جسد المرأة بين الحمل والانتقاد... عنف غير مرئي

ضغوط نفسية واجتماعية تتعرض لها الحوامل وما بعد الولادة، حيث تختزل قيمتهن في الإنجاب والجمال وفق منظومة ذكورية تحملهن اللوم وتفرض عليهن عنفاً نفسياً خفياً. وتكشف شهادات كيف يعاد إنتاج هذا القمع داخل الأسرة.

نسيم أحمدي

كرماشان ـ كانت فريبا. ق وستاره. ي، وهما أمّان من كرماشان، تتعرضان منذ الأيام الأولى للحمل لضغوط نفسية وإهانات متواصلة من أزواجهما؛ ضغوط لم تتوقف حتى بعد ولادة الطفل، ما يكشف أن الأمومة في كثير من الأسر ما تزال محاطة بظلال الذكورية وتوقعات غير واقعية تثقل كاهل النساء.

قد تبدو "عقيمة" لكثيرين كلمة عابرة يقولها بستاني وهو يصف بستانه، لكنها بالنسبة لـ فريبا. ق، البالغة 32 عاماً من كرماشان، كانت تهديداً يومياً يلاحقها "بعد زواجي، اتفقنا أنا وزوجي على تأجيل الإنجاب حتى أنهي دراستي التي بقي لها عامان. لكن سرعان ما بدأ المحيطون بنا يهمسون بأنني عاقر. هذه الأقاويل أثّرت في زوجي، فانساق وراء ضغط الآخرين، وصار يكرر عليّ تلك الجملة كل يوم، متهماً إياي بأنني عقيمة. ومع تزايد الضغط، لم أجد بداً من الحمل مبكراً جداً".

في المنظور الذكوري السائد داخل منظومة الزواج، تختزل فريبا. ق إلى امرأة لا تكتمل هويتها إلا بإنجاب طفل، وكأن الأمومة هي القادر على منحها قيمة داخل هذه العلاقة. فهذه النظرة لا ترى المرأة كفرد مستقل يمتلك طموحاته وقدراته، بل كأداة مخصصة لاستمرار النسل. وفي سياق تكوين الأسرة، لا يطرح احتمال عقم الرجل مطلقاً، إذ يتجه الاتهام دائماً نحو المرأة، وكأن "قانون الذكورية غير المكتوب" ينص على أنها المسؤولة الأولى والأخيرة عن أي تأخر في الإنجاب.

تكشف هذه الحالة كيف تلقي البنى الثقافية والاجتماعية بثقل المسؤولية كاملاً على كاهل النساء، في انتهاك واضح للعدالة الجندرية، وما يرافق ذلك من ضغوط نفسية واجتماعية قد تغير مسار حياة المرأة ودراستها وحتى صحتها. ومع ذلك، فإن الإنجاب لا يضمن للرجل، ضمن هذا النظام، شعوراً بالرضا أو القبول تجاه زوجته. ففي كثير من الحالات، تكون تجربة الأمومة، التي غالباً ما تأتي نتيجة ضغط أو إكراه، بداية لمسار مليء بالخوف واللوم والقيود، لا خياراً حراً يعبّر عن رغبة المرأة أو إرادتها.

منذ اللحظة التي يتكون فيها جنين داخل رحم المرأة، يدخل جسدها ونفسها في مسار من التحولات العميقة؛ وكأنها، في دور خلق صغيرة، تنمّي حياة جديدة داخلها وتودع جزءاً من وجودها في كيان آخر يتشكل تدريجياً. هذه التجربة الهائلة، التي تمتد إلى أبعادها الجسدية والروحية معاً، تبقى بالنسبة للرجال الذين يفكرون ضمن منظومة الهيمنة الذكورية أمراً غامضاً يصعب عليهم إدراكه، وبدلاً من فهم هذا التحول الوجودي، يحولونه إلى وسيلة للسيطرة والتقييد، غير واعين بأن الأمومة ليست واجباً مفروضاً، بل تجربة مصيرية قد تعرض المرأة لمخاطر جسدية ونفسية واجتماعية تمتد آثارها لسنوات طويلة.

تقول فريبا. ق "منذ الأيام الأولى للحمل، ومع ظهور التغيرات الجسدية الطبيعية، لم أجد من زوجي دعماً أو تفهماً، بل بدأ يوجه إليّ الانتقادات واللوم. كان يستخدم كلمات مهينة مثل مقززة لوصف حالتي. وبينما كان الجنين ينمو في رحمي ويحتاج إلى الغذاء، كان من الطبيعي أن يزداد استهلاكي للطعام وأن يتغير جسدي، لكن زوجي كان يتوقع ألا أشعر بالغثيان، وألا يزداد وزني، وأن أبقى في الوقت نفسه امرأة أنيقة وربة منزل مثالية. كنت أظن أن نظرته ستتغير بعد الولادة، لكنه ازداد تحقيراً لي بسبب علامات التمدد والوزن الزائد الذي بقي بعد إنجاب طفلي. وحتى أثناء إرضاعي لطفلي، كان يطلب مني ألا أرضع أمامه لأنه لا يريد رؤية جسدي المتغير".

هذه التجربة ليست حالة فردية، بل مرآة لضغوط اجتماعية وثقافية تفرض على جسد المرأة خلال الحمل وما بعد الولادة. فمجتمع يحصر جمال المرأة في معايير شكلية ضيقة يتجاهل دورها الحيوي في الأمومة والرعاية. مثل هذه السلوكيات تكشف هيمنة النظرة الذكورية التي تحول جسد المرأة من مصدر للحياة إلى موضوع للحكم والتقييم، وتحملها أعباء نفسية وجسدية لا يراها الآخرون.

وتحديد قيمة المرأة وفق ميزان الجمال واحد من أعمق القوالب الجندرية المتجذرة في المجتمع؛ قالب يحصر المرأة في صورة كائن موجود لإرضاء الرجل والحفاظ على مظهره الخارجي، بدلاً من الاعتراف بها كفرد مستقل يمتلك قدراته وقيمه الإنسانية. هذا المنظور يسلب النساء حق اختيار مسار حياتهن ويوقعهن في دائرة من الضغوط النفسية والاجتماعية.

كما تروي ستاره. ي، وهي أم لم يمضِ على ولادة طفلها سوى ثلاثة أشهر "إن تسعة أشهر من الحمل بما تحمله من آلام وتغيرات جسدية، تليها ليالٍ طويلة من الإرضاع والسهر مع طفل يعاني باستمرار من المغص أو مشكلات أخرى، تجعل الأم تضع نفسها في آخر قائمة الاهتمامات"، مضيفةً "نحن النساء نتحمل كل هذه الأعباء غالباً وحدنا ومن دون أي دعم من أزواجنا. وفي النهاية، بدلاً من التقدير، لا نحصد سوى نظرات نقدية من رجال لا يرون تضحياتنا".

وتابعت "حين تنام امرأة طوال أشهر الحمل أربع ساعات فقط في اليوم، من الطبيعي أن تظهر الهالات تحت عينيها أو ألا تجد وقتاً للاهتمام بمظهرها. ومع ذلك، كان زوجي يكرر عليّ "لا تكوني مثل الأمهات، وابقَي جميلة وجذابة من أجلي"، لكن الحقيقة أن المرأة إنسان، وليست ساحرة تستطيع أن تبقى جميلة دائماً، وفي الوقت نفسه أماً مضحية وربة منزل لا تتوقف عن العمل ".

إن روايات نساء مثل فريبا. ق وستاره. ي تكشف بوضوح القوالب الجندرية والعنف النفسي الخفي الذي تتعرض له الحوامل أو حديثات الولادة داخل كثير من الأسر. إنه عنف تتقبله النساء قسراً في سبيل حلم الاستقرار، فيلومن أنفسهن بدلاً من مواجهة الجذور التي تنتج هذه الممارسات.

وفي النهاية، تدرك النساء أن ما يقف خلف هذه الأحكام هو نظام يدعى "الذكورية"، نظام يتسلل إلى أدق التفاصيل ليعيد إنتاج قمع النساء بأساليب جديدة ولغة متجددة، كي يبقى أثره حاضراً في حياتهن مهما تغيرت الظروف.