"توار" من الغزل الكلاسيكي إلى الشعر الحر... رحلة امرأة تبحث عن صوتها
ديوان "غربة" للشاعرة الكردية نرمين إبراهيم آذر (توار) يمثل محاولة جريئة لإدخال التعبير النسائي في قالب الغزل الكلاسيكي، ويعكس تجربة شعرية تمتد لعقد من الزمن، نال العمل إشادة نقدية لصدقه العاطفي وجرأته في التعبير عن قضايا المرأة في الأدب الكردي.
نيان راد
مهاباد ـ لطالما هيمن الصوت الذكوري على ساحة الشعر لعقود طويلة، حتى بدا وكأن الكتابة حكرٌ على الرجال، فيما كان يُنظر إلى المرأة الكاتبة بعين الريبة أو يُفرض عليها أن تُعبّر عن مشاعرها ضمن قوالب لغوية ورؤى ذكورية، ومع مرور الزمن، تجرأت نساء على كسر هذه القيود، فدخلن عالم الشعر وبدأن في التعبير عن ذواتهن بلغة نسائية صادقة، حافلة بالمشاعر والتجارب الخاصة، غير أن هذا التمرد الأدبي لم يكن دوماً محل ترحيب، إذ قوبلت كثير من تلك الأصوات بردود فعل متحفظة أو رافضة، حتى من داخل الأوساط الثقافية والأدبية ذاتها.
في خضم المد الشعري النسائي، لا يزال الغزل، بوصفه أحد الأشكال الكلاسيكية للشعر، يفتقر إلى التمثيل النسائي في الأدب الكردي، ومع ذلك، تسعى النساء الكرديات جاهدات إلى إعادة تشكيل هذا القالب الشعري العريق، وإثرائه بروح نسائية نابضة.
في هذا الحدث الثقافي، الذي حضره عدد كبير من الأدباء والفنانين من مختلف مدن شرق كردستان، تحدثت نرمين إبراهيم آذر عن تجربتها الشعرية قائلة "على مدار عشر سنوات من الكتابة، خصوصاً في مجال الشعر الكلاسيكي، مررت بثلاث مراحل أساسية، بدأت رحلتي بالغزل، وكان حلمي أن أُدخل اللون النسائي إلى هذا القالب الشعري التقليدي بشكل متخصص، لأُعبّر من خلاله عن أنوثتي، وهو ما كان غائباً بشكل واضح، ثم انتقلت إلى كتابة الرباعيات من منظور اجتماعي، واليوم أواصل تجربتي في فضاء الشعر الحر".
العمل الأدبي الذي انضم مؤخراً إلى مكتبة الأدب الكردي يتكوّن في غالبه من قصائد غزل، ويضم مختارات من أشعار نرمين إبراهيم آذر الكلاسيكية حتى عام 2022 وعن سبب عدم نشر أعمالها الأخرى، أوضحت أن تلك النصوص لم تحصل على إذن الطباعة، لكنها عبّرت عن تفاؤلها بالمستقبل "الأفق واعد، وآمل أن أتمكن من تقديم تلك الأعمال أيضاً إلى مكتبة الأدب الكردي، نحن ماضون بثبات في طريقنا".
وقد خضع هذا الديوان لمراجعة نقدية من قبل اثنين من الكتّاب والنقّاد الكرد، هما مهري باكزاد ومراد أعظمي، وفي هذا السياق، عبّرت مهري باكزاد، الحاصلة على دكتوراه في الأدب، عن إعجابها بالعمل، وقالت "توار من أكثر الشاعرات إحساساً، فعندما تكتب تكون بكامل ذاتها، تعبّر بحرية، تقول "أحبك" دون تردد، وتبوح بأصدق المشاعر الإنسانية، دون أن تمارس رقابة على نفسها".
ولفتت إلى أنه في الأدب، سواء كان نسوياً أو ذكورياً، نادر ما نجد شاعراً يعبّر عن مشاعره بصدق كامل، غير أن بعض الأسماء اللامعة مثل مصباح الدیوان أدب، وسيمين بهبهاني، وفروغ فرخزاد، استطعن أن يكنّ مالكات مطلقات لعواطفهن، يعبّرن عنها دون تردد أو مراعاة لنظرة المجتمع "فروغ فرخزاد على وجه الخصوص، كانت مثالاً للصدق في الكتابة، لكن مجتمعنا للأسف حرم النساء من الجرأة في التعبير عن مشاعرهن بكل تفاصيلها".
وفي معرض تحليلها لأشكال الغزل في ديوان "توار"، أشارت مهري باكزاد إلى أن هذه القصائد تحمل في طياتها ملامح من الاستقلال والقوة والثورة الداخلية، إلى جانب صدق الإحساس وعمقه، كما تناولت واقع الشاعرات "الكثير من النساء يكتبن، لكنهن لا ينشرن أعمالهن، وهو أمر يستدعي دراسة معمّقة، فهل السبب يعود إلى القيود المجتمعية؟ أم إلى الهيمنة الذكورية؟ أم إلى ضغوط العائلة؟ كلها عوامل تحتاج إلى تحليل دقيق".
وأضافت "توار، من خلال قصائدها، عبّرت عن الكثير من التحديات التي تواجهها النساء في الوسط الأدبي، وجسّدتها شعرياً، وفي نهاية المطاف، يثبت شعرها النسائي حضوره، وكل من يقرأه يستطيع أن يلمس بوضوح روح النسائية فيه، تماماً كما في الأعمال التي وصلتنا من الشاعرات الكرديات في الماضي".