التهاب الكبد الفيروسي... الأشد هتكاً للأرواح وبصمت

تحصد الأوبئة أعداداً رهيبة من الأرواح سنوياً، ولا يزال الملايين من الأشخاص يقعون ضحايا الأمراض المعدية التي بالإمكان الوقاية منها أو علاجها

مركز الأخبارـ ، ولكن في ظل غياب الاهتمام والوعي الصحي لدى المجتمعات، واتباع سلوكيات صحية خاطئة حيال الأمراض، تفاقمت حالات التفشي بنسبٍ مروعة.  
اتخذت منظمة الصحة العالمية وشركاؤها 28 تموز/يوليو يوماً دولياً لتعزيز الوعي بالتهاب الكبد الفيروسي، والتأكيد على الأهمية القصوى للتوعية، وتبادلاً للمعلومات والمعارف العلمية وبرامج الدعوة بشأن الأوبئة على الصعيد المحلي والوطني والإقليمي والعالمي، باعتبارها تدابير فعالة للوقاية منها والتصدي لها.
وقد اختير الثامن والعشرين من تموز/يوليو تخليداً لذكرى ميلاد العالم الأمريكي باروخ بلومبرغ الحائز على جائزة نوبل، والذي اكتشف عام 1964 مولد ضد سطحي لالتهاب الكبد "B"، ويعود إليه الفضل في استحداث اختبار لتشخيصه ولقاح مضاد له.
 
300 ضحية سنوياً 
%95 إجمالي الحصيلة السنوية للمصابين بالتهاب الكبد الوبائي، هذا الوباء الذي يضم 5 سلالات رئيسية تختلف إلى حد ما في طريقة انتشارها وعلاجها، والذي يتم تصنيفه ضمن الأوبئة الصامتة الأشد خطورة، هذا وقد بلغ إجمالي عدد الأشخاص المتعايشين مع التهاب الكبد الفيروسي بنوعيه "B" و "C" 325 مليوناً، أما حصيلة الإصابات السنوية في إفريقيا قد بلغت 71 مليون مصاب، وتودي بحياة 300 شخص منهم سنوياً إثر السرطانات التي تتسبب بها في الكبد والمضاعفات المتعلقة بها.
 
التهاب الكبد "C" أخطر الأنواع هتكاً بالكبد
يعد التهاب الكبد من الأمراض الفيروسية الحادة والمزمنة التي يمكن أن تهدد حياة المصاب بها، ويمثل هذا الالتهاب مشكلة صحية عالمية رئيسية، وبحسب تعريف منظمة الصحة العالمية يتسبب الفيروس بضرر كبير لخلايا الكبد، قد يكون الضرر قصير أو طويل المدى، حيث يمكن أن يشفى المصاب ذاتياً من دون علاج، أو يتطور ليصبح إما تليفاً أو تشمعاً أو سرطاناً يلحق بالكبد، ويصيب الجسم باليرقان (صفرة الجلد) ولا سيما لدى الأطفال.
لالتهاب الكبد أنواع كثيرة منها (A وB وC وD وE)، يعد النوع A وE أكثر حدة عادةً، أما الأنواع الثلاثة الأخرى B وC وD من المرجح أن تصبح مستمرة ومزمنة. 
يمكن الإصابة بالتهاب الكبد من النوع A عن طريق الطعام أو الماء الملوث، أو الاحتكاك المباشر مع شخص مصاب أو جسم ملوث، وهو معدي للغاية يتسبب بالالتهاب ويؤثر على قدرة الكبد في أداء وظائفه، كذلك الحال بالنسبة لالتهاب الكبد (HEV E)، الذي يعد من الأوبئة المرتبطة بتلوث المياه، لذلك تعد المناطق ذات الصرف الصحي الضعيف أكثر تعرضاً لالتهاب الكبد E، أو عن طريق الفم والبراز وتسبب هذه الطريقة بنسب كبيرة جداً من الحالات السريرية للإصابة بهذا المرض.
أما التهاب الكبد (HBV B)، الذي يحصد نسباً مروعة من الأرقام حول الإصابات بها، ينتشر بسبب إبر الحقن، والوشم، وثقب الجلد، والتعرض للدم المُلوث وسوائل الجسم الأخرى مثل اللعاب والسوائل الحيضية والمهبلية والمنوية، وعن طريق الاتصال الجنسي كذلك، ويعد الرضع والأطفال أكثر عرضة لخطر الإصابة بعدوى التهاب الكبد "B" المزمن (طويل المدى)، عن طريق أمهاتهم أو قبل بلوغ الخامسة من العمر.
فيما التهاب الكبد الوبائي (HCV C)، والذي يعد الأشد هتكاً بالكبد، ينتقل عن طريق الدم الملوث أو نتيجة لاستخدام حقن ملوثة بهذا الفيروس، والاتصال الجنسي، ويسبب حالة مرضية حادة ومزمنة على حد سواء تتراوح شدته بين المرض الخفيف الذي يدوم أسابيع قليلة والمرض الخطير الذي يستمر طيلة العمر، ويعد السبب الرئيسي للإصابة بسرطان الكبد ومن الممكن أن تشفي الأدوية المضادة للفيروسات أكثر من 95%، بيد أن فرص التشخيص والعلاج محدودة، ولم تتوصل البحوث بعد إلى لقاح ناجع ضد التهاب الكبد "C".
بينما التهاب الكبد (HDV D) الحاد والمزمن بشكليه والذي يستلزم تَنسخه وجود التهاب الكبد "B"، ينتقل عن طريق الجلد أو العلاقات الجنسية من خلال ملامسة الدم الملوث ومنتجاته، أو انتقال العدوى المباشرة من الأم إلى الطفل، ويعد أشد أشكال التهاب الكبد الفيروسي المزمن وخامةً نتيجةً لزيادة سرعة تعرض المصاب بها للوفاة من جرّاء تعطل كبده وتسرطن الخلايا الكبدية.
ولا تتوقف أنواع التهاب الكبد على السلالات الخمس السابقة فقط، بل هناك أنواع أخرى غير مصنفة أو غير واضحة الارتباط بالمرض مثل فيروس التهاب الكبد G، الذي يشبه في تركيبه وشكله الفيروس المسبب لالتهاب الكبد "C"، وعلى الرغم من أنه تم اكتشافه في عدة حالات مصابة بالتهاب الكبد المزمن إلا أن ربطه بالمرض لم يتم تأكيده بعد.
 
الموقف العالمي في مواجهة الأوبئة 
نظمت العديد من جمعيات المرضى الأوروبية والشرق أوسطية الحدث الافتتاحي الأول ليوم التوعية بالتهاب الكبد الوبائي، والذي وافق الأول من تشرين الأول/أكتوبر 2004، كما أنها لم تكن المرة الأخيرة بل تتالت مرات الاحتفال بيوم "التهاب الكبد الوبائي" ولكن في تواريخ منفصلة.
وبهدف توحيد مجموعات مرضى التهاب الكبد الوبائي بنوعيه "B" و"C" الأكثر انتشاراً عبر أرجاء العالم أجمع، تم تشكيل تحالف التهاب الكبد الوبائي عام 2008، وذلك لجذب المزيد من الانتباه على الصعيد العام، نتيجة لذلك شاركت 280 مجموعة مرضى التهاب الكبد الوبائي "B" و"C" في ذلك التحالف.
هذا ويقام اليوم العالمي لالتهاب الكبد الوبائي تحت رعاية تحالف التهاب الكبد الوبائي العالمي، ومع مداخلات من قبل أعضاء التحالف حدد اليوم العالمي لالتهاب الكبد الوبائي في التاسع عشر من أيار/مايو، والذي تم تدشينه تحت شعار الحملة "هل أنا رقم 12؟".
ويقصد بتساؤل شعار الحملة "هل أنا رقم 12؟"، أنه بحسب الإحصائيات العالمية فأن كل واحد من اثني عشر فرداً يتعايشون مع التهاب الكبد الفيروسي "B" و"C"، وتم ترجمة الشعار إلى 40 لغة مختلفة بهدف استخدامه من قبل منظمات المرضى حول العالم.
وتحت شعارٍ جديد حائزٍ على الأولوية "هذا هو التهاب الكبد الوبائي"، أقيم اليوم العالمي الثالث لالتهاب الكبد الوبائي في عام 2010، وقد تمكن شعار "هذا هو التهاب الكبد الوبائي" من التركيز على القصص البشرية وراء الالتهاب الكبدي الفيروسي، أما في يومه العالمي لعام 2011 ابقوا على الشعار نفسه.
 
%80 من المصابين لا تظهر عليهم الأعراض
بالنسبة لأهم الأعراض التي تطرأ على المصاب، فهي تختلف من نوع إلى آخر، حيث تشتمل الأعراض المبكرة على الصداع، قيئاً وغثياناً مفاجئين وفقدان الشهية، وآلام في البطن وحمى، عدم راحة وألم في القسم العلوي الأيمن من البطن نتيجة لانتفاخ وتضخم الكبد، ألمٌ في العضلات واحساس بالإنهاك والتعب العام، وتبرزات طينية اللون وبول مركز وغامق.
وفي أعقاب الإصابة بالعدوى الأولية، فإن نسبة 80% من المصابين لا تظهر عليهم الأعراض، أما في الحالات الأكثر خطورة ونظراً لكون الكبد قد تضرر وأصبح غير قادر على تصفية الدم بشكل فعال، تتراكم مواد كيميائية سامة في الدورة الدموية مسببةً اصفرار الجلد والجزء الأبيض من العين وبول مركّز وغامق، وغائط يميل لونه إلى الرمادي وارتفاع درجة حرارة الجسم واحساس عام بالمرض.
وتستوجب هذه الحالة علاجاً طبياً فورياً لأنها تشكل خطراً على حياة المصاب، وإلا فإن الكبد يصبح غير قابل للإصلاح.
 
الفشل الكبدي... حالة متقدمة تؤدي للموت
عند إصابة الكبد بالاتهاب تموت خلاياه ويؤدي موتها إلى مضاعفات مختلفة، فقد يصاب المريض بالنزيف المتكرر نظراً لقلة إفراز الكبد لعوامل التجلط، وحسبما أوضح رئيس مجلس إدارة الجمعية الألمانية لمساعدة مرضى الكبد كريستوف سارازين عن الأعراض التي تترتب على الإصابة بالعدوى، أنه وبعد الإصابة بالفيروس يحدث أمر من اثنين، إما أن يهاجم الجهاز المناعي الفيروس فيحدث التهاب حاد يتعافى منه الجسد بعد فترة، أو تتحول العدوى لمرض مزمن، وهذه الحالة تحدث مع نوعي "B" و"C"، وبحسب موقع مؤسسة مايو للتعليم والبحث الطبي "مايو كلينك"، تستمر العدوى المزمنة لفترة ستة أشهر أو أكثر.
وقد يتسبب الالتهاب بالفشل الكبدي، والذي ينجم عن هبوط حاد في أداء الكبد، بعد تلف جزء كبير منه، وفي حال حصول التلف في الكبد بسرعة كبيرة، يتطور لفشل كبدي بسرعة حادة، وقد يسبب الوفاة في غضون بضعة أيام، وقد تحصل مضاعفات أخرى أيضاً مثل الفشل الكلوي (المعروف بمتلازمة الكبد ـ الكليتين)، وقد تؤدي إلى سرطان الخلايا الكبدية إذا كانت هناك مضاعفات خطيرة، الذي يحدث عادةً عندما ينمو الورم على الكبد.
 
الأم ناقلة لفيروسات التهاب الكبد
تنتقل العدوى بالتهاب الكبد "B" في أغلب الأحيان من الأم إلى الطفل أثناء الولادة، أو عن طريق الانتقال الأفقي للعدوى أي التعرض لدم ملوث، ولاسيما من طفل مصاب بالعدوى إلى طفل غير مصاب بها خلال السنوات الخمسة الأولى من العمر.
وانتقال العدوى من الأم إلى الطفل هو الأكثر شيوعاً لدى الأطفال الذين يولدون لنساء يكون لديهن مستوى الحمل الفيروسي لالتهاب الكبد "B" عالياً، ولكن عندما لا تتوافر أي تدخلات وقائية، تتراوح نسبة خطر انتقال العدوى من الأم إلى الطفل بين 70% و90%.
 
درهم وقاية خيرٌ من قنطار علاج
إن خير ما يمكن فعله لحماية الكبد من الأمراض هو الوقاية التي تحمي من الإصابة أو تمنع تقدم المرض وزيادته سوءاً، حيث لا تزال الحكمة القائلة بأنّ درهم وقاية خيرٌ من قنطار علاج تثبتُ صحتها مرةً تلو الأخرى.
بحسب منظمة الصحة العالمية هناك لقاحات آمنة وناجحة لالتهاب الكبد من نوع "A" و"B" و"E"، غير أن نوع التهاب الكبد الفيروسي "C" لم يتم إيجاد لقاح له بعد.
يتم تطعيم لقاح التهاب الكبد B في سلسلة من ثلاث حقن عضلية، وفي حال إصابة الأشخاص الذين جرى تطعيمهم يقيس الأطباء مستويات الأجسام المضادة لالتهاب الكبد B لديهم، فإذا كانت مستويات الأجسام المضادة منخفضة قد يتطلب الأمر إعطاء حقنة أخرى من لقاح التهاب الكبد B. 
وعادةً ما يجري إعطاء الأطفال ثلاث جرعات من اللقاح (جرعة عند الولادة، وجرعة ثانية تعطى للأطفال بعمر الشهر والشهرين، وجرعة ثالثة تعطى بعمر 6 إلى 18 شهراً). 
يتم إنتاج لقاح الوقاية من التهاب الكبد الوبائي بتقنيات الهندسة الجينية، وذلك بواسطة فصل نوع واحد من المستضدات (Antigen)، تحديداً النوع (Type S) للفيروس المستضد السطحي لالتهاب الكبد B، وحضانته في خلايا حافظة ومن ثم تنقيته وتعقيمه وإنتاج مطعوم معقم جاهز للحقن.
أما في حالات الإصابة فاحتمالية الشفاء بسهولة من نوعي "A" و"E" نسبية، وينصح الأطباء بالراحة واتباع تعليمات الأطباء المختصين، فيما في حالات الإصابة بنوع "B" المزمن، فيتعين على المصاب الحصول على الأدوية المضادة للفيروسات، بينما في حالات الإصابة بنوع "C" تستمر فترة العلاج بالأدوية المضادة للفيروسات من 12 إلى 24 أسبوعاً.
 
كوفيد ـ 19 يعيق التقدم
أثبتت دراسة أجراها معهد "إمبريال" في لندن ومنظمة الصحة العالمية عام 2020، أن التشويش الذي تسببت به جائحة كورونا لبرنامج التطعيم ضد التهاب الكبد "B" التابع لمنظمة الصحة العالمية، يمكن أن يكون له تأثير على الجهود المبذولة لتحقيق الأهداف في الاستراتيجية العامة.
في ظل أسوأ السيناريوهات، تتوقع الدراسة أن 5.3 مليون إصابة مزمنة إضافية يمكن أن تسجل بين الأطفال الذين ولدوا وسيولدون بين عامي 2020 و2030، كما يمكن أن تسجل مليون حالة وفاة إضافية مرتبطة بالتهاب الكبد "B" بين هؤلاء الأطفال.
 
التهاب الكبد الفيروسي يحصد آلاف الأرواح يومياً 
برز التهاب الكبد الفيروسي كمشكلة صحية رئيسية في إقليم شرق المتوسط (قبرص، سوريا، لبنان، فلسطين، إسرائيل، والأردن)، فأكثر من 75% من حالات تشمع الكبد وسرطنة الخلايا الكبدية في الإقليم تعود للعدوى بفيروس التهاب الكبد B، أو فيروس التهاب الكبدC ، وعلى الرغم من توافر استراتيجيات وقائية ذات فاعلية إلا أن سِراية فيروس التهاب الكبد B وC تحدث في جميع أنحاء الإقليم.
هذا وبينت بعض الأبحاث والنتائج أن هذا الفيروس أصاب حوالي 10% من سكان السعودية، و25% من سكان مصر، وأن الحيوانات الداجنة تعد السبب الرئيس لأنها تعد بمثابة حاضنات للفيروس، حيث لوحظت نسبة إصابة مرتفعة حوالي 95% لدى الخنازير الداجنة.
ارتبطت الزيادات الكبيرة في التهاب الكبد A خلال عام 2019 بتفشي المرض على نطاق واسع نتيجة انتقال العدوى من شخص لآخر. حدث التفشي الأكبر بين البالغين الذين أبلغوا عن التشرد أو الذين يتعاطون المخدرات، وأظهروا أهمية المراقبة لتحديد نسبة الإصابة والتطعيم للوقاية من تفشي التهاب الكبد A والاستجابة له.
وبحسب تصريحات منظمة الصحة العالمية لعام 2019، فمعدل انتشار التهاب الكبد "B" الذي قد يكون مميتاً بالنسبة للأطفال دون سن الخامسة، انخفض إلى أقل من واحد في المائة، وكان قد بلغ معدل الإصابات 5 في المائة في عقود ما قبل اللقاح بين الثمانينات وأوائل القرن الحادي والعشرين. 
فيما بلغ عدد المصابين الذين يتعايشون مع التهاب الكبد B وC، 325 مليون شخص خلال عام 2020 فقط، بينما بلغت نسبة المتعايشين مع التهاب الكبد B 10%، أما نسبة المتعايشين مع التهاب الكبد C بلغت 19%، في حين بلغت نسبة الأطفال الذين تم تطعيمهم باللقاح المضاد لالتهاب الكبد B عند الولادة 42% حول العالم.