سياسة التهميش في بلوشستان... من الفقر إلى تهديد الصحة العامة

يعكس الوضع في مقاطعة راسك سياسة ممنهجة من التهميش والحرمان تمارسها الجمهورية الإسلامية ضد الشعوب والأعراق خاصة في بلوشستان، عبر إضعاف البنية التحتية وتعيين مسؤولين أمنيين، ويعمق هذا النهج الفقر ويقوّض الثقة ويمنع تمكين المجتمعات المحلية.

مركز الأخبار ـ أثار تعيين مسؤولين أمنين في شبكة راسك الصحية رغم سجله السلبي سياسة ممنهجة للحرمان والتهميش في بلوشستان موجةً من الاستياء والقلق، حيث تُدار الخدمات الحيوية بقرارات أمنية لا تراعي احتياجات السكان.

تعتمد سياسة الجمهورية الإسلامية تجاه الشعوب والأعراق المقيمة في إيران على الحرمان المتعمد، والسيطرة الأمنية، والتهميش، وهي سياسة تُطبّق بكثافة أكبر في بلوشستان وتتجلى بوضوح في ضعف البنية التحتية الصحية، وتعيين مديرين تابعين للمؤسسات الأمنية وتصفية القوات المحلية، ويؤدي هذا النهج إلى تعميق الفقر وإضعاف ثقة الجمهور، وإعادة إنتاج التمييز الهيكلي ضد شعب ظلّ دائماً على الهامش.

ووفقاً لحملة نشطاء بلوش لا تزال مدينة راسك في سيستان وبلوشستان التي يزيد عدد سكانها عن 100 ألف نسمة، محرومة حتى من أبسط المرافق الطبية والصحية، ويُظهر مستشفى راسك الإقليمي الذي يضم أقل عدد من أسرّة المستشفيات للفرد في البلاد ونقص الأطباء المتخصصين، ونقص المعدات الطبية الكافية مدى الحرمان الشديد الذي تعانيه هذه المنطقة، حيث يُجبر المرضى غالباً على السفر إلى مدن بعيدة لتلقي العلاج الأساسي.

وفي ظل هذه الظروف تفاقمت الأزمة بسبب سوء الإدارة والقرارات السياسية والأمنية، وتشير مصادر محلية إلى إعادة تعيين شخص تابع للحرس الثوري والأجهزة الأمنية، كان قد فُصل سابقاً من منصبه بسبب قلة العمل والفساد المالي وإساءة معاملة الكادر الطبي، رئيساً لشبكة راسك الصحية وكان يعرف بتهديداتٌ وفصلٌ موظفين محليين، ومخالفاتٌ إدارية، ورفع دعاوى قضائية ضد موظفين.

وأثارت عودته إلى رئاسة الشبكة الصحية موجةً من الاستياء والقلق بين الموظفين وأهالي المنطقة، ويرى الكثيرون أن هذا التعيين ليس قراراً من خبراء، بل نتيجة ضغطٍ من الأجهزة الأمنية.

وبحسب مصادر مطلعة، كان عميد كلية إيرانشهر للعلوم الطبية، على علم بالانتهاكات الواسعة التي ارتكبها رئيس الشبكة الصحية، إلا أن عملية تعيينه استمرت، وقد أثارت هذه القضية تساؤلات جدية حول دور المؤسسات غير الطبية وتأثيرها في إدارة الصحة في المناطق المحرومة.

ما حدث في راسك ليس مجرد أزمة إدارة، بل هو انعكاس لسياسة هيكلية حرمان مُستهدف، واعتماد المؤسسات الخدمية على الأجهزة الأمنية، ومنع نمو وتمكين المجتمع الأصلي، إن استمرار هذا الوضع لا يهدد صحة المواطنين فحسب بل سيؤدي أيضاً إلى هجرة قسرية للكوادر الأصلية، وتعميق الفقر والسخط الاجتماعي، وتوسيع الفجوة بين الشعب والحكومة.

 

سياسة السلطات تجاه الشعوب والقوميات المقيمة

منذ بداية حكمها، انتهجت الجمهورية الإسلامية سياسةً مركزيةً ومنهجيةً تجاه الشعوب والقوميات المقيمة في إيران، سياسةً تقوم على المركزية والاندماج الثقافي والإقصاء الاقتصادي، وعلى مدى العقود الأربعة الماضية طُبّقت هذه السياسات بأشكالٍ مختلفة في كردستان، وجنوب إيران (الشعوب العربية)، والصحراء التركمانية، ولرستان، وخوزستان، وخاصةً بلوشستان.

لقد أُقصيت المناطق النائية في إيران بشكل ممنهج من مشاريع التنمية الوطنية، إن نقص البنية التحتية الصحية والتعليمية والصناعية في هذه المناطق ليس مصادفةً، بل هو نتيجة سياسة متعمدة لتركيز الموارد في المركز وتهميش المجموعات العرقية، وتُعدّ بلوشستان التي تشهد أعلى معدل بطالة وأدنى نصيب للفرد من الخدمات الصحية وأقل مؤشرات التنمية البشرية حرماناً مثالاً واضحاً على هذه السياسة.

وبدلاً من الاستجابة لمطالب أهالي هذه المناطق، لجأت السلطات إلى إضفاء طابع أمني على القضايا الاجتماعية، ويدل على هذا النهج وجود الحرس الثوري الإيراني والباسيج وأجهزة الاستخبارات في إدارة الشؤون المحلية، وحتى في المجالات غير الأمنية (مثل الصحة والتعليم) ويُعد تعيين مديرين تابعين لأجهزة الأمن في كردستان أو بلوشستان أو خوزستان دليلاً واضحاً على هذا التوجه وهو السيطرة بدلاً من الخدمة.