زوجات المعتقلين في إدلب... ضحايا نصب واحتيال وخيارات محدودة

تواجه زوجات المعتقلين في إدلب ظروف معيشية قاسية وسط خيارات هي الأصعب جراء غياب المعيل ومصيره المجهول من جهة، ومصيرهن المعلق ورصد المجتمع لتحركاتهن من جهة أخرى

سهير الإدلبي
إدلب ـ ، فكن بين نيران الانتظار والأمل التي باتت مع مرور الزمن دون جدوى.
تعرض روعة السليم (٣٥) عاماً وهي من بلدة كللي، لعمليات نصب واحتيال متعددة لم يثني عزيمتها من المحاولة مجدداً علها تصل لخبر يطمئنها عن زوجها المعتقل منذ أكثر من 5 سنوات.
تتنهد بنفس عميق وتقول "ليتني فقط حصلت على تأكيد بأنه لايزال على قيد الحياة، ربما سيمنحني ذلك الأمل بانتظار خروجه من السجن سالماً ذات يوم، ولكنني ورغم كل محاولاتي التي باءت بالفشل لم أحصل على ما يؤكد لي مصيره".
واعتقل زوج روعة السليم ويدعى هيثم العلوي (38) عاماً، على حاجز للنظام على طريق إدلب ـ حماة في آب/أغسطس2016، دون توضيح أسباب اعتقاله ومكان احتجازه.
لم تتوانى ببذل الغالي والنفيس في سبيل عمليات البحث عنه وباعت معظم ممتلكاتها وممتلكات زوجها بغية الحصول على معلومات لتجد نفسها في النهاية وقعت ضحية نصب واحتيال، إذ استغلوا بعدها عن العاصمة دمشق ولهفتها للحصول على ما يطمأن قلبها على زوجها الغائب.
لم تكن روعة السليم الحالة الوحيدة، إذ تعيش زوجات المعتقلين واقع مرير يتأرجح بين مسؤولية أبنائهن الكبيرة التي ألقيت على عاتقهن ومسؤولية التعامل مع المحامين والوسطاء الذين وجدوهن فريسة سهلة لعمليات النصب والاحتيال.
فيما استطاعت روان بكور (٢٨) عاماً أن تجد عملاً كموظفة مراقبة وتقييم في إحدى منظمات المجتمع المدني، براتب وصفته بالجيد بعد أن غدت المعيلة الوحيدة لأطفالها بعد اعتقال زوجها الذي فقد أثناء توجهه لدمشق عام ٢٠١٧ بغية جلب بعض البضائع لمحله التجاري.
تقول روان بكور إنها تواصلت مع محامي مقيم في دمشق قال إنه تمكن من التوصل لعدد كبير من المعتقلين وعرف أماكن اعتقالهم، بل وساعد بعضهم على الخروج من السجن بعد توليه مهمة الدفاع عنهم ودفع مبالغ مالية كرشاوى لإطلاق سراحهم، وهنا سارعت روان لتوكيله في عملية البحث عن زوجها ورصدت مبلغ كبير لهذا الأمر بلغ ٨٠٠٠ دولار أمريكي على أن ترسل نصف المبلغ بحال معرفة مكان زوجها والنصف الآخر حين خروجه من السجن.
ولأخذ الاحتياطات اللازمة لعدم وقوعها بفخ النصب والاحتيال، تم وضع وسيط ثالث بينها وبين المحامي يتكفل بدفع المبالغ المالية حين تحقق الشروط المتفق عليها، "جاء خبر معرفة مكان زوجي بأنه لايزال على قيد الحياة، ليضفي على حياتي الباردة سعادة كبيرة، وأيقظ فيّ الأمل بعودته لي ولولديه ليخلصنا من حياة الوحدة ويعود لنا سنداً ومعيلاً وحبيباً".
لكن فرحة روان بكور لم تكتمل حين دفعت النصف الأول من المبلغ وتفاجأت بعد ذلك بتغيير أرقام تواصل كل من المحامي والوسيط الذين تعاملا معاً في عملية النصب والاحتيال التي وقعت روان ضحيتها.
وإن كانت بعض زوجات المعتقلين مازلن يتمسكن بأمل خروج أزواجهن من سجون النظام، فإن البعض الآخر نال منهن اليأس ودفع بهن للبحث عن مستقبل جديد لهن ولأبنائهن بالحصول على الطلاق من الزوج المعتقل والزواج بآخر غير أنهن اصطدمن بتعقيدات قضائية ومجتمعية.
سارة بركات (٣٠) عاماً، عاشت صراعاً داخلياً بين وفائها لزوجها الذي تربطها به "عشرة عمر" وبين رغبتها بأن تستند على شخص آخر يتقاسم معها مسؤولية أبنائها والاستمرار وسط ظروف معيشية قاسية لا تقوى على تحملها بمفردها.
اعتقل زوج سارة بركات في عام ٢٠١٥ أثناء عمله في أحد معامل النسيج في مدينة حماة، لتقضي سارة منذ ذلك الحين سنوات هي الأصعب في تحمل الأعباء لوحدها، هي التي لم تعتد سابقاً على العمل ولا تجيد أي مهنة سوى أن تكون ربة منزل.
تقول "لم أسلم من الأقاويل والتحرشات التي دفعتني لطلب الطلاق في المحاكم والحصول عليه، والزواج من رجل آخر أبدأ معه حياتي من جديد وخاصة أنه أبدى استعداده بتقبل أبنائي الثلاثة وعدم تخليه عنهم"، غير أنه مالم يكن في حسبان سارة بركات أن يعمد أهل طليقها المعتقل لتجريدها من الأطفال بعد زواجها ونجحوا في ذلك، بعد تعرضها للكثير من الانتقاد المجتمعي الذي وصف فعلها بالأنانية والتخلي عن أولادها.
من جهته أوضح المحامي وائل المحمود (٤٠) عاماً، إن المحاكم الموزعة في إدلب وريفها تتلقى يومياً عشرات الدعاوى المتعلقة بالطلاق لزوجات المعتقلين والمختفين قسرياً والذين تجاوزت أعدادهم ٩٢ ألف معتقل وفق إحصائيات المرصد السوري لحقوق الإنسان في حين تشير الإحصائيات الغير رسمية إلى أن العدد الحقيقي يتجاوز هذه الأعداد بكثير.
وأكد على أن زوجات المعتقلين تعاني فقدان الأمان وعدم الاستقرار وهو ما يدفعهن لطلب الطلاق ويتم ذلك بالمخالعة لعدم وجود الشهود على وفاة الزوج في المعتقل، مشيراً إلى أنه ما إن تنتهي زوجة المعتقل من معاملات الخلع حتى تقع في دوامة صراع مع محيطها من أجل الدفاع عن حقها في بدء حياة جديدة من وجهة نظرها.
وفي الوقت الذي يتنصل فيه المجتمع من حماية زوجة المعتقل وتمكينها وضمان حقوقها فهو يمعن في انتقاد تصرفاتها وتتبع تحركاتها واتهامها بعدم وفائها وخيانتها لزوجها المعتقل، لتجد نفسها المتهمة والضحية والمسؤولة الوحيدة عن كل ما يحدث معها.