نساء يروينَّ أصعب لحظات مررن بها حينما أصيبت عائلاتهن بكورونا

في مدن حول العالم، يحظى السكان برعاية صحية جيدة عند الإصابة بالفيروس، فيكون هناك أبطالاً داخل المستشفيات، ممرضات وأطباء يتولون رعاية المريض، أما في دولنا العربية، فرضت البنية الصحية المتهالكة على البعض أن يضطر إلى لعب دور الطبيب أو الممرض وأحياناً سائق العائلة لأسرة أصيب أحد أفرادها بفيروس كورونا

إيناس كمال  
القاهرة ـ
تفاقمت داخل كل منا مشاعر سلبية عديدة أبرزها الخوف والقلق على الأحبة بطبيعة ما فرضه تفشي جائحة كورونا منذ نهاية العام 2019، عالمياً، تلك الأزمة التي خلقت معها ظروفاً استثنائية أفرزت أبطالاً في الظل منهنَّ فتيات وشابات قمنَّ بتطبيب أو تمريض عائلاتهنَّ في المنزل، بعد إصابتهنَّ بالفيروس.  
7 فتيات مصريات وشابة مغربية تعيش في مصر، روين لوكالتنا وكالة أنباء المرأة، كيف مرت تلك اللحظات عليهنَّ وأصعب ما عشنه، حكايات من داخل الحجر المنزلي مع أب أو أم أو أخ أو أخت مصاب بالفيروس. 
 
نهال زين: أنا طبيبة أمي وممرضتها ومعالجتها النفسية 
تقول نهال زين (29 عاماً) من محافظة بني سويف جنوب القاهرة، أن تلك الفترة من أصعب الأوقات التي مرت بها إطلاقاً، فكانت قد وضعت طفلتها لتوها، كما أصيبت وقتها بالفيروس وشفيت منه، حينما وجدت أن والدتها قد أصيبت هي الأخرى بدأت في إعطائها البروتوكول الذي نصحها به الأصدقاء الأطباء، وعندما وجدت أن أمها لا تتحسن وانخفضت نسبة الأكسجين بدمها، جلبت أسطوانات أكسجين إلى المنزل، إلا أن حالة الأم وقتها لم تتحسن فأخذت قرار بحجزها في العناية المركزة.
تقول نهال زين "كنت ممرضة وطبيبة وداعمة نفسياً وكل شيء، فكنت طبيبة بمتابعة الحالة والتواصل مع الأطباء الأصدقاء ومعرفة البروتوكول وأخذ القرارات المصيرية، وممرضة بمتابعة العلامات الحيوية من درجة الحرارة والأكسجين وغيرها، وداعمة نفسية حسبما فرضت عليَ الظروف وقتها".  
لم تخشَ على نفسها من العدوى وقتها، فكانت لتوها خارجة من الإصابة بالفيروس ذاته، وقتما كان هناك حديثاً علمياً عن مناعة للأفراد المصابين بالفيروس، وحول خوفها على طفلتها تقول "كنت أتعامل على أنها أخذت العدوى لأنها كانت مخالطة لي ولأمي طوال المدة، فكنت أتابعها هي أيضاً بقياس حرارتها باستمرار".  
لم يكن سهلاً عليها متابعة حالة والدتها، فالتوتر الذي عاشته نهال زين وقتها كان كبيراً جداً، فكانت حالة الأم تتحسن أحياناً ثم تسوء مرة أخرى ثم تتحسن مرة ثانية وهكذا، وكان مطلوباً منها أن تكون مستوعبة ومدركة لكل ما هو جديد في بروتوكول العلاج وهو ما لم يكن متوفراً طوال الوقت وكانت هي المتولية لمسألة القرارات الصحية لحالة الأم كونها الوحيدة الطبيبة في العائلة فكان القلق من ألا تكون قراراتها صحيحة خاصة أن أصدقائها الأطباء كان كل منهم يسير وفق بروتوكول مختلف عن الآخر. 
في أي مكان في العالم يقوم أقارب المريض فقط بدور "قريب المريض"، بتقديم الدعم العائلي والاجتماعي أما في مصر وبحسب الأخصائية والمعالجة النفسية نهال زين، فدوره هو تمريضه وتطبيبه مثلما فعلت فكان مرض والدتها مثلاً في ذروة الموجة الأولى، فبدلاً من أن تطمئن أن الدولة ستوفر تأميناً صحياً لها، قامت هي بما أسمته "دور الدولة" مع والدتها بتوفير مكان لها بأحد المستشفيات وهو ما كان صعباً وقتها نتيجة نقص حاد في أماكن الرعاية بالمستشفيات. 
 
أمينة: أنا الممرضة والسائق أيضاً 
أما (أمينة. م) الشابة المغربية التي تعيش في مصر فقد عاشت قلق كبير على صحة والدتها التي أصيبت بالفيروس خاصة أنها مريضة قلب، تقول "ليس لدي غيرها في هذه الدنيا، أنا وهي فقط، لو ماتت لن يكون لحياتي أي معنى، كنت قبل إصابتها بالفيروس بشهور قليلة قد فقدت شقيقي بحادث سيارة". 
وعن استعداداتها لمواجهة الفيروس قالت "من أجل ألا يدخل الفيروس منزلها اشتريت جميع المستلزمات، وكذلك تابعت الأطباء لمعرفة تفاصيل المرض والعدوى، واستفدت أيضاً من دراستي لأني طالبة دكتوراه بيولوجي".
تلك الأزمة جعلت أمينة لا تخشَ الموت "بالنسبة لي كان يا نعيش سوا يا نموت سوا، عندما أصيبت والدتي لم أخف وكنت أنام إلى جانبها دون تعقيم أو احتياطات". في هذه الفترة كما تقول كانت طبيبة أكثر من الأطباء وذلك لأن أغلب الأطباء لم يكن لديهم معلومات عن المرض الجديد المتفشي، فكانت تقرأ أولاً بأول أي أوراق علمية تنشر عن الفيروس. 
واشترت سيارة أيضاً لتقل والدتها إلى المشفى "عند الذهاب لإجراء التحاليل، أخشى أن يتعدى عليَ صاحب تكسي الأجرة أو يدعي على والدتي".  
 
ضحى عسكر: تابعت والداي المصابان 
تقول ضحى عسكر، وهي شابة عشرينية من محافظة الدقهلية، إنها كانت ترعى والديها، عندما أصيب والدها في البداية بالفيروس، ثم التقطت الأم العدوى. 
تعيش ضحى عسكر في المدينة بينما تعيش عائلتها في إحدى القرى "عندما شعرت بأن الأعراض التي تصفها لي والدتي عبر الهاتف هي لكورونا، خشيت ألا يجيدوا التصرف فسافرت فوراً إليهم"، وبدأت ضحى عسكر مهمتها، فقد كانت حرارة الأب مرتفعة ما بين 39 و40 درجة مئوية تنخفض تارة وترتفع تارة أخرى، بينما الأم كانت حرارتها آخذة في الارتفاع ولا تنخفض أبداً.    
قامت ضحى عسكر وهي صيدلانية، بتنفيذ أحد بروتوكولات علاج كورونا، التي كانت أول خطواتها هو فصل والدها عن والدتها وبقاء كل منهم في غرفة، فإذا شفي أحدهم لا يختلط بالآخر، وأصبحت ضحى هي المسؤولة عن صحة وسلامة العائلة جميعها بما فيها الشقيقان خوفاً من التقاطهم للعدوى.  
قامت بشراء أطباق وملاعق وأكواب للاستخدام مرة واحدة، فعند انتهاء أي منهم من وجبته يقوم بجمع الأكواب والأطباق ووضعها في كيس بلاستيكي مغلق بإحكام ووضعه على باب غرفته من الخارج فتقوم ضحى بجمع الأكياس وتعقيمها بالكلور من الخارج والتخلص منها.
كما كانت تقوم بطهي الطعام المخصص لهم ومتابعة كل منهم في فيتاميناته وأدويته الخاصة ومواعيد دواء كل منهم. ظلت الأم على حالها لمدة 12 يوماً أما الأب فشفي بعد 5 أيام فقط. 
عمل شاق قامت به ضحى عسكر فقد واظبت على تعقيم وتطهير كل مكان يسير فيه أحد الأبوين من غرفته حتى الحمام، كذلك تعقيم الحمام من بعدهم بالكلور والكحول وهما المادتين اللتين تم استخدامهما بكثافة من قبل ضحى خلال هذه الأيام، كذلك تعقيم البيت كله وخاصة الكراسي ومقابض الأبواب والأبواب نفسها والحنفية وغيرها. 
كما كانت من أصعب اللحظات هو كيف تحكم أبويها بعدم الحركة حتى لا يقوم أحدهم بنشر العدوى، والزيارات العائلية التي لم تستطع منعها فكانت تكلفها مجهوداً مضاعف بتعقيم البيت كله بعد كل زيارة.
 
إسرا صالح: لم أكن أملك رفاهية الحزن 
أما إسرا صالح من مدينة الإسكندرية، تقول إن والدها أصيب بالفيروس في آخر العام الماضي بالتزامن مع الموجة الثانية من كورونا، ووقع الاختيار عليها لمرافقة والدها أثناء رحلة علاجه وذلك لأن الأم مريضة "روماتويد" وبالتالي مناعتها ضعيفة، كما أنه بعد أيام من بدء رحلة العلاج ظهرت مشاكل صحية أخرى كان عليها التعامل معها.
ربما ساعد إسرا صالح خلفيتها الطبية فهي متخرجة من كلية الصيدلة وبالتالي استطاعت فهم وتحليل ما يقوله الأطباء وقراءة وفهم ما ينشر عن الفيروس بشكل علمي، وكذلك عملية تنظيم الأدوية لوالدها والتعامل بدعم نفسي معه وقياس الضغط والحرارة عدة مرات في اليوم.  
تقول "لم أكن أنام، مجرد أن أغفو كان يطلب مني قياس ضغطه أو حرارته، كانت فترة ضاغطة جداً"، مرت بلحظات صعبة وأيام عديدة مُرهقة نفسياً وصحياً ففي أحد الأيام كان والدها يشعر بتعب شديد فأخبرها أنه سيموت هذه الليلة فلم تنم وقتها وظلت تبكي طوال الليل واتصلت بأصدقائها تبلغهم باستعدادهم حال حدوث هذا الأمر وتكرر هذا في أيام أخرى.   
تصف والدها أنه شخص قوي يخافون منه طوال الوقت لكن المرض كان شديداً عليه فكان يصرخ في بعض الأوقات من شدة الألم وكان ضعيفاً ولا يتحرك، تقول عن هذه اللحظات "رغم ألمي لم يكن لدي رفاهية الحزن ولا الانهيار من التعب، كان عليَ الوقوف صامدة على مدى شهور".
 
خبرتهنَّ الطبية أفادتهنَّ كثيراً في رعاية عائلاتهنَّ
قامت (إيمان. ع) من مدينة المنصورة بمحافظة الدقهلية، بتمريض شقيقتيها فعزلتهما عن باقي العائلة وبدأت بتحديد جرعات الدواء لكل منهما وطهي الطعام لهما والتعامل بمفردها معهما قبل أن يصاب الأب هو أيضاً بالفيروس. 
بحكم خبرتها في مجال الأدوية لدراستها الصيدلة، كما خبرتها في فيروس كورونا، استطاعت تمريض 3 من أفراد من عائلتها، إضافة لتمريض نفسها فهي أيضا أصيبت بالفيروس في أغسطس الماضي، كما كانت المعاون في عملية إعداد وطهي الطعام مع الأم وقدمت دعم نفسي لشقيقتها الصغرى والتي عانت من أعراض الفيروس الشديدة على جهازها الهضمي فلم يستقر في معدتها أي طعام. 
تقول إنهم كانوا يتواصلون عبر تقنية الفيديو ولا يختلطون، وكانت فترة صعبة عليهم جميعاً وضاغطة عليها بشكل خاص "كانت أعصابي مشدودة طوال الوقت كان أقصى آمالي ألا نضطر للذهاب إلى المستشفى".
أما سلوى عليَ (اسم مستعار)، من محافظة الأقصر جنوب البلاد، أفادتها كثيراً دراستها للطب، فهي رغم إقامتها بالقاهرة، إلا أنها اضطرت للسفر إلى الأقصر لتطبيب والدها الذي أصيب بالفيروس ولم يكن هناك أصلح منها لهذه المهمة، يأتي ذلك في الوقت الذي أصيبت هي أيضاً بالفيروس تقول "كنت فاقدة للشم والتذوق، كان عندي خمول وأشعر أن جسدي محطم، لكن أنا الوحيدة التي كان عليها معالجة والدي فكنت معه طول الوقت".
ولم تنته هذه الفترة بتوترها وقلقها على سلوى مرور الكرام تقول "فكرة أن أكون محبوسة ومعزولة صعبة جداً ففي الفترة الأخيرة تأثرت نفسيتي وأصبت بانهيار عصبي". 
بينما اضطرت ميادة حسن (اسم مستعار) من مدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية، أن تعالج شقيقتها بعد إصابتها في أعقاب الموجة الثانية تشرين الأول/أكتوبر الماضي، تقول "عزلتها في غرفتي ومنعت والدتنا من الدخول وتواصلنا مع دكتورة قريبتنا أعطتني كورس العلاج وكنت أحضر الطعام أيضاً".
وبعد أشهر كانت هي الممرضة لشقيقها الذي أصيب بالفيروس، خلال شهر رمضان الماضي، تقول "فجأة ارتفعت درجة حرارة شقيقي ولم تنخفض. لم أكن أستطيع النوم في هذه الفترة فدرجة حرارته لم تنخفض عن 39 درجة".
أكثر من التمريض والتطبيب قامت به ميادة حسن التي كانت تسند شقيقها على كتفها ليذهب إلى الحمام رغم ثقله عليها، تقول إن خبرتها في التعامل مع المرض جاءت حينما كانت تساعد جدتها مريضة السكر.
أما شيرين السيد (اسم مستعار) من محافظة الإسكندرية تعرضت والدتها للإصابة في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي وكانت خائفة جداً من المرض تقول "والدتي لم تكن تعترف بإصابتها بكورونا".
عزلت شقيقتها ووالدتها المصابتان بالفيروس في غرفة بمفردهما وواظبت على تعقيم كل مكان وتحضير الأطعمة كذلك وتجهيز جرعات الأدوية حتى انتهت فترة الـ 14 يوم. 
كان ذلك قبل إصابة والدها هو أيضاً بالفيروس بعد أسابيع والذي كان التعامل معه مرهق جسدياً ونفسياً لها "التعامل مع والدي صعب جداً لم يكن يقبل تناول الأدوية أو الطعام المفيد، وحتى الكمامة لم يكن يقبل ارتدائها".
أما عن أصعب اللحظات التي مرت عليها "تأثرت نفسياً عندما أصيبت والدتي، وجهها كان أزرق وتشعر بالتعب دائماً، أبي أيضاً لم يكن حاله أفضل، عانيت كثيرة في هذه الفترة".