؤامرة الدولية ضد القائد أوجلان في 15 شباط/فبراير عام 1999، وقد طورت من نفسها في كافة نواحي الحياة كامرأة ثورية ورائدة وقائدة، وقدمت نضالاً كبيراً في ثورة 19 تموز وخاصة في مقاومة كوباني. لتعمل فيما بعد في المجالات التنظيمية والاجتماعية والتعليمية لمعاناتها من السرطان، لقد عاشت على أمل الحرية.

 

أمينة ويسي... أم الثورة وآلاف المقاتلين/ات

في خضم الثورة في روج آفا، ظهرت الآلاف من الأمهات اللواتي تنبض قلوبهن من أجل الحرية. أمينة ويسي هي من أكثر الأمثلة الملموسة، وهي أم لابنتين و4 أبناء، أصلها من قرية حلنج وكانت تبلغ من العمر 56 عاماً وقت وفاتها. امرأة اشتهرت بوطنيتها وعلمها وحسن ضيافتها وتواضعها. منذ التسعينيات، كان منزلها مفتوحاً لجميع أنشطة النضال من أجل حرية المرأة وكردستان. أصبحت أمينة ويسي التي ربت أطفالها وعلمتهم على نفس الفكر، وزرعت بذور حب الوطن في نفوس أبنائها، قائدة النضال من أجلهم وأصبحت أماً لكثير من المقاتلين/ات.

 

مجزرة حلنج

تقول نائبة المجلس التنفيذي في مقاطعة كوباني مزكين خليل التي كانت تنسق أعمال مؤتمر ستار مع زهرة بركل خلال المجزرة، وهي أيضاً ابنة أمينة ويسي التي وقعت المجزرة في منزلها "لقد كنت شاهدة على المجزرة التي وقعت في منزلي في الثالث والعشرين من حزيران عام 2020. في ذلك الوقت كنت أنا وزهرة نعمل معاً في تنسيق أعمال مؤتمر ستار، لذلك تطورت الصداقة بيننا حيث أصبح من الطبيعي أن نذهب إلى منازل بعضنا البعض. لذا يمكنني القول إننا كنا نقضي الساعات 24 ساعة معاً. في يوم الحادثة، لم نلتقي أنا وزهرة، لأنني في ذلك اليوم كان لدي عمل في أكاديمية الشهيد شيلان، وكانت زهرة وهبون تنظمان لقاءً للنساء في القرى والنواحي للتحضير للمؤتمر. وصلت إلى منزلي في قرية حلنج بين الساعة الخامسة والسادسة مساءً، في هذه الأثناء اتصلت بي زهرة عبر الهاتف وأبلغتني أنها ستأتي إلى منزلنا".

وأضافت "لقد كانت تربط زهرة علاقة قوية مع عائلتي، كانت زهرة وهبون تجلسان مع والدتي في الفناء بينما كنت أعد الطعام. بعد فترة وجيزة سمعت صوتاً عالياً وعلى الفور دخلت شرارات النار إلى داخل المنزل. لقد صدمت في تلك اللحظة وركضت على الفور إلى الخارج لمعرفة ما حدث. عندما وصلت إلى الباب رأيت جثة أمي وصديقتي زهرة وهبون. علمت في تلك اللحظة أنهم قد استشهدوا، وبعد ذلك استنجدت على الفور بالجيران حتى نتمكن من نقل جثثهن إلى المشرحة".

 

"كن قادة ثورة المرأة والمجتمع"

وتابعت "كانت تلك المرة الأولى التي تنفذ فيها الدولة التركية مثل هذا الهجوم على هذا المستوى في شمال وشرق سوريا. لقد كانت حادثة جديدة في تاريخ منظمة مؤتمر ستار. كان الأشخاص المستهدفون رواد وقادة ثورة المرأة والمجتمع. بالرغم من أن والدتي التي كانت ربة منزل ولم تقم بأي عمل تنظيمي بشكل رسمي، لعبت دورها كأم مناضلة في كل فرصة، وكانت تعرف بكرم ضيافتها، لذلك كانت ترحب دائماً بكل من ينبض قلبه من أجل الحرية".

 

"لا يمكن لأي هجوم أن يبعدنا عن قضيتنا"

وأوضحت أن "الدولة التركية أرادت بهذا الهجوم أن تبعث برسالة للأمهات الوطنيات والنساء الرائدات اللواتي تنظمن المرأة والمجتمع على أساس الحرية والديمقراطية وتطرحن وجهات نظرهن، تفيد بتدمير المنظمة النسائية في شمال وشرق سوريا. إننا نشهد نجاح المرأة وتصميمها على إفشال سياسات أردوغان. اندلعت انتفاضة النساء تحت شعار "jin jiyan azadî" الذي أصبحت عالمياً نتيجة الكفاح والعمل الجاد للمقاتلين/ات، نحن كأسرة ملتزمون بالسير على خط الحرية حتى النهاية ولن يمنعنا أو يبعدنا أي هجوم عن هذه القضية. وبهذه الطريقة سنواصل عمل رفاقنا، وندمر مخططات الدولة التركية ونضمن ثورة حرية المرأة".

 

"الدولة التركية تنفذ سياسات خاصة ضد المرأة"

وحول استهداف القيادات النسائية في شمال وشرق سوريا تقول الرئيسة المشتركة لحركة المجتمع الديمقراطي (TEV-DEM) هدله حسن "شهر حزيران له معنى مختلف بالنسبة لنا نحن الشعب الكردي، خاصة وأن النساء تعرضن للعديد من المجازر وقدمن العديد من الشهداء في هذا الشهر. ابتداءً من الشهيدة سما يوجا وزيلان إلى الحادثة التي وقعت في القامشلي في 20 حزيران. تختار الدولة التركية عن عمد تاريخ معظم هجماتها. ففي الوقت الذي نستعد فيه لإحياء ذكرى مجزرة حلنج، وقعت مجزرة أخرى في منطقة الجزيرة. ويظهر هذا الهجوم سياسات حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية ضد النساء القيادات والمؤثرات. في هذه الثورة المرأة هي القوة الأكثر فاعلية، ولا سيما هؤلاء النساء اللواتي يتم استهدافهن، نرى أنهن أشخاص عملوا لسنوات بذلوا جهود كبيرة وعملوا بجد ولعبوا دورهم في تنظيم النساء. نمت ثورتنا من خلال هؤلاء النساء وتطور مشروع الأمة الديمقراطية أيضاً بنفس الطريقة".

 

"قرارنا مؤكد وهو ضمان ثورتنا"

وأكدت على أنهم سيواصلون عملهم بالسير على خطى الشهداء وسينجحون في ثورة المرأة "طبعاً الدولة التركية تريد تخويف النساء بهذه الأساليب وإضعاف رغبتهن في المشاركة في الثورة. لكنني أعتقد أنها رأت موقف النساء ضد المجازر التي حدثت في نفس اليوم. ففي اليوم التالي لمجزرة حلنج، انتفضت مئات النساء وأبدين موقفاً قوياً ضد استهداف القيادات وأكدن في الوقت ذاته تصميمهن على النجاح والسير على طريق الشهداء والشهيدات، نحن نصبح أقوى بعد خسارة كل مناضل من قياداتنا، وهو ما يفشل مخططات الدولة التركية. في ذكرى مجزرة حلنج، مرة أخرى نجدد وعدنا لشهدائنا والقائد عبد الله أوجلان بأننا سننتصر في ثورة المرأة ونكفل حرية المرأة والمجتمع".