مقاومة سد تشرين أياماً تختلط فيها الأوجاع بالصمود

مقاومة سد تشرين لم تكن لتنتصر لولا إيمان المشاركين والمشاركات فيها بقضيتهم، وهي معركة حملت فيها المرأة روحها على كفها، وأثبتت فيها أن صوتها ووجودها جزء لا يتجزأ من روح الثورة.

أسماء محمد

قامشلو ـ قبل عام سقط النظام السوري لتبدأ بعدها الهجمات الخارجية على سوريا لتنهش في جسد بلد انهكته الحرب فمن الجنوب بدأ التغول الإسرائيلي ومن الشمال اشتدت هجمات الاحتلال التركي، وكان الهدف الرئيسي سد تشرين وذلك لمركزه الاستراتيجي.

بالمقابل هبت شعوب إقليم شمال وشرق سوريا من جميع الأقاليم لحماية السد، ودعم القوات العسكرية في مقاومتها للهجمات الوحشية المدفوعة من الاحتلال التركي بأيدي مرتزقته وتغطيتهم بالطيران الذي قتل العديد من المدنيين والإعلاميين والإعلاميات طيلة أشهر المقاومة.

النساء اللواتي شهدن على مقاومة سد تشرين استذكرن مع وكالتنا تلك الأيام منهن ابتسام الحسين من مدينة قامشلو التي قالت إن سد تشرين شهد على تكاتف جميع مكونات إقليم شمال وشرق سوريا، مستذكرةً الشخصيات التي استهدفها طيران الاحتلال التركي "نستذكر أرواح الشهيدة منيجة حيدر، وبافي طيار، وبافي كيفو، وجميع شهداء الحرية الذين استشهدوا على أرض مقاومة سد تشرين. فمهما تحدثنا، لن يكون الكلام كافياً لتلك المقاومة التاريخية التي سطرت أروع صفحات الصمود، فما عاشه الأهالي خلال مقاومة سد تشرين يفوق الخيال، ويفوق كل قدرة على التصديق، فقد كانت أياما تختلط فيها الأوجاع مع الصمود والخوف مع الإرادة والانتصار مع العزيمة التي لم تهتز".

 

"يحملون الهدف نفسه"

وأكدت أن الشعب كانت يداً واحدة في تلك الأيام "كل شخص كان بلون مختلف لكن يحمل الهدف نفسه، وقف الجميع كدرع بشري لحماية السد من الهجمات المتواصلة التي شنها الاحتلال التركي، وبروح الفداء انتزع الأهالي قناع الخوف والموت، وقالوا بصوت واحد نحن أكبر من الموت. وحين توجهنا إلى السد، كنا ندرك أننا قد لا نعود، لكننا ذهبنا بوعي كامل أننا فداء للأرض التي ارتوت بدماء الشهداء، وما أن وصلنا، حتى شعرنا أن قوتنا أكبر من أي تهديد، لأن كل من كان هناك كان متكاتفاً، يداً بيد وصوتاً بصوت".

 

"كلمات الشهيدة جيهان بلكين ألهمت النساء والإعلام"

وبينت أن للأهالي بصمة لا تمحى في تلك المقاومة، وأن دور الإعلام كان حاسماً في كشف الحقيقة، خصوصاً أن الاحتلال التركي مارس حرباً خاصة على المنطقة، محاولاً نشر الاشاعات وبث الخوف، والترويج لادعاءات كاذبة بأن السد قد سقط. لكن الإعلام الحر كان في الصفوف الأمامية، ينقل الصورة الحقيقية ويرفع صوت الشعب، ويثبت أن الإرادة لا تنكسر، وأن الحقيقة أقوى من كل حملات التضليل.

وقالت إن "كلمات الشهيدة جيهان بلكين ألهمت النساء والإعلام، فقد لعب الإعلام دوراً محورياً في صمود الأهالي، وفي إفشال جميع محاولات الاحتلال لتشتيت المجتمع وزرع الرعب". مشيرةً إلى أن المقاومة مثلت انتصاراً عظيماً لجميع الأهالي، وإن قوات سوريا الديمقراطية إلى جانب الشعب، قدمت نموذجاً فريداً في الدفاع والإصرار "بفضل هذا التكاتف أحبطت المقاومة الحرب الخاصة التي هدفت إلى ضرب الاستقرار، وزرع الشك وتشويه الحقيقة، وقد وقفت المرأة في قلب هذه الملحمة فكانت الأم، والأخت والطبيبة، والمقاتلة، وركيزة أساسية في الصمود، وقدمت دعماً لا ينضب، وأثبتت للعالم أن المرأة قادرة على حمل المسؤولية في أشد الظروف، وأنها حجر أساس في كل مقاومة".

وأشادت بدور الطاعنات في السن واللواتي اخترن الوقوف في الصف الأول إلى جانب أبنائهن، ورفضن التخلي عن الأرض "جميعنا أقسمنا على مواصلة المقاومة حتى آخر نفس، وعدم السماح للاحتلال بأن ينتزع شبراً من الأرض التي رويت بدماء الشهداء. قلنا نحن هنا وسنبقى هنا، بإصرارنا وثباتنا، لنحمي أرضنا ولنواجه كل من يحاول الاعتداء على شعب قاوم مقاومة تاريخية لم يعرف لها مثيل".

 إرث المقاومة

ووجهت ابتسام الحسين رسالة مفعمة للجيل الجديد قالت فيها "لقد مررنا بخمس عشرة سنة من الثورة، قدمنا خلالها آلاف الشهداء، كي يعيش الجيل الجديد بأمن وأمان. واليوم على كل شاب وشابة يدرسون أو يعملون أو يمتلكون القدرة على العطاء، أن يكونوا يداً واحدة، ويحافظوا على تضحيات الشهداء الذين ضحوا لكي نحيا بكرامة. عليهم العودة إلى تاريخهم الحقيقي، وأن يتمسكوا بإرث المقاومة، ويقفوا صفاً واحداً أمام العدو الذي سعى لكسر الإرادة لكنه لم ينجح يوماً".

وأكدت أن المقاومة التي شهدتها مناطق إقليم شمال وشرق سوريا ستبقى محفورة في الذاكرة الجمعية، وأن الجيل الجديد مطالب دوما بأحيائها وتوريثها للأجيال القادمة "هذه المقاومة كانت مدرسة للجيل الشاب، ومدخلاً لفهم معنى التضحية والانتماء، ومهما كتبنا ومهما سال الحبر على الورق، لن نتمكن من تدوين كل ما جرى، لأن ما سجلته الأرض في تلك الأيام أعظم من أن يحصر في كلمات".

واختمت ابتسام الحسين حديثها بالتأكيد على أن دماء الشهداء التي سالت على سد تشرين كانت انتصاراً بحد ذاته، وأن ذكراهم ستبقى حية في كل فعالية، وفي كل خطوة نحو بناء سوريا ديمقراطية لا مركزية، متعددة الألوان تضم جميع المكونات، وتحفظ حقوقهم، وفق فكر القائد عبد الله أوجلان، وشعار المرأة الحياة الحرية "نريد سوريا أن تكون يداً واحدة وشعباً متكاتفاً يعيش جنباً إلى جنب، ويحمي أرضه ومستقبله بروح واحدة وإرادة لا تهزم".

 

 

لم يكن مجرد منشأة مائية

تقول رودين عيسى التي شاركت أيضاً في مقاومة سد تشرين أن السد لم يكن مجرد منشاة مائية، بل رمزاً للمقاومة وللإرادة الشعبية التي وقفت كالجبل في وجه الاحتلال "تحول هذا السد إلى ساحة تختبر فيها القيم العميقة للشعب في شمال وشرق سوريا، حيث امتزجت أرواح المقاتلين والمدنيين، الكرد والعرب والسريان، في رسالة واحدة مفادها أن هذه الأرض لن تخضع، وأن الإرادة الحرة لن تنكس".

وبينت أن سد تشرين شهد واحده من أعظم صور الوحدة بين المكونات "وقف الكردي إلى جانب العربي وجلس السرياني إلى جانب أخوته، وصار الجميع جسداً واحداً وروحاً واحدة، لم تعد الانتماءات العرقية ولا الخلفيات المختلفة تفرقه، بل جميعهم هدف واحد وهو الدفاع عن أرض يشتركون فيها، وتاريخ يكتبونه معاً ومستقبل يحلمون به بصوت واحد وحلم واحد".

وشددت على أن رسالة سد تشرين للاحتلال التركي كانت واضحة وجلية "هذه الأرض ليست ضعيفة وشعبها ليس مفككاً، وكل مكون فيها هو سند للآخر. لقد أعلن الشعب هناك أن اليد الواحدة أقوى من جيوش، وأن التلاحم أقوى من الحديد، والمقاومة حين تكون شعبية تتحول إلى سور لا يمكن إسقاطه".

 

"قوتنا ما كانت لتظهر لولا تضحيات الشهداء"

وأوضحت أن "منيجة حيدر اعتبرت كل المقاتلين والنساء والأهالي حولها بمثابة عائلتها، وعملت بلا كلل أو تردد لحماية من حولها، وقدمت كل ما بوسعها دون انتظار شكر أو مقابل. لقد قطعنا جميعا وعداً أن نمضي على درب الشهيدة، ونحافظ على إرثها، ونتابع نهجها في الصمود والدفاع عن حقوق الإنسان وأرضه، لنكرم بذلك ذكرى جميع الشهداء الذين ضحوا بحياتهم في سبيل الوطن والحرية والكرامة".

وأوضحت "لقد كانت من أكثر النساء الوطنيات ووعياً، فقد تربت على مبادئ القائد عبد الله اوجلان، وعرفت جيداً كيف تمنح المرأة القوة والوعي، كيف ترفع معنوياتها وكيف تساعدها لتكتشف ذاتها وتؤمن بأن قوتها جزء من صمود مجتمعها. كنت دائماً إلى جانبها، أستلهم منها افكاراً جديدة ونتعلم سوياً كيف نواجه التحديات، وكيف نثبت أن النساء قادرات على تغيير الواقع ودعم بعضهن البعض بصدق وحب. كانت مزيجاً من الأم والأخت والصديقة، تحمل روح الصدق والوفاء، وكانت حاضرة في كل موقع ومناسبة تتطلب الشجاعة. فقد شاركت في كل المراحل الصعبة، في سري كانيه وفي عفرين وفي كل مقاومة، وكانت تعمل دائماً بروح المحبة والصداقة، تقدم الدعم النفسي والمعنوي لكل من حولها، وتزرع الثقة والقوة في كل قلب ضعيف".

وبينت أن منيجة حيدر كانت سنداً لكل النساء "تعلمنا منها أن النجاح لا يأتي بلا صبر وعطاء، وأن التضامن بين النساء هو أقوى من كل الخوف والاحباطات، وأن نجاحنا اليوم جاء بفضل إصرارها وعزيمتها، لأنها كانت تعلمنا كيف نحول الخوف إلى شجاعة والضعف إلى قوة واليأس إلى أمل".

 

"قاومن ولا تستسلمن"

وقالت رودين عيسى في رسالة لنساء إقليم شمال وشرق سوريا "كن السند لبعضكن البعض في كل الظروف. اليوم نعيش فترة حساسة يحاول فيها البعض تهميش دور المرأة وتقويض قوتها، لكن على كل امرأة أن تكون واعية ومدركة لأهمية موقعها ومسؤوليتها في المجتمع". مبينةً أن النساء أثبتتن من خلال مقاومتهن أمام الاحتلال، ومن خلال تضحياتهن الكبيرة، أن لا شيء يستطيع كسر إرادتهن، وأنهن قادرات على مواجهة أصعب الظروف، وإيصال رسالة واضحة لكل العالم مفادها أن المرأة رمز القوة والصمود.

ودعت جميع النساء إلى أن يخرجن من بيوتهن، ويعملن ويقاتلن من أجل أحلامهن، وأن يدافعن عن حقوقهن وكرامتهن، فلا مكان للانتظار أو الخوف "قووا أنفسكن واجعلن إرادتكن سلاحاً، وحولوا كل عقبة إلى فرصة لإثبات أن المرأة قادرة على التغيير، وأنها جزء لا يتجزأ من النضال والمقاومة. أنتن قوة لا يمكن تجاهلها، وأمل لا يمكن تحجيمه فلتكن خطواتكن ثابتة وأفعالكن صادقةوصمودكن عنوان عزيمتكن".

واختتمت رودين عيسى حديثها بالقول إن سد تشرين كان شاهداً على قوة النساء وعلى وفائهن وتضحياتهن "سنبقى، لنثبت أن المقاومة الحقيقية ليست مجرد كلمات، بل أفعال وصمود، وأن إرادة الشعوب الحرة لا يمكن كسرها".