عبير المنستيري: تموقع المرأة العربية في مجال البحث العلمي ما يزال متواضعاً

تتلمس الباحثة التونسية في مجال البيوتكنولوجيا الطبية عبير المنستيري، طريقها إلى التحليق أكثر في مجالها بعد تحقيقها نجاحات كثيرة انطلقت من بلدها ليتمّ اختيارها فيما بعد من قبل التحالف الأوروبي لتشخيص فيروس كورونا المستجد، كأول امرأة تونسية وعربية

زهور المشرقي 
تونس ـ
استطاعت عبير المنستيري وهي من محافظة المنستير بالساحل التونسي، في العقد الثالث من العمر، أن تحيّ مسيرتها العلمية في برشلونة ونحتت اسمها عالمياً من خلال أهم التجارب في مسيرتها المهنية والعلمية، لتتحدى فكرة أن البحث العلمي مجال صعب ومعقد ويحتاج إلى وقت طويل وأموال إلا أن إيمانها بتحقيق الاستثناء والنجاح كان أقوى. 
تحدثت لوكالتنا الدكتورة عبير المنستيري خلال حوار معها عن تجربتها مع التحالف وعن البحث العلمي عربياً.
 
عرّفينا بالدكتورة عبير المنستيري وحدثينا عن مسيرتك الدراسية والعلمية؟  
ولدت بمدينة بسوسة عام 1986، حصلت على شهادة البكالوريا علوم تجريبية عام 2005 وتوجهت إلى شعبة البيوتكنولوجيا الطبية حيث حصلت على إجازة عام 2009 ثم على شهادة الماجستير سنة 2012 وعلى شهادة الدكتوراه اختصاص علوم بيولوجية وبيوتكنولوجيا سنة 2018. وأنا الآن باحثة في مرحلة ما بعد الدكتوراه بجامعة برشلونة منذ عام 2018. وعضو بالتحالف الأوروبي CONVAT الذي يجمع باحثين من فرنسا وإيطاليا وإسبانيا كونها الدول الأكثر تضرراً من جائحة كوفيد ـ 19 وذلك منذ آذار/مارس 2020، واعتبر أول امرأة عربية وتونسية يتم اختيارها ضمن هذا التحالف.
 
شاركتم ضمن التحالف الأوروبي لتشخيص فيروس كورونا المستجد، حدثينا عن هذه التجربة؟
فخورة بأن أكون أول باحثة تونسية شابة تجتاز الضفة الجنوبية للمتوسط لتكون ضمن تحالف أوروبي لا يؤمن بغير الكفاءات في عمله. تابعوا أعمالي المخبرية وأبحاثي في جامعة برشلونة وتم إدماجي ضمن هذا التحالف لتطوير جهاز يعتمد على تكنولوجيا النانو للكشف عن فيروس كورونا في أقل من 30 دقيقة، وهدفي أن أهدي هذا الجهاز للبلد الذي ساهم في تكويني وأوصلني إلى هذه المرتبة، تونس الحبيبة.
تجربة متعبة لكنها ممتعة حيث توفرت كل التجهيزات وكل الإمكانيات ليقوم فريق البحث بعمله في أحسن الظروف، إمكانيات لا يقدر مع الأسف أن يوفرها الوطن.
 
عاينتم عدّة أوضاع بخصوص انتشار الفيروس (كوفيد ـ 19) وتحوراته، ما تقييمكم اليوم للوضع الصحي في تونس، وكيف السبيل للخروج من خندق الموت الذي يلاحق الجميع يومياً؟
مع الأسف تعيش تونس أسوأ الفترات في تاريخها الحديث، حيث انتشر الوباء بصورة غير مسبوقة نتيجة لعوامل كثيرة منها ما كان المواطن سبباً في خلقها كعدم شعوره بالمسؤولية وقلة وعيه بخطورة الوضع واستهتاره بقواعد السلامة، والجزء الأكبر منها تتحمله الدولة من خلال تخليها عن القيام بدورها الأساسي في حماية المواطن وجعله من اهتماماتها في الرعاية الصحية، وسياسة الأيادي العالمية لمقاومة الوباء على مستوى التسجيل والقيام بالإجراءات الضرورية للحصول على اللقاحات في الوقت المناسب جعلت تونس لا ينخرط في الوقت المناسب في الخطة "ب"، مما جعل تونس في ذيل الترتيب مقارنة ببقية دول العالم من حيث توفير اللقاحات للمواطنين، وأعتقد أن أولى الأولويات الآن هو تسخير كل الإمكانيات المادية خصوصاً من أجل اقتناء اللقاحات والتصرف الرشيد في ما سيصلنا من مساعدات من الدول الصديقة والشقيقة، لأن عنصر الثقة بين الحاكم والمحكوم في تونس انعدم مع الأسف لعدم شفافية تعامل الدولة مع ما وصلها من مساهمات المنظمات ومختلف هياكل المجتمع المدني، ويبقى في النهاية خلاصنا في تلقيح أكبر نسبة من الشعب التونسي.
 
ما الذي دفعكم إلى طرق أبواب البحث العلمي وماهي التحديات التي واجهتكم؟ 
انتشار مرض الرمد بين عامي (2003 و2004) في تونس شكل حافزاً أساسياً لضرورة المساهمة في إنقاذ الشعب مستقبلاً، ودفعني إلى أن أكون في الصفوف الأمامية للقضاء على الأمراض والأوبئة التي تهدد الإنسانية. فاخترت توجهاً علمياً محوره البحث العلمي وخدمة الإنسانية، لكن اعترضتنا العديد من الصعوبات، أولها وأهمها عدم توفر التجهيزات بالقدر الكافي وعدم إيلاء مخابر البحث العلمي العناية اللازمة، لكن المنظومة التعليمية والشهادة العلمية التونسية تبقى لها قيمتها خارج الوطن، وتعطي جواز سفر للباحث التونسي الشاب للتنقل إلى أوروبا وأمريكا وإنجاز أبحاثه والإفادة بعلمه ومعارفه.
 
لعلكم ككل امرأة تونسية تابعت بخوف ارتفاع نسب العنف المسلط على النساء منذ بداية الجائحة بتونس برغم القوانين المكافحة لهذه الظاهرة، حيث أسمتها جمعيات نسوية بالإبادة النسوية لنساء تونس، برأيكم أين الخلل ولماذا لم تنجح القوانين في محاربة الآفة الخطيرة التي تسببت بتفكيك الأسر؟
برغم تطور المنظومة التشريعية ووجود العديد من القوانين الرائدة التي لا تتوفر للمرأة في بلدان عديدة، إلا أن تطبيقها يبقى محدوداً لسبب أساسي هو أن المجتمع الشرقي عموماً مجتمع ذكوري في الأساس، حيث أن المكلفين بإنفاذ القوانين هم من الذكور الذين يناصرون بالطبيعة أبناء جنسهم، لتجد المرأة نفسها تمثل الأقلية داخل المجتمع، مما يسهل تعرضها للاعتداءات اللفظية والمادية، على الرغم من وجود وزارة كاملة تعنى بالمرأة والأسرة لكن مع الأسف هذه الوزارة لم نرَ لها أثراً أو إنجازاً على أرض الواقع.
 
كيف تقيّمون عمل المرأة الباحثة؟ 
مع الأسف لايزال تموقع المرأة العربية في مجال البحث العلمي متواضعاً رغم أن الدراسات أثبتت أن المرأة في المقدمة على مستوى جودة النتائج والتألق في امتحان البكالوريا مثلاً. من جهة أخرى البحث العلمي يتطلب جملة من التضحيات التي لا تقدر عليها المرأة العربية بحكم طبيعة عملها ودورها داخل العائلة، فالبحث العلمي لا يرتبط بتوقيت معين ويتطلب التنقل المستمر لحضور الندوات والملتقيات العلمية مما ينجر عنه غياب عن العائلة لبضعة أيام وهذا ما لا تقدر عليه المرأة العربية حالياً.
 
ماهي التداعيات النفسية على الأسرة التونسية وتحديداً على المرأة التونسية في واقع كورونا والعنف الذي يجتاح المجتمع ويستهدف المرأة في المقام الأول؟
التداعيات هو تفكك الأسرة حيث تضطر المرأة في لحظة ما إلى الفرار والهروب بجلدها حفاظاً على حياتها بشكل أساسي، ثم ضياع الأطفال وسط جو مشحون، زوج لا يعمل بحكم إجراءات الحجر الصحي مما يعني عدم قدرته على توفير حاجيات أسرته بحكم النظرية الشرقية التي تكرس قاعدة "الزوج مطالب بالإنفاق على عائلته"، فضلاً عن أن نفاد المدخرات المالية من شأنه أن يزيد الوضع سوءاً داخل الأسرة ويخلق مناخاً عنيفاً داخل البيت مما يفجر الخلافات ويرفع من منسوب الاعتداء الذي تكون المرأة ضحيته.
 
كلمة أخيرة ورسالة للفتيات التونسيات؟ 
المثابرة ثم المثابرة والإصرار على النجاح والتألق فهو الطريق الوحيد للنجاح والوصول إلى أعلى المراتب، والفتاة التونسية لديها كل الإمكانيات التي تتيح لها ذلك.