المرأة في أتون الحروب... معاناة نفسية ومجتمعية في الشرق الأوسط
في خضم النزاعات والحروب التي تعصف بالشرق الأوسط، تعيش النساء معاناة تتجاوز الوصف، تتقاسمن أعباء الفقد، الخوف، وانعدام الأمان النفسي والاجتماعي، لتصبحن رموزاً لصمود يواجه أقسى التحديات الإنسانية في العصر الحديث.
نغم كراجة
غزة ـ في ظل الحروب والاضطرابات التي تعصف بالشرق الأوسط، تعاني النساء من ضغوط نفسية، اجتماعية، واقتصادية تكاد تكون غير مسبوقة، من قطاع غزة المحاصر إلى سوريا الممزقة بالحرب، وصولاً إلى السودان الذي يتأرجح بين المجاعة والنزاع، تواجه النساء تحديات يومية تهدد حياتهن وكيانهن الإنساني.
أوضحت المستشارة النفسية لطيفة شتات، التي تابعت عن كثب الأوضاع الميدانية والمستجدة، أن هذه الضغوط تجاوزت القدرة البشرية على التحمل، حيث أصبحت النساء الأكثر تضرراً من حرب مفتوحة تمسّ كل جوانب حياتهن.
المرأة الفلسطينية... صمود وسط النيران
في قطاع غزة، حيث تتساقط القذائف والصواريخ بلا هوادة، تواجه النساء تحديات نفسية واجتماعية غير مسبوقة، وتصف لطيفة شتات الوضع قائلة "المرأة هنا تعيش يومها وكأنها تواجه الموت في كل لحظة، لا يمكنها الذهاب إلى عملها بأمان، ولا تستطيع حتى ضمان وجبة يومية لأطفالها، هذه ليست مجرد أرقام تُضاف إلى قوائم الضحايا؛ نحن نتحدث عن نساء فقدن حياتهن وطموحاتهن في لحظة خاطفة".
ولفتت إلى أن النساء الفلسطينيات لم تعرفن الاستقرار يوماً، يُقتلن بدم بارد ويُبادن بلا رحمة على مدار عام وثلاثة أشهر، ينزفن ويحترقن أمام أعين العالم بصمتٍ، أُعدمت حياتهن وسُلبت حقوقهن بوحشية لا تعرف حدوداً.
تجاوز عدد النساء اللواتي قُتلن في القطاع 14 ألف امرأة عدا الآلاف المفقودات تحت الأنقاض، أما من بقين على قيد الحياة، فهن يعانين يومياً من فقدان أحبابهن، وتعيش الغالبية في ظل انعدام الأمان النفسي والاجتماعي، وتضيف "حتى من هنّ خارج نطاق القصف تعشن تحت وطأة الذكريات المؤلمة والخوف من المستقبل، هذا الخوف المستمر يؤدي إلى اضطرابات نفسية مثل الاكتئاب، الفصام، واضطرابات ما بعد الصدمة، ما يجعل المرأة الفلسطينية تعاني على مستويات متعددة".
سوريا جراح لا تندمل
أما في سوريا، فقد كشفت سنوات الحرب الطويلة عن جانب مظلم لمعاناة النساء، وأفادت لطيفة شتات أن "النساء في سوريا لم يُفقدن فقط أمنهن، بل تم سحق كرامتهن وإنسانيتهن، فالتقارير الأخيرة عن النساء اللواتي تعرضن للاغتصاب أو النزوح القسري أو الاحتجاز في ظروف غير إنسانية، تكشف عن واقع مرير لا يمكن للعقل تصوره".
واحدة من أبرز القصص التي صدمت لطيفة شتات كانت شهادة إحدى الناجيات من سجن صيدنايا ، التي قالت "أنجبت أربعة أطفال، ولا أعرف من هم آباؤهم"، هذه الكلمات الموجعة تعكس حجم الانتهاكات التي تعرضت لها النساء السوريات، ما أضاف أبعاداً مأساوية جديدة لمعاناتهن.
وبينت أن الأسيرات اللواتي خرجن مؤخراً من المعتقلات وصفن ممارسات لا تمت للإنسانية بصلة، من التعذيب النفسي والجسدي إلى الاستغلال الجنسي "لقد أصبحت هذه التجارب كابوساً دائماً يرافق الناجيات، ما يؤدي إلى ظهور أعراض نفسية شديدة التعقيد تحتاج إلى برامج تأهيل متخصصة".
السودان بين المجاعة والعنف الوحشي
السودانيات لسن بعيدات عن هذا المشهد القاتم، سنوات طويلة من النزاع والأزمات الاقتصادية خلّفت آثاراً كارثية على النساء، وبينت لطيفة شتات أن "أوضاع السودانيات لا تقل مأساوية على الرغم من أن النزاعات ليست جديدة في هذا البلد، إلا أن تصاعد العنف مؤخراً أدى إلى مضاعفة معاناتهن، والمجاعة وانعدام الأمن جعلا الحياة اليومية أشبه بكابوس مستمر" .
وأكدت أن النساء في السودان تعشن في ظروف قاسية، حيث تعانين من الجوع، العنف الممنهج، وفقدان الأحبة "عندما نقول إن امرأة قتلت، فإننا نكشف عن منهجية وحشية تستهدف وجودهن ذاته".
وأوضحت أن "المأساة في السودان ليست فقط في القتل أو التشريد، بل في جعل المرأة تعيش في حالة انتظار دائم للمجهول، بالإضافة إلى ذلك شهدت البلاد موجة اغتصاب جماعي وإجبار على الزواج تحت تهديد السلاح بصورة كبيرة في الآونة الأخيرة".
الأثر النفسي والاجتماعي على النساء في مناطق النزاع
الضغوط النفسية التي تعيشها النساء في الشرق الأوسط هي نتيجة لتراكمات طويلة من العنف، الفقر، وفقدان الأمان، تقول لطيفة شتات "عندما نتحدث عن هذه الضغوط، نحن نتحدث عن أزمات نفسية مركبة، النساء لا تستطعن التعبير عن مشاعرهن أو تفريغ انفعالاتهن بسبب القيود الاجتماعية أو الظروف المعيشية الصعبة، ومع مرور الوقت تتحول هذه الضغوط إلى اضطرابات نفسية خطيرة تحتاج إلى علاج مكثف ليس فقط جلسات".
وتحدثت عن تجربة ميدانية خلال عملها مع النازحات، مشيرةً إلى أن المرأة في سوريا وفلسطين والسودان بينهن نمطاً مشتركاً يتمثل في شعورهن الدائم بالعجز وفقدان السيطرة "النساء اللواتي التقيت بهن واستمعت لشهاداتهن يحملن عبئاً ثقيلاً من الألم والذكريات المؤلمة، معظمهن يعانين من كوابيس متكررة، وصعوبة في النوم، والانعزال عن المجتمعات ومحيطهن وعدم القدرة على التركيز أو استعادة حياتهن الطبيعية".
وعن الحلول الممكنة، بينت أن الدعم النفسي يجب أن يكون أولوية قصوى "لا يمكننا معالجة هذه الأزمة عبر المساعدات المالية فقط، بحاجة إلى برامج متخصصة تستهدف إعادة بناء الثقة بالنفس لدى النساء، ومساعدتهن على تجاوز صدماتهن النفسية، الأمر يحتاج إلى جهود دولية منسقة، وليس مجرد جهود فردية أو محلية".
ودعت لطيفة شتات المؤسسات الحقوقية والإنسانية إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لدعم النساء في مناطق النزاع "المرأة هي عماد المجتمع، إذا فقدت المرأة الأمان النفسي والاجتماعي، فإن ذلك يعني انهياراً كاملاً للنسيج المجتمعي، الدعم يجب أن يتجاوز التبرعات المالية إلى برامج تأهيل نفسي وإعادة بناء القدرات".
وفي ظل هذه المعاناة القاتمة، تبقى النساء في الشرق الأوسط رموزاً للصمود والتحدي، لكن الصمود وحده لا يكفي، يجب على المجتمع الدولي أن يدرك أن دعم النساء في مناطق النزاع هو استثمار في مستقبل الأجيال القادمة.