الفلاحات التونسيات... واقع محفوف بالمخاطر لم يتغير
بالرغم من ترسانة القوانين إلا أن واقع المزارعات في تونس لم يتغير، وتعيده الجمعيات المدافعة عنهن إلى غياب سياسة الحكومة واستراتيجية واضحة تُشركهن في الحلول لاعتبارهن أكثر من تفهمن وضعهن وتعرفن مشاكلهن.
زهور المشرقي
تونس ـ أوضحت الفلاحات المشاركات في الملتقى أن مطالبهن بسيطة تشمل توفير وسائل نقل آمنة للوصول إلى عملهن من قراهن الريفية البعيدة وتوفير ظروف مهنية لهن، وتطمحن إلى أجور تحفظ كرامتهن ومعاملة إنسانية.
وفقاً لإحصائيات وزارة الفلاحة التونسية، تعمل 624 ألف امرأة بالقطاع الفلاحي كمزارعات، 34 ألف منهن فقط تملكن ضيعات، و7.8 ألف تعتبرن عاملات قارات و123 عاملة وقتية على نظام الفصول، و67 ألف منهن معينة عائلية قارة و392 ألف منهن معينة عائلية وقتية، وتفسر هذه النسب تأنيث القطاع لكنها تخفي واقعهن الصعب.
ويذكر أن السنوات الأخيرة عانت الفلاحات من أمراض مزمنة نتيجة الأسمدة الكيميائية المستخدمة في عملهن وهن اللواتي تعملن دون حماية.
وفي هذا الإطار، نظمت جمعية المليون ريفية والبدون أرض، ملتقى حول انضمامها للإعلان العالمي لحقوق الفلاحين، عرضت فيه مشاكل الفلاحات اللواتي قدمن من جهات كثيرة من تونس للمشاركة فيه، وأكدت الجمعية أنها ستظل صوت الفلاحات مهما كلفها ذلك من تضحيات.
وعلى هامش الملتقى، قالت رئيسة الجمعية المليون ريفية بدون أرض تركية الشايبي "إن اللقاء عمل على تجميع المزارعات للتعريف بالإعلان العالمي لحقوق الفلاحين"، وتتساءل "أين تونس من هذا الإعلان؟، أين هي حقوق الفلاحات والمزارعات؟ وهن العمود الفقري لقطاع الفلاحة خاصة وأنه مؤنث بالرغم من عدم الاعتراف بهن وهضم حقوقهن المكفولة بقوانين لم تنفذ بعد".
وأوضحت أن "الملتقى حاول إيصال رسائل للمشرع لسن قوانين حقيقية تحفظ كرامة النساء المزارعات اللواتي تعملن في ظروف مأساوية وتعشن واقعاً صعباً نتيجة الاستغلال الفاحش لهن وعدم توفر التغطية والضمان الاجتماعي وعدم منحهن حقهن في النقل الآمن بعيداً عن شاحنات الموت، فضلًا عن عدم أحقية النفاذ للأرض"، مشيرةً إلى أنه "في بلد تأنث فيه قطاع الفلاحة 5% فقط من النساء تملكن أرض، بالرغم أن العمل الفلاحي يقوم أساساً على مجهودات وتضحيات المزارعات وهن من توفرن الأمن الغذائي لتونس".
ولفتت إلى أن اليوم هو إشارة لانطلاق النضال من أجل منح المزارعات حقوقهن الشرعية وتمكينهن من الأرض التي تعملن فيها وسُقيت بدمائهن، مطالبةً بتغيير القوانين التي كبلت الفلاحة وجعلتها أداة يستغلها رب العمل دون خوف من المحاسبة.
وأكدت تركية الشايبي أن القوانين التي تتحدث عن حقوق المزارعات موجودة لكنها لا تطبق ولا يعترف بها صاحب العمل، ومن الضروري اليوم تعديلها والضغط لتنفيذها على أرض الواقع عبر الحملات التوعوية والضغط على المشرعين "سنضغط بكل الوسائل من أجل الانتصار للفلاحات ومحاربة اضطهادهن وتغيير الواقع المرير".
بدورها أكدت عضو بجمعية المليون ريفية منجية الفرجاني "أن وضعية الفلاحات لا يزال مزرياً خاصة في ظل عدم الاعتراف بحقوقهن في امتلاك الأرض سواءً من الأسرة أو الحكومة"، مشيرة إلى أن العقلية الأبوية للنساء عموماً لازالت تتمسك بمبدأ تسليم الأرض للأبن لاستغلالها وإعطاء نصيب بسيط من الارباح لشقيقته "في الأسر لا يثقن بنا، تُسلم الأرض للأخ الذي يستغلها وأحياناً يجبر شقيقاته على العمل ومن ثم يأخذن الأجر الزهيد أو جزء منعدم من الربح، بالرغم من أننا نحن من نتعب ونشقى لكن تعبنا لا يرى".
وأوضحت "في تونس القطاع الفلاحي يقوم على النساء وهو ما تثبته الأرقام بأن أكثر من نصف العمال من النساء"، لافتةً إلى استمرار معضلة التفرقة في الأجور بين الجنسين في القطاع الفلاحي وهو يرتبط أيضاً بالعقلية الإقصائية التي لا ترى موجباً في تملك النساء للأرض ترجمة لعقلية تميز وتنحاز للذكور دائماً بالرغم أن طاقة ومردودية النساء أكثر.
من جانبها، قالت المزارعة من مدينة زغوان، شمال شرقي تونس كوثر غوفة "أن وضع الفلاحات صعب بالرغم من ترسانة القوانين التي بقيت حبراً على ورق"، مؤكدةً أن الوضع يحتاج وقفة حقيقية من الحكومة والمجتمع المدني الذي لطالما كان في الصفوف الأمامية في الدفاع عنهن.
ولفتت إلى أن تضحياتهن كعاملات زرعن مليون زيتونة بمدينتهن وبعد 10 أعوام من العمل بقين دون عقد عمل ودون تأمين صحي واجتماعي، باتت غابة الزيتون ملك شركة حاولت تمكينهن من عقد بثلاثة أشهر فقط للتخلص منهن ومن مسؤولياتهن وتحرمهن من حقوقهن "حاولوا التلاعب بنا بعد أن أصبح الزيتون مثمراً وينتج، انتبهنا للخطة وقدمنا قضية وهي الآن لدى القضاء، لن نسلم حقوقنا مهما كلفنا الأمر، وقبل ذلك انتبهنا أنه تم خداعنا، سنوات عمل مقابل قضم لرواتبنا وعدم التصريح بذلك عند السلطات من قبل صاحب العمل".