تأثير التعليم الافتراضي على الفجوة التعليمية في إيران
التعليم الافتراضي في إيران عمّق الفجوة التعليمية ورفع معدلات التسرب، كما أثّر سلباً على الأطفال والمعلمين وزاد الضغوط النفسية على الأسر، ولا سيما الأمهات.
سوما كرمي
جوانرو ـ إنّ تكرار تعطيل المدارس بسبب تلوث الهواء أو انتشار الإنفلونزا أو أزمات الطاقة، ولا سيما عندما يحدث ذلك من دون تخطيط مسبق أو تطوير للبنى التحتية، يؤدي إلى تعميق الفجوة التعليمية بين الطبقات وحتى في مدن صغيرة مثل جوانرو، التي لا تعاني من تلوث جوي ولا من انتشار واسع للأمراض، توقفت الدروس الحضورية وتحويل الدروس إلى التعليم عن بُعد.
هذا التحول المفاجئ الذي تعرض له التعليم في مدن عدة من إيران بسبب تلوث الهواء أو انتشار الإنفلونزا أو أزمات الطاقة يضع الطلاب الذين لا يمتلكون اتصالاً مستقراً بالإنترنت أو أجهزة مناسبة أو بيئة ملائمة للدراسة في موقعٍ متأخر، ويحرمهم فعلياً من تعليم ذي جودة. وقد حذّر نواب في البرلمان وخبراء في التربية من أن تطبيق التعليم عن بُعد من دون توفير مستلزماته الأساسية سيؤدي تدريجياً إلى إقصاء شريحة من الطلاب من منظومة التعليم.
والتعليم الافتراضي ليس مجرد استبدال الصفّ الدراسي بشاشة إلكترونية؛ بل هو تغيير جذري في نمط تعلّم الأطفال الذين يحتاجون إلى الحركة واللعب وتنوّع البيئات من أجل التركيز والنموّ المعرفي، بينما يحدّ التعليم عبر الإنترنت من هذه الاحتياجات الطبيعية. وتنعكس هذه القيود في صورة تململ، وانفعال، وإرهاق ذهني، واستنزاف عاطفي.
الصعوبات التي تواجهها الأطفال في الدراسة بإيران
سمیرا خرمي، والدة طفلة في العاشرة من عمرها، تروي أن ابنتها كانت متحمّسة لبدء العام الدراسي والذهاب إلى المدرسة، لكن تكرار الحصص الافتراضية أفقدها جزءاً كبيراً من دافعيتها وتركيزها، مضيفةً أن التعليم داخل المنزل خلق توتراً مستمراً بين الوالدين والطفل، ما جعل الأجواء العائلية أكثر ضغطاً وثقلاً.
وفي التعليم عبر الإنترنت، يجد الطفل نفسه مضطراً للجلوس لساعات طويلة في وضعية ثابتة والتحديق المستمر في الشاشة. هذا النمط من الجلوس يقلّل من تدفّق الدم وإيصال الأكسجين إلى الجسم، ويضع عبئاً إضافياً على العينين والدماغ. ولا يقتصر الأثر على وقت الحصة فقط، بل يمتدّ الإرهاق الذهني والتوتر الناتجان عن هذه الظروف إلى ما بعدها، مما يضعف قدرة الطفل على استعادة توازنه الجسدي والنفسي.
والمنزل، الذي يُفترض أن يكون مساحة للراحة واللعب بالنسبة للطفل، يتحوّل مع التعليم الإلكتروني إلى بيئة تعليمية مليئة بالمهام والضغوط. هذا التداخل بين مفهومَي "البيت" و"المدرسة" يربك الطفل ذهنياً، ويضعف شعوره بالأمان، ويخلق حالة من عدم الاستقرار النفسي. وعندما تصبح غرفة النوم أو غرفة الجلوس بمثابة صفّ دراسي، يفقد الطفل المساحة الخاصة التي يحتاجها لاستعادة هدوئه وراحته الذهنية.
وإن منح الطفل وصولاً كاملاً إلى الهاتف المحمول من أجل متابعة الدروس الإلكترونية يفتح الباب أمام تعلق مبكر بالعالم الرقمي. وتوضح بهار مرادي، والدة تلميذ في الصف الخامس، أن طفلها ينتقل بسهولة بين الحصص الافتراضية وشبكات التواصل والألعاب الإلكترونية؛ وهو ما لا يشتت تركيزه الدراسي فحسب، بل يعرّضه أيضاً لمحتوى غير مناسب لعمره.
بدورها، ترى شبنم مرداي، معلمة الصفين الأول والثاني، أن التعليم الافتراضي يسلب المعلّم القدرة على تقييم مستوى تعلّم التلاميذ بدقة، موضحةً أن غياب التواصل المباشر وعدم إمكانية ملاحظة ردود أفعال الأطفال وفهمهم اللحظي ينعكس سلباً على جودة التدريس. كما أن الساعات الطويلة التي يقضيها المعلّم أمام الشاشة تزيد من الإرهاق الذهني وتفاقم الشعور بالإنهاك المهني.
بينما يقع العبء الأكبر من التعليم الافتراضي على كاهل الأمهات؛ فهن يجدن أنفسهن مضطرات للجمع بين رعاية الأطفال، ومتابعة دروسهم وواجباتهم، وإدارة شؤون المنزل في الوقت نفسه. وتشير دراسات في الولايات المتحدة وأوروبا إلى أن التعليم عن بُعد ارتبط بارتفاع معدلات القلق والاكتئاب لدى الوالدين بنسبة تتراوح بين 25 و30%.
تعميق الفجوة التعليمية في إيران
وتصف دنيا زارعي، أمّ لطفلٍ في المدرسة وآخر صغير، هذا الضغط بأنه "مزمن ومرهق"، موضحةً أن غياب الدعم المؤسسي وتحميل الأسرة دور المعلّم أدّيا إلى شعور دائم بالذنب، وإجهاد شديد، وتوتر مستمر في حياة النساء. وبحسب قولها، فإن التعليم الإلكتروني من دون تدريب الوالدين وتوفير الأدوات المناسبة جعل الصحة النفسية للأمهات الأكثر عرضة للتأثر والإنهاك.
وتشير الإحصاءات إلى أنّ المدارس في إيران، منذ بداية عام 2022 وحتى كانون الأول/ديسمبر الجاري، عملت ما بين 260 و300 يوماً بشكل غير حضوري، وخلال هذه المدة، ارتفع عدد الطلاب المتسربين من 911 ألفاً إلى نحو 950 ألفاً، وهي زيادة تتركز بشكل واضح في الفئات ذات الدخل المنخفض.
ومع استمرار أزمة الطاقة ونقص المياه والكهرباء، يزداد احتمال توسع نطاق تعطيل المدارس في العام المقبل؛ وهو سيناريو قد يؤدي إلى تعميق الفجوة التعليمية، وزيادة الضغوط النفسية على الأسر، وتسريع وتيرة تآكل النظام التعليمي أكثر من أي وقت مضى.