الإعلامية ملفين خوري تروي قصتها مع انفجار مرفأ بيروت

في ذلك اليوم تحديداً لم تكن تعلم الإعلامية اللبنانية ملفين خوري أن حياتها ستتغير بصورة جذرية، وأحلامها ستُعلق وطموحاتها ستُسلب، بل وستصبح نزيلة المستشفيات تداوي جراحاً لن تُشفى ندوبها

السادسة وسبع دقائق من 4 آب/أغسطس 2020، تاريخ لن يسناه اللبنانيون إذ حُفر بذاكرتهم كواحد من أسوأ ذكريات التاريخ، أنه انفجار مرفأ بيروت الذي أودى بحياة أكثر من مئتي شخص وأصاب أكثر من ستة آلاف شخص بجروح.
 
كارولين بزي
بيروت ـ .
ملفين خوري التي لطالما عُرفت بأخلاقها وإيمانها واحترافها في عملها الإعلامي، اعتزلت الشاشة منذ وقوع الانفجار، حتى تستعيد عافيتها الجسدية والنفسية. 
 
"هل ما نعيشه كابوساً أم حقيقة؟"
تروي ملفين خوري تفاصيل اليوم المشؤوم الذي أصبح ماضيها وحاضرها علّه لا يكون المستقبل، وتقول لوكالتنا "كنت مع والدتي في المطبخ وكانت خلفي واجهة زجاج كبيرة، عندما سمعنا صوت الانفجار الأول الذي ترافق مع تحليق للطيران، طلبت مني والدتي أن أغيّر مكاني خوفاً من ترددات الانفجار الأول أو حدوث انفجار آخر، ثم انتقلت إلى غرفة شقيقي الذي وقفت إلى جانبه لنرى الدخان المتصاعد من المرفأ، وخلال خروجنا من الغرفة وقع الانفجار الكبير، فطار شقيقي نحو خمسة أمتار من الغرفة إلى الصالون، وقوة الضربة دفعتني نحو الحائط المواجه للباب حيث تعرض جسمي لكسور عديدة علماً أنني لا أذكر تلك التفاصيل مع أني كنت يقظة ولكن أخي أعلمني بها، ثم قام بإخراجي من تحت الردم". 
وتتابع "وضعني على كرسي وأذكر أن المكان كان مظلماً جداً وكل شيء حولي محطم، وتخبرني والدتي بأنني سألتها إذا كان ما نعيشه كابوس، وأذكر أصوات الصراخ ولكنني لا أتذكر التفاصيل". 
يقع منزل ملفين خوري في منطقة الأشرفية المجاورة لمرفأ بيروت، وتلفت ملفين إلى أن الانفجار أدى إلى تدمير منزلها دماراً شاملاً، وتضيف "لو كنت أجلس في غرفتي وشقيقي في غرفته لحظة وقوع الانفجار بالتأكيد كنا قتلنا، وكذلك كانت والدتي أصيبت لو لم تعد إلى المنزل باكراً في ذلك اليوم".
 
"هذا ما تسبب به الانفجار"
تعرضت ملفين خوري لعدة كسور إن كان في وجهها أو جسمها، "تعرض وجهي لكسور جسيمة، وكذلك كتفي وأسناني، وأصبت بنزيف داخلي بقدمي مع رضوض، واخترق الزجاج جسمي وعيوني، وتعرض جفني لتمزق بسبب الزجاج".
وتضيف "أجريت أربع عمليات، ولدي عملية خامسة في السادس من آب/أغسطس الجاري، وعملية في نهاية أيلول/سبتمبر المقبل".
لا تزال أصوات الطيران ترعب ملفين خوري فحياتها التي كانت على بُعد شعرة من الموت، لم تعد هادئة وعادية، وتقول "أستيقظ كثيراً في الليل، لا أنام بسهولة، كنت أقدم برامج على قناة تلفزيونية دينية، وقد توقفت عن تقديم البرامج منذ وقوع الانفجار. بقيت لمدة عشرة أشهر في البيت، ولم يكن بإمكاني أن أتابع عملي في مطرانية بيروت المارونية بسبب الضرر الذي أصابني وخوفاً من دخول الغبار في عيني وبسبب الأوجاع الدائمة التي تحتل جسمي".
 
"انتهت طموحاتي وسُلبت أحلامي"
وتتابع "لم يعد لدي أي طموح، أعيش كل يوم بيومه بلا طموح، لم يعد يعنيني شيء، ليس لدي ما أخسره أو أخاف على خسارته"، على الرغم من مشاعر الإحباط إلا أن ملفين خوري شخصية قوية كما كانت دائماً، لأنها لن تسمح لأحد أن يكسرها، لكن الأمل بمستقبل زاهر في بلد مثل لبنان بات مستحيلاً في الوقت الحالي، وفق ما تقول. 
وتضيف "إذا سافرت علماً أنني لا أحب السفر ولكن بإمكاني أن أحقق هذا الحلم بينما هنا هذا الحلم أصبح صعب. من غير السهل أن أغادر البلد، لبنان لا يتحمل مسؤولية الأشخاص الفاسدين الذين نكلوا بنا. وإذا أردنا أن نبدل الواقع الذي نعيشه لا يمكننا أن نعتمد على الآخرين علينا البدء بأنفسنا". 
وتقول "مغادرة لبنان ليست سهلة بسبب الذكريات، الأقارب والأصدقاء الذين يعيشون هنا وكذلك الأشخاص الذين قمنا بدفنهم هنا، هل نترك هويتنا ونغادر؟ ربما هذا طموحهم أو هدفهم ولن نحقق لهم هذا الحلم".
وتتابع "تعرض شقيقي لجروح قوية، والدتي لم تصب بأذى، وكنت أكثر من تعرض للأذى في البيت، كما توفيت عمتي بالانفجار علماً أنها لم تسكن معنا ولكن منزلها مواجه لمستشفى الروم الذي تضرر كثيراً خلال الانفجار". 
 
"عدت إلى منزلي على مراحل"
وتتحدث ملفين خوري عن الحال التي وصلت إليها وتقول "أشعر أنني لا أعي كل شيء وكل ما حصل، ليس لدي إدراك كافٍ، كما أن هناك الكثير من الأشياء لم تعد تعني لي علماً أنها كانت في السابق تهويني وتؤثر بي، لأن وجعي كبير جداً حتى أنه سيطر على كل مشاعري، الأوجاع ترافقني حتى خلال النوم فإذا نمت ناحية الشمال أشعر بالألم بسبب العمليات التي أجريتها. لا يمكنني أن أنسى ما حصل، خضعت لعلاج نفسي ولا أزال".
وعن عودتها إلى منزلها في الأشرفية تقول "لم أنتقل إلى المنزل مباشرةً، لكنني نزلت على مراحل. أقمت لفترة في الجبل وكان شقيقي يتابع إعادة إعمار المنزل، نزلت في إحدى المرات خلال النهار، ثم عدت مرة أخرى وأمضيت ليلة فيه، وعندما قررت أن أنتقل في تشرين الثاني/نوفمبر صودف أنها كانت ليلة عاصفة جداً لم أستطع النوم بل كانت ليلة مرعبة وكنت أتحضر لعملية جراحية بعد يومين".
 
"هذا ما يعيق عملي الإعلامي"
وعن عملها الإعلامي تقول "توقفت عن العمل الإعلامي في التلفزيون إلى أن أستعيد شكلي السابق، حتى أن المشكلة ليست بالشكل فقط ولكن حتى من الناحية النفسية لست مستعدة للعيش بطريقة طبيعية، وأستضيف ضيوفاً أستمع إليهم، لا زلت أعيش وجعي وألمي". 
تأمل ملفين خوري أن تصل إلى الحقيقة والعدالة في انفجار مرفأ بيروت، وتعبّر عن ثقتها بالمحقق العدلي إلا في حال تمت عرقلة التحقيق على غرار كل ما تتم عرقلته في لبنان. 
 
"الصفحة لم تطوى بعد"
وعن عرض القنوات التلفزيونية أحداث الرابع من آب/أغسطس الماضي وإذا كان استغلالاً لجوهر القضية، تقول "أؤيد عرض أحداث الرابع من آب/أغسطس لكي نقول بأنه لا يجب لهذا الوجع أن يتكرر ولكي نقول للناس إذا حافظتم على صمتكم ولم تغيروا بأنفسكم، وبمستقبلنا جميعاً عبر الانتخابات وكل الاستحقاقات المقبلة سيكون هناك أكثر من 4 آب، يجب ألا يتم محو هذا الوجع من الذاكرة لأن الصفحة لم تطوى بعد".
وتتابع "بالتأكيد هناك استغلال لما حدث من قبل بعض وسائل الاعلام والعديد من الجهات السياسية لأننا على أبواب انتخابات نيابية، ولكن بالنسبة لي الجميع مسؤول لأن جميعهم في السلطة، كل رموز الدولة يتحملون المسؤولية من دون أي استثناء".
وعما يخيفها، تقول" كل شيء في البلد يخيفني، فنحن لم نتوقع يوماً أن يحصل ما حصل، حتى أن أحداً من المسؤولين لم يفكر أن يطلب من الناس أن تغادر منازلها بعد اشتعال النيران في المرفأ، لم يعترف أحد بمسؤوليته أو يعتذر، ولكن تمسكهم بحصاناتهم هو اعتراف منهم أنهم مسؤولون، فمن يتمسك بالحصانة غير الخائف من العدالة؟". 
وفقد أكثر من 300 ألف شخص منازلهم، عندما انفجر2750 طناً من نترات الأمونيوم كانت مخزنة بشكل غير آمن في مستودعات المرفأ منذ عام2013، في الـ 4آب/أغسطس 2020.