انتهاكات جسمية ونداءات عاجلة... السودان يواجه أزمة إنسانية
وثقت البعثة الأفريقية لتقصي الحقائق انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في السودان، شملت القتل العشوائي والعنف الجنسي والتمييز العرقي، وسط دعوات إلى وقف فوري للقتال وضمان وصول المساعدات دون عوائق.
مركز الأخبار ـ للعام الثالث على التوالي لا يزال النزاع في السودان مستمراً بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع مخلفاً آلاف القتلى وملايين النازحين وسط دمار واسع للبنية التحتية وأزمة إنسانية غير مسبوقة.
أفادت البعثة الأفريقية المشتركة لتقصي الحقائق بشأن أوضاع حقوق الإنسان في السودان أمس الأربعاء 23 تشرين الأول/أكتوبر، أنها وثقت انتهاكات جسيمة ارتكبتها أطراف النزاع المسلح بحق المدنيين في مناطق متفرقة من البلاد.
وأوضحت البعثة في تقريرها أن النزاع اتسم بهجمات عشوائية وعمليات قتل خارج نطاق القانون، فضلاً عن جرائم قتل ذات طابع عرقي، ما يعكس نمطاً ممنهجاً من الاستخفاف الشديد بالحياة البشرية.
وأشار التقرير إلى أن التعذيب والمعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة كانت تُستخدم بشكل متكرر كوسائل لبث الرعب وإلحاق الألم، من خلال أساليب مثل الخنق والضرب والعنف الجنسي، مؤكداً أن هذه الانتهاكات تعكس نمطاً من الإذلال والتمييز العرقي، في مخالفة صريحة للمادة الخامسة من الميثاق الأفريقي مع تقاعس الدولة عن أداء واجبها في حماية المدنيين.
وسلط التقرير الضوء على انتشار العنف الجنسي بشكل واسع، حيث اتخذت أشكالاً متعددة منها الاغتصاب الفردي والجماعي، الاستعباد والاستغلال الجنسي، والزواج القسري، لافتاً إلى أن النساء والأطفال هم من أكثر الفئات تضرراً من تبعات النزاع المستمر في الوقت الذي تتصاعد فيه الانتهاكات التي تستهدف النساء وتنتقض من كرامتهن.
900 يوم من القتال
وتسبب النزاع المستمر للعام الثالث على التوالي، بسقوط أكثر من 20 ألف قتيل وتشريد نحو 15 مليون شخص، وعلى مدار 900 يوم من النزاع، تعرضت البنية التحتية الحيوية للدمار، بما في ذلك قطاعات التعليم والرعاية الصحية، حيث طالت القصف العديد من المستشفيات والمدارس والمؤسسات الخدمية، ومنذ منتصف نيسان/أبريل 2023، يخوض الجيش السوداني وقوات الدعم السريع مواجهات دامية، شهدت الأسابيع الأخيرة منها اشتباكات عنيفة في إقليم كردفان.
وأكدت أربع وكالات تابعة للأمم المتحدة، وهي المنظمة الدولية للهجرة، والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف"، وبرنامج الأغذية العالمي، أن السودان يواجه واحدة من أخطر الأزمات الإنسانية في العالم.
وفي تقرير صدر أمس الخميس 23 تشرين الأول/أكتوبر، أشارت الوكالات إلى أن أكثر من 30 مليون شخص داخل السودان بحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة، من بينهم نحو 9.6 مليون نازح داخلي ما يعكس حجم الكارثة الإنسانية المتفاقمة في البلاد.
وأكد التقرير أنه على الرغم من عودة 2.6 مليون شخص إلى مناطقهم الأصلية بعد انحسار حدة القتال في الخرطوم وبعض المناطق الأخرى، إلا أن العديد منهم واجهوا واقعاً صعباً، إذ وجدوا منازلهم وأحيائهم مدمرة أو متضررة بشدة، فضلاً عن غياب الخدمات الأساسية التي تعيق استقرارهم وإعادة بناء حياتهم.
وأضاف التقرير أنه مع استمرار النزاع في السودان حرم قرابة 14 مليون طفل من أصل 17 مليون في سن الدراسة من التعليم, وباتوا خارج المدرسة.
ونقل التقرير عن نائب المديرة التنفيذية لمنظمة اليونيسف كاثرين راسل، تأكيده على عمق الأزمة الإنسانية في السودان، حيث قال إن "مجتمعات بكاملها تعيش في ظروف تتنافى مع الكرامة"، لافتاً إلى أن الأطفال يعانون من سوء التغذية، ويتعرضون للعنف، ويفقدون حياتهم بسبب أمراض يمكن الوقاية منها، في وقت تبذل فيه الأسر جهوداً جبارة للبقاء، مظهرةً عزيمة استثنائية في مواجهة معاناة تفوق التصور.
وأوضح التقرير الأممي أن نقص التمويل يزيد من تفاقم الأزمة الإنسانية في السودان، مشيراً إلى أن خطة الاستجابة الإنسانية لعام 2025، التي تتطلب 4.2 مليار دولار أمريكي، لا تزال تعاني من عجز كبير في التمويل بنسبة تصل إلى 25%، أن هذا النقص الحاد يهدد بعرقلة عمليات الطوارئ وقدرتها على الاستمرار، مما يعرض ملايين المحتاجين لخطر أكبر في ظل تدهور الأوضاع الإنسانية في البلاد.
ودعت الوكالات الأممية الأربع، في تقريرها الأخير إلى وقف فوري للأعمال العدائية في السودان، مشددةً على ضرورة حماية المدنيين خصوصاً الأطفال، الذين يتحملون العبء الأكبر من تداعيات النزاع.
كما طالبت بضمان وصول المساعدات الإنسانية بشكل آمن ودون عوائق إلى جميع المتضررين، مؤكدين على أهمية تمكين وجود الأمم المتحدة في مختلف أنحاء البلاد لضمان الاستجابة الفعالة للأزمة الإنسانية المتفاقمة.