عندما تُغلق نافذة الواقع الباب أمام الطموح تفتح نافدة لحلم أفضل

معركة هديل الشرماني لم تبدأ عند بوابة الجامعة، بل تعود جذورها إلى لحظة ولادتها كفيفة البصر لأم كفيفة أيضاً، في مجتمع لم يكن يتقبل الفكرة بسهولة.

رحمة شنظور

اليمن ـ تجسد قصة هديل الشرماني إرادة لا تنكسر أمام التمييز والرفض، فهي شابة يمنية كفيفة حولت إعاقتها إلى قوة دفع لتحقيق النجاح، لتصبح صوتاً مدافعاً عن حقوق النساء ذوات الإعاقة، ونموذجاً مضيئاً للأمل في مستقبل أكثر عدلاً وإنصافاً.

في عام 2019، وقفت هديل عبد الله الشرماني، الشابة اليمنية ذات الستة والعشرين عاماً، أمام بوابة جامعة تعز وهي تحمل شهادة الثانوية العامة بمعدل استثنائي بلغ 94% في القسم العلمي.

لم تكن مجرد طالبة متفوقة تقطع أولى خطواتها نحو المستقبل، بل شابة كفيفة ترى أحلامها بوضوح أكبر من كثير من المبصرين.

تقدمت هديل الشرماني إلى قسم الإعلام، إلى الحلم الذي لطالما حلمت به، أن تصبح صوت النساء ذوات الإعاقة في اليمن، لكنها تلقت الإجابة بصورة فجة، قاطعة، وكأنها صفعة تقول "مرفوضة بسبب إعاقتك" هذه الجملة، التي كان يمكن أن تطفئ طاقة أي شابة في بدايات الطريق، تحولت عندها إلى وقود إضافي لمعركة جديدة ضد الظلام الذي يسكن عقول البعض.

العقبات التي واجهتها لم تكن شخصية، هي جزء من واقع بنيوي يعيشه ما يقدر بنحو 15% من سكان اليمن، هم شريحة الأشخاص ذوي الإعاقة، واقعٌ لا يقتصر على التحديات اليومية للإعاقة، يتجاوزه إلى تمييز مؤسسي يحرمهم من أبسط حقوقهم في التعليم الجيد والتوظيف اللائق.

ويصبح هذا الواقع أكثر قتامة بالنسبة للنساء، حيث يواجهن "تمييزاً مزدوجاً" يجمع بين التحديات الجندرية وعوائق الإعاقة، ما يجعل فرصهن في التعليم والتوظيف أقل مقارنة بالذكور، ويجعل قصص نجاح فردية مثل قصة هديل الشرماني استثنائية ومثيرة للإعجاب، إذ تعكس قدرة النساء على مواجهة الحواجز الاجتماعية وتحقيق الإنجاز في ظروف صعبة.


تحدٍ منذ الولادة

معركة هديل الشرماني لم تبدأ عند بوابة الجامعة، بل تعود جذورها إلى لحظة ولادتها كفيفة البصر لأم كفيفة أيضاً، في مجتمع لم يكن يتقبل الفكرة بسهولة. تستعيد تلك البداية بالقول "أنا خريجة إدارة أعمال من كلية العلوم الإدارية بجامعة تعز، وقصتي باختصار أنني وُلدت كفيفة لأم كفيفة، وهذا جعل المجتمع يرفض تقبل فكرة أن امرأة كفيفة يمكن أن تنجب طفلة كفيفة".

وسط هذا الرفض المجتمعي، كانت والدتها الدرع الأول، امرأة واجهت بأمومتها قسوة الواقع وحولتها إلى قوة مضاعفة "تحدينا المجتمع والبيئة المحيطة بنا أمي كانت سندي الأول، علمتني أن الإعاقة ليست نهاية الطريق".

منذ سنواتها الأولى، بدأت رحلتها التعليمية من جمعية الأمان لرعاية الكفيفات، حيث تعلمت لغة برايل التي أصبحت نافذتها إلى العالم، وواصلت دراستها هناك من الصف الأول حتى الخامس، قبل أن تنتقل إلى مدارس الدمج وتجلس على المقاعد نفسها إلى جانب الطلاب المبصرين.

تقول "دخلت جمعية الأمان لرعاية الكفيفات، ودرست في المعهد التابع للجمعية من الصف الأول حتى الصف الخامس، وهناك تعلمت لغة برايل. بعدها انتقلت إلى مدارس الدمج لأتعلم مع الطلاب المبصرين، حتى أتمكن من الاعتماد على نفسي والاندماج في المجتمع"، وبهذا المسار، ضربت مثالاً حياً على قدرة الكفيفات على تجاوز الحواجز المصطنعة بينهن وبين العالم الخارجي.


         


        
الحلم الذي اصطدم بجدار الرفض

توجت هديل الشرماني سنوات الاجتهاد بتفوق لافت، وبهدف واضح يتجاوز طموحها الفردي، تقول "كان حلمي الأكبر أن أدخل قسم الإعلام وأصبح إعلامية تهتم بقضايا النساء ذوات الإعاقة، وخاصة الكفيفات".

لكن الحلم اصطدم بواقع صادم "للأسف، رفضت من الجامعة نفسها، وكان سبب رفضي أنني كفيفة فقط، ولا توجد أسباب أخرى. حاولت معهم بكل الطرق، قلت أنه من الممكن أن أمتحن امتحان قبول، ولكن تم رفضي حتى من ذلك".

لم يكن الرفض صدمة فحسب، بل إعلاناً عن التمييز الذي تمارسه مؤسسات يفترض أن تكون بوابة للمعرفة، لا حارساً على أبوابها.


صوت يعبر الحدود

أمام باب المعرفة المغلق، لم تستسلم هديل الشرماني وجدت نافذتها في مكان آخر، بعيد عن حدود اليمن "حصلت على مشاركة في مسابقة التحدث بالفصحى والخطابة التابعة لجامعة الدول العربية في مصر، وحصلت على المركز الأول على مستوى اليمن والثالث عربياً".

فوزها لم يكن مجرد لقب، بل رسالة واضحة، أن الصوت الذي لم يجد مكاناً داخل قسم إعلام، قادر على أن يُسمع في محفل أوسع. بدلاً من أن تنكفئ بعد الصدمة، قررت فتح جبهة جديدة. التحقت بقسم إدارة الأعمال، وكأنها تعيد تعريف التحدي على طريقتها "قررت مواصلة تعليمي، فالتحقت بقسم إدارة الأعمال، وكان ذلك تحدياً لي ولمن يعتقدون أن الكفيفة عاجزة. أثبت لنفسي وللآخرين أن الكفيفة ليس مكانها البيت، وأنها قادرة على النجاح والاندماج مثل أي شخص آخر".

انتقلت إلى العمل الميداني كناشطة في الدفاع عن حقوق النساء ذوات الإعاقة، وهي القضية التي تحملها بقلب يشبه نافذة مفتوحة على ضوء لا يخبو.

واليوم، لم يعد طموحها محصوراً في محيطها المحلي "تخرجت، وأعمل اليوم ناشطة في مجال الدفاع عن حقوق النساء ذوات الإعاقة، وخاصة الكفيفات. أطمح خلال السنوات القادمة أن أصل إلى مستوى عربي وعالمي، وأن يكون لي تأثير واسع في تمكين النساء الكفيفات وإبراز قصصهن للعالم".

بهذا الطموح، تختم هديل الشرماني حديثها، بعينين لا تبصران، لكنهما قادرتان على رؤية طريق طويل لا يعترف بالعوائق، ولا يقف عند أي حدود.