رحلة تحدي... قصة لبنانية من الإعاقة إلى مؤسِّسة جمعية
"على النساء ألا تقفن عند حدود معينة وأن تكسرن القيود النمطية التي يفرضها المجتمع" بهده الكلمات وجهت سعاد رضا من ذوات الإعاقة البصرية رسالتها لجميع النساء اللواتي تضعفنّ أمام إعاقتهنّ.
فاديا جمعة
لبنان ـ تناضل المرأة وتقاوم أمام متاعب الحياة لإثبات قدرتها في الاعتماد على ذاتها وإدارة شؤونها بنفسها في مجتمع همش سلبها حقوقها، على وجه الخصوص النساء ذوات الاحتياجات الخاصة اللواتي تعانين من عدم وجود جمعيات تدعمهن وتحمي حقوقهنّ.
الإرادة الصلبة المغروسة في قلوب النساء الكفيفات وحدها تخلق أملاً وتثمر عطاءً لا يتوقف عندهنّ، منهنّ مؤسسة جمعية الكفيف الجنوبي في لبنان سعاد رشيد رضا، التي لم تمنعها إعاقتها من مواصلة حياتها ومساعدة أمثالها من المكفوفين، بل واجهت وتحدت وتابعت دراستها واجتازت الامتحانات الصعبة.
سعاد رشيد رضا امرأة في العقد السابع من عمرها تعاني إعاقة بصرية منذ أن كانت في مطلع العشرينيات من عمرها، ابنة مدينة النبطية جنوب لبنان، لم تتقوقع في بقعتها الجغرافية المحافظة نوعاً ما بل انطلقت إلى الحياة في وعي مسبق منها ومن عائلتها بما ستصل إليه الأمور بعدما علمت في سن مبكرة أنها ستصاب بالعمى، وهي مثال يحتذى به في مجابهة التحديات وتخطي مختلف العقبات الاجتماعية والاقتصادية والصحية وغيرها.
وقالت سعاد رشيد رضا إنها انتقلت من مدرستها بالنبطية إلى المدرسة اللبنانية للضرير والأصم في بعبدا لإتمام تعليمها، وعند إنهائها لدراستها في عام 1986 تقدمت بطلب وظيفة في إحدى الإدارات الرسمية وبالتحديد ضمن وزارة الصحة في النبطية، مضيفةً "بعد تقدمي للوظيفة خضعت لامتحان مجلس الخدمة المدني وحصلت على المرتبة الثانية على مستوى البلاد، وتم تعيني في وظيفة بوزارة الصحة كعاملة هاتف، وبعد قرار التثبيت انتقلت إلى وزارة الاتصالات للبدء بالعمل".
عملت سعاد رضا على مدار 37 عاماً في الدوائر الحكومية بالرغم من الوضع الصحي الذي تعانيه والصعوبات التي واجهتها في رحلة مسيرتها العملية، إلى أن أصبحت في سن التقاعد "على مدار سنوات وأنا أعمل ضمن الدوائر الحكومية، واجهت الكثير من الصعوبات إلا أنني لم استسلم أمام المعاناة وأصبحت أناضل لإتمام عملي وإدارة نفسي بنفسي".
وأكدت أن من أعتاد على العمل طوال حياته لن يستطيع الاتكال على أحد في معيشته وبالتالي لن يستطيع أيضاً البقاء دون عمل ومن هذا المنطلق أسست عملها الذي استطاعت من خلاله الاستمرار وتخطي الصعوبات بعد تقاعدها "كونني لن أستطيع الاعتماد على أحد في حياتي قمت بعد التقاعد بافتتاح كشك لبيع المشروبات والسكاكر وفي نفس المكان وضعت آلة طباعة وقمت ببيع الطوابع الرسمية كون الكشك في منطقة تكثر فيها الدوائر الرسمية".
في المنطقة التي تقطنها سعاد رشيد رضا يعاني المكفوفين من تهميش تام من قبل الحكومة والجمعيات الخاصة بحماية حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة لذا أسست جمعية "لا يوجد جمعيات تهتم بشؤون المكفوفين في الجنوب عموماً وهم فئة مهمشة في المجتمع وتحتاج إلى دعم، لهذا عملت على تأسيس جمعية الكفيف الجنوبي بمساعدة حياة عسيران ناشطة اجتماعية آمنت بقضيتنا ولا زالت حتى اليوم الداعم الأكبر للجمعية".
وأضافت "نساء منطقة النبطية كن من أبرز الداعمات ليّ وللجمعية ولولا دعمهنّ لما استطعنا الاستمرار في مساعدة المكفوفين في ظل غياب الدولة عنا".
الهدف من تأسيس الجمعية توعية المكفوفين وتدريبهم لتفعيل دورهم في المجتمع وحماية حقوقهم، وحول ذلك قالت سعاد رشيد رضا "نساعد المكفوفين عبر توعيتهم على حقوقهم المدنية وتدريبهم ليكونوا فاعلين في المجتمع، ودعمهم مادياً من خلال المساعدات العينية مما يتوفر للجمعية من موارد".
وأكدت أن المرأة تملك إرادة قوية لمواجهة معاناتها والصعوبات وقادرة على تحقيق الإنجازات إن كانت ذات قدرة وإرادة ورافضة للاستسلام وتناضل من أجل الوصول إلى أهدافها.
وفي ختام حديثها وجهت سعاد رشيد رضا رسالتها لذوات الاحتياجات الخاصة اللواتي تضعفنّ أمام إعاقتهنّ "على النساء ألا تقفن عند حدود معينة وأن تكسرن القيود النمطية التي يفرضها المجتمع ومن الضروري أن تتحلين بالعزيمة والإرادة القوية وتعملن بما تتقن وتجيدن، وألا تتكلن إلا على أنفسهن"، مؤكدةً أنها خير المثال على المرأة العاملة رغم الإعاقة التي لا تمنعها من متابعة حياتها بأفضل شكل.