"سليقة القمح" إرث نسائي يُطهى على نار التقاليد
تحافظ نساء إقليم شمال وشرق سوريا، على إعداد "سليقة القمح" سنوياً رغم التغيرات الحديثة، لما له من قيمة غذائية واقتصادية، وتُعد هذه الطقوس مناسبة اجتماعية تجمع الأسرة والأطفال، وتعكس الدور الحيوي للمرأة في الحفاظ على الموروث الثقافي.

رونيدا حاجي
تل تمر ـ مع نهاية موسم الحصاد وبداية شهر أيلول/سبتمبر، تحافظ العديد من الأمهات في إقليم شمال وشرق سوريا على تقليد إعداد سليقة القمح "الدانوك"، وهو منتج غذائي تراثي يُحضّر في القرى ويُعد جزءاً من الموروث الشعبي، ورغم التغيرات التي فرضها التطور الحضري والصناعي، لا تزال بعض النساء في المناطق الريفية متمسكات بهذه العادات القديمة.
حمامة ظاهر، البالغة من العمر 59 عاماً، من قرية تل نجمة التابعة لمدينة تل تمر في إقليم شمال وشرق سوريا، أم لأربع بنات وولد، وجدة لثمانية أحفاد، تُعد سليقة القمح سنوياً، وتدعو أبناءها وبناتها للمشاركة في هذه العادة التراثية، لما لها من قيمة غذائية ومردود اقتصادي يعود بالنفع على الأسرة.
وتعتبر حمامة ظاهر إعداد سليقة القمح إرثاً عريقاً توارثته النساء عن الأمهات والجدات، ورغم صعوبة تحضيره، تؤكد أنهن تحرصن على صناعته سنوياً في شهر أيلول/سبتمبر، لما يحمله من بركة وفرح "ننتظر هذا اليوم بفارغ الصبر، فحين نضع حبات القمح في الأواني، نشعر بسعادة غامرة".
وعن طريقة التحضير، قالت "بعد انتهاء موسم الحصاد، تخصص الأسرة كمية من القمح لهذا الغرض، وتبدأ الاستعدادات منذ الصباح الباكر، حيث يُنظف القمح من الحصى والتراب، ويُغسل عدة مرات حتى يصبح نقياً تماماً، ثم يُسلق، وبعد اكتمال عملية السلق، يُفرش القمح على أسطح المنازل النظيفة ليجف تحت أشعة الشمس والهواء، ثم يُطحن ويُجهز للاستهلاك، حيث يُستخدم في إعداد أطباق تقليدية".
وتؤمن حمامة ظاهر بأن طقوس إعداد سليقة القمح لا تكتمل دون مشاركة الأطفال، فهم جزء أساسي من هذه العادة التراثية "هذه الطقوس تمنح الأطفال فرحاً، فهم يلتفون حول أواني السلق بطبقاتهم الصغيرة، يشاركون في المراحل الأولى من التحضير، وينتظرون حصتهم بشغف".
وأضافت "كل عام، عندما أبدأ بصناعته، أنادي عائلتي وأحفادي ليشاركوا في هذه اللحظات الجميلة، ويأخذوا نصيبهم، جمال هذه العادة لا يكمن فقط في تحضير الطعام، بل في اجتماع الأطفال وانتظارهم، وفي البهجة التي تملأ المكان، إنها لحظة مفعمة بالدفء والفرح".
وسلّطت حمامة ظاهر الضوء على الدور المحوري للمرأة في إدارة شؤون الحياة اليومية، مؤكدةً أن النساء هنّ الحارسات الحقيقيات للإرث الثقافي والمجتمعي "المرأة، على مرّ الزمن، تواصل الحفاظ على الموروث والعادات، وتتحمل مسؤولية تأمين احتياجات الأسرة، خاصة في فصل الشتاء، ما يجعلها القلب النابض في تنظيم شؤون الحياة".