نساء لبنان في ظل الانهيار الاقتصادي تعشن في حدود الضروري

تداعيات الانهيار المالي مستمرة والنساء في لبنان تدفعن الثمن، والحلول والمعالجات تهدف أساساً لحماية مصالح النافذين من أقطاب منظومة الفساد.

فاديا جمعة

بيروت ـ نساء لبنان تدفعن اليوم ثمناً باهظاً ومضاعف وتحاربن على جبهتين، في ظل غياب السياسات والتشريعات التي تحميهن لتواجهن تبعات الأزمة الاقتصادية الضاغطة، ومع غياب الحلول تنصب الجهود من أجل إنقاذ مافيات المصارف وحماية أقطاب السلطة.

 كم من أم أجبرت على التنازل عن حضانة أطفالها في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعيشها لبنان أو غضت النظر عن تعنيفها وطلب حصولها على الطلاق، لأنها لن تستطيع مع هذه الأزمة التكفل بإعالة وتربية أطفالها، حتى أن بعض العوائل اضطرت لوضع أطفالها في مراكز الرعاية الاجتماعية ليحصلوا على التعليم الكافي، كونه لم يعد في مقدور عوائلهم توفير الطعام والطبابة وسائر مستلزمات الحياة في حدودها الدنيا لهم.

لا يقتصر الأمر على حالة اليتم وتداعياته على الطفل والمرأة على حد سواء فحسب، ذلك أن الأزمة أجبرت العاملات على البحث عن فرص عمل إضافية، ما يرتب عليهن أعباء إضافية، تكون لها تداعيات على صحتهن النفسية والجسدية، فالكثير منهن لجأن إلى العمل في دوامين، وهن أساساً تحملن مسؤولية عوائلهن وبيوت تنتظر اهتماماً منهن.

بعض النساء ممن خسرن وظائفهن أو اضطررن لتركها لأن دخلها لم يعد كافياً مع الانهيار الذي شهدته الليرة اللبنانية خلال الأعوام الأخيرة، قبلن أي عمل، وتخلين عن خبراتهن واختصاصاتهن وتوجهن نحو مهن ومشاريع صغيرة بهدف تأمين أولويات الصمود في وجه الأزمة من غذاء ودواء.

وللعاملات في القطاع العام الحصة الأكبر من هذه المعاناة مع تدني رواتبهن لدرجة أنها تكاد لا تكفيهن لتأمين بدل النقل للوصول إلى وظائفهن، والقائمة تطول وتطال الهجرة الجماعية للعاملات في القطاع الصحي والتعليمي والمهن الحرة، ما يساهم اليوم في أحد أسباب انهيار هذه القطاعات.

حيث قالت الناشطة المدنية والبيئية المسؤولة عن فريق إداري في إحدى الشركات الطبية مريم بلال "اليوم لن أتحدث كناشطة، بل سأبدأ الكلام عن وضعي المعيشي كعاملة وأم عزباء احمل على عاتقي تربية أبنائي وتعليمهم وإعالتهم، كنا سابقاً قبل الانهيار من عداد الطبقة المتوسطة، وكنا إلى حد ما مكتفين لا مترفين، ولكن اليوم تبدلت الأحوال، أصبح راتبي لا يغطي احتياجاتنا، واضطررنا أن نغير أسلوب حياتنا والتنازل عن الكثير من الأمور حتى الأساسية منها، والبحث عن بدائل أقل كلفة".

وأشارت إلى أن "الأجواء التي كنا نعيشها سابقاً من رحلات وخروج إلى المقاهي والزيارات والتسوق وغيرها، أصبحت جميعها مقننة إلى أبعد حد أو في حدود الضروريات فقط، كما اضطررت إلى استبدال الكثير من السلع بسلع أخرى أقل جودة وأرخص ثمناً".

ولفتت مريم بلال إلى أن النساء في ظل الأزمة الاقتصادية تعملن لساعات إضافية براتب أقل غالباً، "أنا من النساء الباحثات عن عمل إضافي، وبالفعل حصلت عليه وسأخوض تجربة العمل لـ 16 ساعة متواصلة، ولكن لا أعلم إن كنت أستطيع الصمود، ولكن الوضع اليوم يتطلب أن أبذل مجهوداً إضافياً، لأنني لست بصدد طلب المساعدة من أحد أو أن أشعر بالعوز".

وأكدت "لست الوحيدة التي تواجه ذلك فمعظم النساء اليوم تحملن أعباء كبيرة وتتحملن ضغوطات مختلفة بهدف الاستمرار، وقد لاحظت مؤخراً حالات متعددة لنساء تخلين عن مراكزهن وخبراتهن وقبلن بوظائف من خارج اهتماماتهن واختصاصاتهن وبهدف الحصول على رواتب بسيطة فقط لتستطعن الاستمرار في دعم أنفسهن وعوائلهن".

وأوضحت أنه "لم يعد في مقدورنا تقديم مساعدات للعوائل التي تعاني من تردي أوضاعها الاجتماعية كما كان الأمر عليه في السابق، لقد كنا نجمع التبرعات من الأقارب والأصدقاء"، مشيرةً إلى أنه "حتى هذه الحالات أصبحت شبه متروكة لمصيرها، لأننا في محيطنا نعلم جيداً أنه لم يعد بمقدور أحد أن ينعم بالاكتفاء الذاتي حتى نهاية الشهر".

وختمت مريم بلال بالقول "لا شك أن النساء اليوم تدفعن ثمن الانهيار الاقتصادي باهظ، وأنا واحدة منهن رغم أنني لا زلت قائمة على رأس عملي، ولا يمكن تصور وضع النساء اللواتي فقد عملهن أو غير العاملات منهن، اللواتي ينتظرن من الرجل أن يعيلهن، وهو أيضاً متضرر جراء هذه الأزمة، لذلك أدعو جميع النساء لعدم التردد بقبول أي عمل اليوم لتسند نفسها على الأقل، فالأزمة على ما يبدو مستمرة لوقت طويل مع التطورات الأمنية واستمرار الحرب وغياب الدعم وضياع الفرص، ولمواجهة كل ذلك يجب أن نتحلى بإرادة قوية وصلبة ونفس طويل".

 

 

من جانبها قالت وفاء زياني عاملة في شركة خاصة للصيرفة "أعمل في هذه الشركة منذ ثلاثين عاماً، في الفترة الأخيرة قبيل الأزمة كنت أتقاضى ما يقارب 1200 دولار، ولكن اليوم بعد انهيار العملة اللبنانية فقدت 80% من قيمة راتبي، فضلاً عن أننا كنا نستفيد من التغطية الصحية للضمان الاجتماعي واليوم لا ضمان ولا تأمين صحي يشملنا".

وأردفت "نعيش في ظل أوضاع صعبة، ومنذ خمس سنوات ننتظر ونواجه ضيق الأحوال على أمل أن تتحسن الظروف، لكن الانهيار مستمر والأزمة الاقتصادية تتفاقم، ورغم ذلك نحن صامدات كي لا نخسر وظائفنا، خصوصاً أنه يتم تسريح الموظفين من معظم الشركات التي استغنت عن خدمات الكثيرات أو أقفلت أبوابها".

وترى وفاء زياني أن "تداعيات الأزمة كبيرة علينا نحن النساء فاليوم مطلوب من المرأة أن تدير الأزمة في بيتها وأن تتحمل المزيد من الضغوطات المعيشية ومن واجبها تجاه مجتمعها أن توفر ما تستطيعه وتستغني عن الكثير طالما أنها لم تعد تنتج ما يكفي".

ولفتت إلى أنه "بالفعل هذا ما يحصل اليوم، لقد اختصرت الكثير من الأمور في حياتي اليومية، ولولا أن راتب زوجي يغطي جزء لا بأس به من مصاريف عائلتنا لكننا اليوم في مأزق كبير، الآن لم يعد يكفي البيت الواحد دخل واحد، نحن بحاجة لأكثر من دخل لنستمر هذا على الصعيد الاقتصادي، أما على الصعيد النفسي والاجتماعي فالتداعيات كبيرة على المرأة وعائلتها، وبما أن الاستقلال المادي يجعل من المرأة صاحبة قرار ومستقلة، فاليوم أصبح قرار المرأة ضعيفاً لأن هناك تعتمد على أفراد عائلتها لإعالتها وهذا ينذر بخطر كبير".

وفي ختام حديثها قالت وفاء زياني أنه "ليس أمامنا اليوم إلا أن نعمل على أمل أن تنتهي هذه الأزمة، لذلك على النساء التحلي بالصبر والقوة، وألا ترفضن أي فرصة عمل تعرض عليهن وأن كانت براتب قليل أو من خارج اختصاصهن، فأنا أدير الأزمة في بيتي وعائلتي وعملي بأقل الأضرار، علماً أن المرحلة صعبة جداً، ولكن كلي أمل بأنها مرحلة وستمر".