الطَّفولة في عفرين بين الوأد والأحلام المُشتتة وسرقة الأعضاء... هُنا تباد الإنسانيَّة

ـ طفولة مَوؤُدة، ورعب يختال الأنفاس فيخطفها، ومشاهد حياة مشتتة تبعثر براءة الأحلام، ليصل الأمر إلى انتهاك حرمة الأجساد وسرقة الأعضاء لبيعها، هذا الوصف قد لا يكفي للتعبير عما يعايشه أطفال عفرين في شمال وشرق سوريا

فيدان عبد الله
الشهباء ـ طفولة مَوؤُدة، ورعب يختال الأنفاس فيخطفها، ومشاهد حياة مشتتة تبعثر براءة الأحلام، ليصل الأمر إلى انتهاك حرمة الأجساد وسرقة الأعضاء لبيعها، هذا الوصف قد لا يكفي للتعبير عما يعايشه أطفال عفرين في شمال وشرق سوريا. 
بين أتون الحروب ومقصلة الصّراعات الدّائرة في المنطقة، وخناجر التّهجير ونيران التّغيير الدّيمغرافي، يعيش أطفال سوريا حياة قاسية ويشهدون أحداث تفوق أعمارهم، ولا سيما في المناطق المحتلة منها، فعلى تلك الأراضي تباد الإنسانيّة.  
 
انتهاكات موثقة وسرقة أعضاء وقتل للأطفال في عفرين
أطفال مقاطعة عفرين في شمال وشرق سوريا المحتلة منذ 18 آذار/مارس 2018، ينالون النَّصيب الأكبر من المعاناة، تحت وطأة الاحتلال التركي، فبعد أن ارتكبت تركيا ست مجازر كان أغلب ضحاياها من الأطفال أثناء هجومها العسكري على عفرين لمدة 58 يوماً.
وحسب إحصائيات منظمة حقوق الإنسان فرع مقاطعة عفرين فإن 35 طفلاً قتلوا وأصيب 88 آخرين، أثناء هجمات الجيش التّركي، فيما عدا الرعب، والخوف والهلع، الذي غرسته أصوات الطّائرات والقذائف في نفوس الأطفال، مما أثر على سلوكياتهم، وزاد الوضع سوءاً عما هو عليه بعد الاحتلال، فلا تزال الطفولة في عفرين تُغتصب يومياَ، عدا عن فرض الثَّقافة واللغة التركية، إضافة للممارسات اللاإنسانية.
خلال أربع سنوات من العيش تحت وطأة الاحتلال، وحسب إحصائيات منظمة حقوق الإنسان في عفرين ـ سوريا، فقد 77 طفل حياته، و88 امرأة، منهم من قتل عمداً وآخرين عبر العبوات النَّاسفة والألغام، إضافة للمتاجرة بالأعضاء بعد الوفاة، واختطاف 7779 مدنياً، بينهم عشرات الأطفال والنَّساء.
ووثقت "شبكة نشطاء عفرين" حالات القتل العمد للأطفال منها، كمال محمد علي (17) عاماً من قرية برج عبدالو في ناحية شيراوا، وذلك في 26حزيران/يونيو 2018، عندما كان ذاهباً لسقاية الأراضي لتأمين متطلبات عائلته برفقة الشاب خلف (27 عاماً)، وبعد غيابه عن المنزل حتى المساء بدأ ذويهما البحث عنهما دون أي جدوى، إلى أن وجدوا جثتيهما مربوطتين بشجرة بين بساتين الرمان العائدة لذويه في القرية بعد يومين من اختطافهما على يد مرتزقة الاحتلال التركي، وكان أثر الضرب بأدوات حادة ظاهراً على جسديهما، وقد أطلق الرّصاص على رأسيهما. 
وبتاريخ 22 تشرين الأول/أكتوبر 2018 قتل الطفل جان الذي لم يتجاوز العام الأول من عمره برفقة والدته تولين بيرو ووالده محمد بيرو في قرية براد بناحية شيراوا، وأشارت وسائل إعلام عائدة للاحتلال التركي أن الضحايا قتلوا بلغم أرضي، إلا أنه وبعد متابعة الواقعة تبين أن القتل حدث بشكلٍ متعمد على يد الاحتلال التركي حيث أن والد الطّفل تعرض في وقتٍ سابق للخطف والابتزاز المالي وبعد هذه المضايقات قرروا الخروج من قريتهم باتجاه مدينة حلب، لكنهم اختطفوا من قبل فصيل الحمزات ليعثروا عليهم بعد عدة أيام وهم مقتولين على طريق قرية كيمار في الناحية، وأظهرت الصَّور آثار حبل بقرب الضَّحايا وآثار التَّعذيب بادية على وجوههم، مع العلم بأن الطريق الذي ادعت المرتزقة أنه الطريق الذي انفجر فيه اللغم بالضحايا، تستخدمه تلك الفصائل بشكل يومي. 
كما واستشهد الطفل حسن محمد نور خلو (15) عاماً من قرية باخجه في ناحية بلبلة بتاريخ 22 تشرين الثاني/نوفمبر 2018 بست طلقات نارية أثناء تواجده في منزله الذي استولى عليه أحد المستوطنين وحولوه إلى مقر لتحفيظ القرآن.
كما وعثر على جثة الطفل عزت عدنان (16) عاماً من أهالي قرية شيخ كيلو في ناحية موباتا، وذلك بعد أسبوع من اختفائه في 3 آذار/مارس 2019 وسط ظروف غامضة بالقرب من الجسر وسط مركز مقاطعة عفرين.
ووثق قتل أكثر من 6 أطفال بانفجار ألغام زرعها المرتزقة في أماكن وأوقات متفرقة، بعد احتلال المنطقة وهم كل من نهاد حمود حميد (16) عاماً من أهالي قرية كورزيلة بشيراوا، والطفل عبد الرحمن رشيد عبدو (12 عاماً) من قرية كفرصفرة بناحية جندريسه، والطفلة فهيمة كنان سيدو 13 عاماً من قرية خوزيانا بناحية موباتا، والطفل حمودة بن إدريس ذكي قرة، وجرح ابن حيدر جميل بقرية ترموشا التابعة لناحية شيه، وطفلة مجهولة الهوية وطفل آخر إثر انفجار لغم أرضي بها في ناحية جندريسه بعد هروبها وملاحقتها من قبل فصيل سمرقند.
ومن جانبٍ آخر وردت معلومات من داخل عفرين عن وجود حالات لسرقة ومتاجرة بأعضاء الأطفال بعد قتلهم وكان من بينهم الفتاة القاصر نازلي حاج رشيد من قرية قوشو في ناحية بلبلة حيث أنها توفيت في مشفى عفرين الذي يدار تحت أمر الاستخبارات التَّركية، وبحسب أقرباء الفتاة فأن وضعها كان مستقراً، لتحوم الشَّكوك عن دور المشفى في سرقة أعضاء الفتاة وبيعها لتركيا، وهو ما حصل مع الطّفل خليل شيخو (15 عاماً) بعد قتله على يد حرس الحدود التركي "الجندرمة" وسلمت جثة الطفل بعد السّرقة إلى ذويه في ناحية شرا وهي خاوية من أعضاء جسده، وذلك بعد يومين من قتله.
وأكثر المرضى الذين يقصدون المشفى العسكري وأي مشفى يسيطر عليه الاحتلال التركي، لا يخرجون أحياء إضافة إلى سرقة الأعضاء.
 
الأطفال يدفعون ثمن الاحتلال غالياً
وحول هذا الموضوع، تقول المُهجرة أمينة حسكو "تركيا ترتكب انتهاكات جسمية في عفرين منذ احتلالها، عبر تهجير الأهالي، وإحداث التَّغيير الدَّيمغرافي، وطمس تاريخ شعوب المنطقة، ومحاولات إنهاء وجود الشَّعب الكردي، والقتل والنَّهب، والاختطاف وحرق الطًّبيعة".
وتشير إلى أن الدول الإقليمية والعالمية لا تبدي أي موقف حازم حيال جرائم تركيا التي لا تعد ولا تحصى، منافية بذلك القوانين والمواثيق الدولية "لن نصمت عن اعتداءاتهم ولن ننحني للظلم، إرادتنا وعزيمتنا أقوى من بطشهم وعدوانهم".
وأكدت على أنهم مستمرون بنضالهم حتى عودة جميع المهجرين إلى أرضهم "سنطرد الاحتلال من ديارنا بكل بُد، الأرض أرضنا وليس للمحتل مكان فيها".
بينما استنكرت المهجرة زينب أوبا ممارسات المحتل التَّركي بحق الأهالي خاصة الأطفال والنساء في عفرين "دخلنا العام الرَّابع ونحن مهجرون، في موقف عالمي متفرج يشرعن المجازر التَّركية".
وقالت "كفى للاضطهاد والظلم، كفى للانتهاكات بحق الطفولة والإنسانية، بفكرنا الحر ووحدتنا سندحر الاحتلال، وسنقاوم حتى آخر قطرة دم". 
وعن جرائم الاحتلال التركي بحق الأطفال في سوريا عموماً، وانتهاك القوانين والمواثيق الدولية في عفرين بعد الغزو التركي خصوصاً، تقول الحقوقية وعضو منظمة حقوق الإنسان من مقاطعة عفرين روشين حدو "منذ اليوم الأول لتهجيرنا قسراً من عفرين، نرصد ونوثق انتهاكات تركيا في المقاطعة حتى يومنا الرَّاهن، والتي يرتكبها بحق الإنسانية والطبيعة من قتل، واختطاف، وتعذيب، وقطع الأشجار وحرق الطبيعة".
وتابعت "الأطفال دفعوا ثمناً غالياً، إذ قُتل 50 طفل بطرق ومجازر مختلفة خلال الهجمات على عفرين على مدار 58 يوماً، ولم يكن الحال أفضل بعد الاحتلال، فازدادت الهجمات، واختطف طفل ووالده واقتيدا إلى إعزاز حيث قتل الأب، ولا يزال مصير الطَّفل مجهولاً، ووجد طفل آخر مقتولاَ بين الأراضي الزّراعية في قرية كيمار".
وتضيف "عدا عن ذلك فإن عمليات الاختطاف منتشرة في عفرين منذ احتلالها، فقد نقلت لنا إحدى السجينات السابقات في سجون الاحتلال التركي قبل أن تستطيع الفرار أنها كانت معتقلة في سجن به 24 امرأة ومعهنَّ 25 طفل أي أن الإحصائيات الدقيقة لجرائم تركيا بحق الأطفال غير واضحة بحكم ما تفرضه من حجب إعلامي وعدم الاحتكام للجنة لتوثيق الجرائم".
وتؤكد "إن أطفال عفرين يواجهون التجنيد العسكري، وعلى سبيل المثال الطفل عبدو سيدو من أهالي قرية روتا في ناحية موباتا بعفرين، إضافة إلى ابتزاز وإهانة الأطفال واستخدامهم لتنظيف حماماتهم، وذلك على يد الشَّرطة العسكرية في ناحية شرا بعفرين".
وتشير إلى أنه وبحسب القوانين الدولية فأن حق العيش بكرامة وأمان مضمون، لكن ذلك في عفرين مفقود وسط الاحتلال التركي، وهذا اختراق لقانون الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أصدر عام 1948، واتفاقيات جنيف الرابعة، والبروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن اشتراك الأطفال في النزاعات المسلحة والملحق باتفاقية حقوق الطفل بشأن بيع الأطفال واستغلالهم في البغاء والمواد الإباحية.
وأكدت على "المجتمع الدولي ومنظمة اليونيسف التي من المفترض بها حماية حقوق الطفل، التدخل ومحاسبة الاحتلال التركي على جرائمه بحق الطفولة، إذ تعد تلك الجرائم جرائم حرب ضد الإنسانية"، مبينة أنه على المجتمع الدولي تخطي حدود التقارير والعمل بجدية لطرد الاحتلال التركي من عفرين وتأمين العودة الآمنة للأهالي.