سلموها عظام ابنها في علبة... امرأة تروي الاضطهاد الذي تعرضوا له

لفتت نورية توران، التي قاموا بإخراج جثة ابنها من مقبرة كرزان ونقلت إلى إسطنبول وبعد مرور عامين سلمت لها في علبة، إلى أنها لن تنسى أبداً الاضطهاد الذي تعرضوا له.

مدينة مامد أوغلو

بدليس ـ دُمرت مقبرة كرزان الواقعة في حي أولكا جور (يوكاري أولك) في مدينة بدليس (بتليس) بشمال كردستان، خلال الهجمات التي شنت ضدها في فترة ما بين 8 و17 كانون الأول/ديسمبر 2017، وبعد يومين تم إخراج 310 جثة كانت مدفونة في المقبرة تعود لأعضاء حزب العمال الكردستاني، وظل مكان الجثث مجهولاً لفترة طويلة.

في الثاني من كانون الثاني/يناير عام 2018، أصدر بيان عن ولاية بدليس بأنها قد نقلت الجثث إلى معهد الطب الشرعي في إسطنبول، حيث تمكنت بعض العائلات التي قدمت عينات عن الحمض النووي من استلام جثث أبنائها، وقالت العائلات التي تمكنت من استلام جثامين أبنائها من مقبرة المجهولين في كيليوس، إن أبنائهم دفنوا على الرصيف داخل صناديق.

 

دفن لأربع مرات

وتعود إحدى الجثث المدفونة في مقبرة المجهولين في كيليوس بعد نقلها من مقبرة كرزان، إلى فدكار توران، من مواليد 1975، كان قد انضم إلى حزب العمال الكردستاني عام 1993، وفقد حياته في الاشتباكات التي اندلعت في نفس العام، وتعرضت جثته لممارسات غير إنسانية، ودفن أول مرة في مقبرة القرية، ولكن تم نقل جثته من هناك بعد 12 عاماً أي عام 2015 إلى مقبرة كرزان ودفن هناك، وبعد مرور عامين، نُقلت جثته إلى إسطنبول مع الهجمات والدمار الذي الحق بمقبرة كرزان، وبقيت هناك أيضاً لمدة عامين، وتمكنت عائلته من العثور على جثته واستلامها في 2019، ذكرت والدته نورية توران بأنهم استلموا الجثة في علبة وقامت بوضع عظامه واحدة تلو الأخرة داخل التابوت، وقالت "لا نمرود ولا غيره لم يكونوا ظالمين أكثر من هؤلاء".

"لو مهما قلت وتحدثت لن يكون كافياً"، بهذه العبارة لخصت نورية توران لوكالتنا تجربتها في تلك الأيام، وذكرت بأنه في العام الذي قتل فيه ابنها، لم يتمكنوا من أخذ جثته إلى مركز المدينة لأن الجنود حينها لم يسمحوا لهم بذلك، واضطروا إلى دفنه في القرية، في المكان الذي عاش وكبر فيه، مضيفةً "لقد قمنا بإحضار جثث أبنائنا على ظهور الخيل آنذاك، لم تسمح لنا الدولة بأخذهم إلى المقبرة قائلة "إنهم إرهابيون"، كان علينا دفنه في أقرب قرية. حتى أثناء الدفن كنا محاصرين من كل الجهات، وظلت جنازة ابني لسنوات في القرية، وفيما بعد قام أصدقائه بنقل جثته ودفنها في مقبرة كرزان".

 

"ناضلت لسنوات"

وذكرت نورية توران أنها ناضلت لسنوات بعد تدمير مقبرة كرزان، وبحثت عن جثة ابنها وقدمت عينات من الدم لمرات عديدة "لقد قاموا بتدمير كرزان بواسطة الجرافات وأخرجوا جثث أبنائنا، وضعوهم جميعاً داخل أكياس واتجهوا بهم نحو إسطنبول، كنا نعتقد بأن الجثث كانت في المشرحة هنا، ولم نعتقد أبداً أنها قد تكون في إسطنبول، وفيما بعد عندما طلبوا منا أن نقدم عينات من الدم، ذهبت إلى هناك وأخذوا مني عينة، كنت سأتوجه بمفردي إلى المدعي العام، وفي نهاية العام، خرجت نتائج تطابق العينة، وذهب ابني إلى إسطنبول وأحضر الجثة، وبعدها لم تُستلم أي جثث أخرى، ولا تزال العديد من الجثث مدفونة هناك على رصيف كيليوس، جهزوا مكاناً هناك ووضعوا فوقه لوح خشبي وقاموا بوضع الجثث هناك، لم يخرج من ذاك المكان 50 جثة حتى، وبقيت جميعها في كيليوس".

وأوضحت أنه "عندما قمنا بإحضار جثة ابني إلى هنا، لم يسمحوا لنا بأخذه إلى أي مكان، ذهبت إلى المقبرة لأحفر قبر ابني، ولكن حتى عند ذهابنا إلى المقبرة، حاصرنا عناصر الأمن هناك، وقالوا "لا يسمح لكم بالدفن هنا"، سمحوا لي بالحفر هناك، ولكنهم لم يسمحوا للعائلات التي كانت برفقتي لأنهم ليسوا من هنا، حينها قمت بالرد عليهم وقلت لهم لقد قاموا بأخذ عظام الناس من هنا، وردوا علي قائلين "نحن أيضاً عبدة مأمورين"، وبعد المقبرة ذهبت مع ابني من أجل استلام الجثة أمام المدخل، ذهبنا بعدها إلى المقبرة تحت الحصار ثانية، أخرجنا الجثة، وضعوا علبة بين يدينا وقالوا لنا (هذا هو ابنكِ)".

أكدت نورية توران أنها لن تنسى تلك الأيام أو ما مرت به وأنها لن تكف عن المطالبة بمحاسبتهم، قائلة "لن أنسى تلك الأيام وذاك القهر والقسوة طوال حياتي، هل هناك ألم أكبر من هذا ألم؟ فقد دفن ابني أربع مرات، إن هذه الدولة تعادي حتى جثث أبنائنا، أنهم يخافون من عظامنا، وإنهم يخدعون الكرد تحت مسمى الشريعة، ويخدعون الناس بقولهم نحن مسلمون، ولم يبقى شيء ولم يقدموا على فعله تحت هذه المسميات".