'نسينّ الألوان الزاهية وتوشحن بالأسود ليل مع نهار'

تعاني نساء غزة من افتقادهنّ للخصوصية بأماكن النزوح وسط ظروف معيشية صعبة جراء الحرب التي سلبت منهنَ أحلامهنّ.

رفيف اسليم

غزة ـ فقدت النساء والفتيات في قطاع غزة الكثير من حقوقهن وخصوصياتهن تحديداً إثر استمرار الحرب المندلعة منذ ما يقارب العام وثلاثة أشهر، لعل أهم تلك الحقوق هي الخصوصية أي حاجتهن لمكان مغلق يستطعن فيه قضاء حاجاتهن المختلفة.

أوضحت سمر قحمان إحدى النازحات في غزة، أن نساء غزة قبل الحرب كن تعشن في بيوت منفصلة ومستقلة تتمعن داخلها بكامل حقوقهن وتمارسن أعمالهن المنزلية، فتقمن بإعداد مختلف المأكولات والمشروبات، وتربين أطفالهن بالطرق التي يرونها مناسبة، أما اليوم النساء محاصرات في مساحة لا تتجاوز المترين كسجينات تقضين غالبية اليوم جالسات تنتظرن بارقة أمل بالفرج.

وأشارت إلى أن الحياة اليوم تغيرت بمقدار 360 درجة في المدينة المنكوبة، فكل شيء بالحياة أصبح صعب ويحتاج لكد، أبسطها الحصول على المياه المالحة والعذبة، وحتى الحصول على الطعام الذي بات يسبب للنساء والفتيات العديد من الأمراض التي لا علاج لها، لافتة إلى أن ذلك أثر على صحتها النفسية وجعلها غير قادرة على سماع شكوى أطفالها، كونها أصبحت هي بحاجة من يسمعها ويخفف عنها ذلك العبء.

وترجع سمر قحمان، ما حدث لها إلى النزوح المستمر والمتواصل منذ بداية الهجوم وحتى اليوم، فقد نزحت أكثر من 7 مرات وفي كل مرة تعود لبيتها، بينما اليوم لا بيت لها تستطيع الرجوع إليه فالقوات الإسرائيلية مسحت كافة المنازل في منطقة شمال قطاع غزة ولا أمل أن تعود وتنعم بدفء وأمان منزلها الذي كانت تقضي فيه جل وقتها.

لقد عاشت سمر قحمان ظروف صعبة قبل النزوح متمثلة بقصف منزلها من قبل الطائرات الحربية الإسرائيلية ومن ثم مهاجمة المدرسة التي نزحوا داخلها واعتقال زوج ابنتها وعدد من الشبان الذين لم يتمكنوا من الهروب، ومن ثم ترحيلهم لساحة القسام وهو عبارة عن ملعب كرة أجلسوهم هناك على الزجاج ورموا بجانبهم القذائف والرصاص، ولا تعرف حتى اليوم كيف تمكنوا من الخروج أحياء.

وبينت أنها اليوم تسكن الخيام، وإن تحدثت مع عائلتها في موضوع ما يسمعها كافة من حولها بالتالي هي لا تستطيع التمتع بأبسط حقوقها وهو الحديث بحرية، مشيرة إلى أن تبديل الملابس هو عذاب آخر، لكن الاستحمام يمثل العذاب الأكبر بالنسبة للنازحات سواء بالخيام أو المدارس أو البيوت، فالمخيم الذي تقطن فيه لا يوجد به سوى مرحاض واحد عام تحتاج للوقوف في الدور لساعتين وهي غير نظيفة لقلة أدوات التنظيف، لافتةً إلى أن المشكلة الكبرى تكمن عند حاجة إحدى الفتيات لاستعماله ليلاً مع طلقات الطائرات المسيرة والقذائف التي ترمى بشكل عشوائي وقصف أي هدف متحرك يمشي بالخيام وكأنها وإن وافقتها ستصحبها للموت.

وتابعت حديثها وهي تكاد تنفجر من البكاء "الرجال يستطيعون تدبر أمورهم نحن ماذا نفعل بأنفسنا"، وقد امتنعت عن شرب المياه منذ العصر وحتى ساعات النوم هي وبناتها كي لا يضطررن لمغادرة الخيمة ليلاً، مضيفة أن النساء يجربن آلاف الحيل في كل يوم لمحاولة التغلب على قساوة الحياة التي فرضت عليهن إثر الهجوم.

تضطر سمر قحمان، للبقاء في ملابس الصلاة ليلاً مع نهار تلك العقدة التي أصبحت لدى النساء والفتيات في قطاع غزة، فملابسهن إما تركنها في منازلهن خلال النزوح أو أجبرتهن القوات الإسرائيلية على رميها خلال مرور حاجز إدارة المدينة التي أنشأتها بالنقطة الفاصلة ما بين مخيم جباليا وقطاع غزة، فنسينّ معنى قميص، أو كنزة، أوبنطال والألوان الزاهية وتوشحن بالأسود ليل مع نهار.

للنساء حاجات لا يمكنهن القيام بها في الخيام أهمها النظافة الشخصية، يضاف لها مواعيد الدورة الشهيرة التي تمثل كابوس خاصة للفتيات الصغيرات عندما تتصادف موعدها مع ساعات المساء حين تمنع الحركة وتكون العائلة كلها تجلس في مترين ولا تدري كيف وأين تتجه حتى الصباح، كما أوضحت سمر قحمان، مشيرةً إلى أن النساء والفتيات بالوقت الحالي بحاجة إلى جهة تستطيع تقديم المساعدة لهن خاصة في ظل الظروف الصعبة التي يعشنها وحدهن، بهدف إيجاد الحد الأدنى من احتياجاتهن، والقيام بتوفير أماكن مخصصة في مراكز النزوح تساعدهن على قضاء حوائجهن المختلفة، والأهم من ذلك الضغط لإيقاف الهجمات التي بات لا يمكن احصاء خسائرها.