العنف والاستغلال... ناشطات تطالبن بتظافر الجهود النسوية

أكدت النسويات والناشطات المشاركات في ندوة حوارية حول ما تتعرض له النساء من عنف واستغلال بكافة أشكاله، على ضرورة تضافر الجهود النسوية للعمل على تفكيك النظام الأبوي الذكوري المعادي للنساء والساعي للنيل من حقوقهن ومكتسباتهن.

سوزان أبو سعيد

بيروت ـ شددت ناشطات ونسويات على أن ما تتعرض له النساء في جميع أنحاء العالم بلغ درجات غير مسبوقة، وأن هناك تعزيز وتكريس للعنف ضدهن، مؤكدات على ضرورة توحيد الجهود النسوية للوصول إلى حقوقهن وحريتهن والقضاء على التمييز.

نظمت رابطة جين النسائية بالتعاون مع التحالف النسائي الديمقراطي الإقليمي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا "ندى"، أمس الأحد الرابع من كانون الأول/ديسمبر، ندوة حوارية في العاصمة اللبنانية بيروت، لمناقشة واقع النساء وما تتعرضن له ووضع الحلول المناسبة للحد من قتلهن واستغلالهن التي ازدادت مع اندلاع الحروب في مختلف الدول.

وشددت الناشطات والنسويات في مداخلاتهن والنقاشات التي تخللت الندوة الحوارية التي جاءت ضمن فعاليات حملة الـ 16 يوماً العالمية لمناهضة العنف ضد المرأة؛ على دور النظام الأبوي الرأسمالي في ما تعانيه النساء من عنف بأشكاله مختلفة، وتطرقت الناشطة وعضو رابطة جين النسائية، ديلان حسن التي أدارت الندوة، إلى الاستغلال الجنسي والأسباب الكامنة وراء ممارسته، وكذلك القضية الفلسطينية من حيث استمرار الهجمات الإسرائيلية واستهدافها للنساء والأطفال، بالإضافة إلى الإبادة الجماعية التي تتعرضن لها، مشيرة إلى أن كل ما تتعرض له النساء وما يعيقهن في النهوض بواقعهن هو النظام الذكوري الاستعماري الاستبدادي.

وأوضحت أن "الهجمات على غزة جرائم لم يشهد لها التاريخ مثيلاً، وشاشات التلفزة تبين حجم الإبادات الجماعية التي شكلت النساء ضحاياها الأبرز، فهناك من فقدن أطفالهن وذويهن، ومنهن من أصبحن المعيلات لأسرهن، لتعشن أياماً صعبة بين الجوع والعطش والحاجة، في ظل ظروف مأساوية لا يتحدث عنها المجتمع الدولي"، مشيرةً إلى أن النساء لم تكن يوماً ضمن حسابات الدول التي تسعى لتحقيق مصالحها.

ونوهت إلى أن "النساء في سوريا أُبدن على يد التنظيمات المتطرفة، ونُكِّل بهن في أفغانستان دون أن يحرك المجتمع الدولي ساكناً، وهجرن من عفرين وتل أبيض بشمال وشرق سوريا وغزة والضفة الغربية والسودان، وقتلن في ليبيا وتم لجم أصواتهن في أغلب دول المنطقة ولم ينتفض العالم نصرة لهن"، مؤكدة أن سياسة القتل العشوائية التي تخترق القانون الدولي الإنساني، وما ورد في اتفاقية جنيف لم يقابلها حتى اليوم أي تحرك واضح ينهي الرعب الحاصل وبات وصمة عار على جبين المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية الدولية التي لا تزال تلتزم الصمت حيال تلك الإبادات الجماعية.

ولفتت إلى أن تحالف "ندى" يؤكد على أن "المصالح والمطامع الغربية القامعة للمنطقة العربية المضطهدة لم ولن تتوقف ما دام الصمت مستمراً، وهذا ما يؤكد أن تواطؤ المجتمع الدولي تجاه ما تعيشه غزة أدى إلى تجاوز إسرائيل لحدودها، وينبه من الحصار والتجويع كسياسة دولية لتهجير الشعوب والنساء وتخويفهن".

وتزامناً مع احتفاء الدول أجمع باليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، دعا تحالف "ندى" إلى تتبع كل من ثبت ارتكابه لجرائم ضد النساء في غزة وسوريا واليمن وليبيا والسودان، ومقاضاة اسرائيل التي ترتكب اليوم جرائم إبادة أمام مرأى العالم ومسمعه، ومحاكمة منتهكي الحرمة الجسدية للنساء في غزة والضفة الغربية، ولا سيما أن التجاوزات وصلت إلى حد التحرش الجنسي وانتزاع الحجاب بشكل همجي.

 

 

 

كما أكدت مسؤولة التواصل والتعبئة في قسم مناهضة الاتجار في منظمة "كفى" المعنية بمناهضة العنف ضد المرأة، غنى العنداري، على ضرورة "التضامن مع الفلسطينيين/ات وسط الإبادة التي يتعرضون لها"، وترى أن تعنيف المرأة واستغلالها يتجدد بناءً على النظام الأبوي ومرتبط وقائم على دونية وتسليع المرأة، وتصنيفها لخدمة الرجل بصورة دائمة وبأن له كافة التبريرات لاستغلالها.

وأوضحت أن منظمة كفى تعمل على مناصرة النساء والسعي لتغيير قوانين عدة موجودة عبر التوعية والتدريبات المخصصة لمقدمي الخدمات "خدماتنا التي تتضمن خطاً ساخناً للمشورة القانونية والاجتماعية تتابع النساء لمساعدتهن في المضي بقضاياهن"، لافتةً إلى أن الحروب تفسح المجال لارتكاب العنف ضد المرأة واستغلالها، فالنازحات واللاجئات من مناطق الحروب والنزاعات معرضات للاستغلال الجنسي والدعارة، كونهن في موضع هشاشة".

وفيما يتعلق بواقع المرأة في لبنان تقول "قبل الأزمة الاقتصادية وما نشهده اليوم، فقد كان يروج أن واقع النساء اللبنانيات هو أفضل بالمقارنة مع غيرهن في المنطقة، لكن فعلياً حالهن كحال غيرهن في العالم، أي تعتبرن مواطنات من الدرجة الثانية، فقانون الأحوال الشخصية الذي يعمل به لبنان يعامل المرأة وكأنها قاصر وليس باعتبارها شخصاً كامل الإرادة والوعي، وهناك قوانين مجحفة تطبقها المحاكم الدينية، كحضانة الأطفال والميراث، وكذلك قانون الجنسية كون المرأة اللبنانية لا يمكنها أن تعطي الجنسية لأطفالها، وهذا أيضاً يعد انتقاصاً لها".

ويعد للإعلام الدور الأبرز في تكريس الصور النمطية للمرأة وتسليعها كما أوضحت وهو ما يساهم في التشجيع على التمييز بين الجنسين، مشيرةً إلى أنه منذ بداية العام الجاري ولغاية أيلول/سبتمبر الماضي، قتلت حوالي 14 امرأة على يد أزواجهن أو أحد أقاربهن في لبنان، مشددةً على أن الأزمة الاقتصادية تصعدان من وتيرة العنف الممارس بحقهن.

 

 

 

من جانبها تطرقت عضو لجنة الأمانة العامة في تحالف "ندى" سعاد عبد الرحمن إلى ما تعانيه المرأة الفلسطينية والظلم الذي تتعرض له النساء في كافة أنحاء العالم، مشيرةً إلى أن "ما نراه في غزة هو استكمال لمخططات المجتمع الذكوري العالمي، فهناك قصف وإبادة جماعية واستهداف للنساء والأطفال بشكل خاص"، لافتةً إلى أن جميع المنظمات الحقوقية الدولية يترأسها رجال، متسائلةً "أين دور النساء في إدارة الجمعية العامة وغيرها من المنظمات الحقوقية الدولية؟".

وأكدت على أن النساء ينقصهن الدعم الكافي ليواجهن ما يجري في العالم، وعلى النساء توعية أنفسهن والمجتمعات كذلك، والتعرف على حقوقهن وواجباتهن، والنضال من أجل حريتهن والعيش على أرضهن بسلام وأمن والقضاء على التنميط المجتمعي.

ونوهت إلى أنه ليس الشعب الفلسطيني الوحيد الذي يتعرض للظلم والاضطهاد، بل أن الكرد كذلك يتعرضون على أرضهم للظلم والاضطهاد وخاصة النساء "لقد ذهبت إلى شمال وشرق سوريا ورأيت كم هناك استغلال وظلم يطال الشعب الكردي على امتداد المنطقة وهو الحال في إقليم كردستان، وكم من نساء ظلمن جراء الاستغلال والاحتلال، حيث قسمت بلادهم إلى أربعة أجزاء، فالقضية الكردية تشبه القضية الفلسطينية، لأن المعاناة ذاتها وللأسف الشعوب هي من تدفع الثمن".

 

 

 

كما أوضحت رئيسة رابطة جين النسائية والمنسقة العالمة لـ تحالف "ندى" بشرى علي، أن المواضيع التي تناولوها خلال الندوة تندرج تحت منظومة متكاملة ومتعددة الأبعاد وهي العقلية الذكورية بكل أدواتها ومؤسساتها وسياساتها وممارساتها، سواء بالاستغلال الجنسي أو الاحتلال والتهجير والتفقير "إن العامل الأساسي هو الموضوع الجندري وحرية المرأة، وهي القضية المحورية لكل القضايا العالقة".

وأشارت إلى أنهم توصلوا إلى أن "العقلية الذكورية متواجدة في كل مكان وتتشابه وفق الجوهر، ولكنها تختلف في أشكالها، وأدواتها وأساليبها، إننا في خضم حرب عالمية تقودها العقلية الذكورية البطريركية وهدفها الأول النساء. ولكي نتغلب على هذه المنظوم فنحن بحاجة لمنظومتنا النسائية ورؤيتنا وأدواتنا الخاصة بنا، وأن نعيد صياغة الكثير من المصطلحات التي تؤثر على حياتنا كنساء وكشعوب وكقوميات، وهي النقاط الأساسية التي توصلنا لها، مؤكدين على ضرورة التشبيك والتضامن النسائي وهو ما يعمل عليه كل من تحالف ندى ورابطة جين".

وحول الهجمات المستمرة على قطاع غزة واستهداف الأطفال والنساء تقول "إن ما يحدث في غزة من عنف يصل إلى درجات غير مسبوقة، لذا نحن أمام مفارقة بأنه ليس هناك مناهضة من حيث المنظومة الذكورية لهذا العنف، بقدر ما هناك تعزيز وتكريس للعنف ضد النساء عبر الاحتلال والإبادة الجماعية، وبالتالي لا يمكننا فصل القضية الفلسطينية عن موضوع العنف ضد المرأة والذي يصل إلى الإبادة الجماعية".

 

 

 

بدورها شددت رئيسة لجنة الثقافة والفن في رابطة نوروز الثقافية لافا بكري، على أن "دور المرأة أساسي في المجتمع وإن انهارت انهار المجتمع معها"، مشيرةً إلى سعي لجنة الثقافة والفن في رابطة نوروز إلى اعتبار دور المرأة أساسياً للتعبير عما بداخلها من ألم عبر العزف على آلات موسيقية.

وأكدت على أن المرأة يحق لها الإبداء عن رأيها والدفاع عن نفسها، والمشاركة في كافة المجالات لتنمية المجتمع.