حين تُعرّى الضحية ويُحمى القاتل... كيف يعيد الإعلام إنتاج العنف؟

كشف هوية الضحية بالكامل وإخفاء القاتل في التغطية الإعلامية لجرائم قتل النساء، يعيد إنتاج النظام الأبوي ويمنح الجناة حصانة اجتماعية.

نسيم أحمدي

كرماشان ـ تُكشف في وسائل الإعلام صورة الضحية واسمها وعنوانها وسنّها وكافة تفاصيل حياتها، بينما يُخفى اسم القاتل غالباً خلف مصطلحات، هذه المفارقة تعكس واقع النساء اللواتي يُقتلن بذريعة الشرف؛ نساء تُعرَّى هويتهن أمام العلن بلا أن تحفظ، في حين تُحاط هوية القاتل بصمت إعلامي يحجبها عن الأنظار.

تتعامل كثير من وسائل الإعلام مع جرائم قتل النساء بوصفها مجرد عناوين ساخنة لجذب المتابعين، بدلاً من التوقف عند عمق القضية وتصاعد هذا النوع من الجرائم، وكأن قيمة الخبر تُقاس بقدرته على إثارة الفضول، لا بكشف البنية التي تجعل المرأة أداة في يد النظام الأبوي والعنف الذكوري.

في السنوات الأخيرة، باتت أخبار قتل النساء على يد أقاربهن تتكرر بشكل شبه يومي، وفي كل مرة، تُنشر هوية الضحية وتفاصيل حياتها فوراً، بينما تُخفى صورة القاتل واسمه، وكأن المجتمع حريص على حماية سمعته أكثر من حماية حياة النساء.

هذا التواطؤ الإعلامي لا يساهم فقط في استمرار دائرة العنف، بل يمنح القتلة نوعاً من الحصانة الاجتماعية، فبدلاً من مساءلة جذور الثقافة الذكورية ومنطق الشرف الذي يغذي هذه الجرائم، يعيد الإعلام إنتاجه وترسيخه من دون قصد.

 

التهميش الإعلامي للجرائم ... شكل جديد من العنف

وهكذا تتعرض النساء الضحايا لشكل جديد من العنف؛ عنف يمارس هذه المرة عبر التهميش الإعلامي ومحو أصواتهن، ليُقتلن مرتين، مرة على يد الجاني، ومرة أخرى في سردية إعلامية غير عادلة.

في هذا الصدد، أوضحت الصحفية غزال. ل من كرماشان، أن نشر معلومات الضحية في جرائم القتل بذريعة الشرف لا يهدف إلى الدفاع عن وجودها، بل غالباً ما يُستخدم لترسيخ فكرة "العبرة" "كل خبر يمر عبر فلاتر عديدة قبل نشره، وأقواها النظام الأبوي الذي يعيد صياغة الأحداث بما يبرّئ نفسه من المسؤولية. ومع ثقافة تمجيد من يُقدَّمون كـ "حماة الشرف"، تنجح وسائل الإعلام في تحويل جريمة قتل امرأة إلى انتصار للذكورية.

وقالت "اعتدنا على رؤية أخبار قتل النساء على يد أقاربهن، لكن لم يُطرح السؤال الجوهري، لماذا تبقى هذه الجرائم مجرد عنوان يومي عابر، ولماذا لا يُكشف القاتل للعلن؟، وترى أن هذا النهج الإعلامي خاطئ "كما تُنشر صور النساء المقتولات تحت ذريعة العبرة، يجب نشر صورة القاتل أيضاً ليظل اسمه ووجهه محفورين في الذاكرة الجمعية. فإذا كان الهدف من إظهار الضحية هو "العبرة"، فإن واجبنا أن نُظهِر القاتل مقروناً بعار فعلته".

تكشف طريقة تغطية وسائل الإعلام لجرائم القتل بذريعة الشرف أن هذه الوسائل ليست محايدة، بل تساهم، بوعي أو من دونه، في إعادة إنتاج النظام الأبوي. فلو جرى نشر صورة القاتل واسمه بشكل متكرر، لعرفه المجتمع بوصفه المسؤول المباشر عن العنف، ولتشكّل ضغط اجتماعي على أسرته ومحيطه يمنع تطبيع الجريمة.

وإظهار القاتل في الإعلام ليس مجرد نقل خبر، بل فعل يسعى إلى تحقيق العدالة، لأنه يذكّر المجتمع بأن العنف ضد النساء جريمة لا يمكن التستر عليها، ومن خلال تغيير زاوية التناول الإعلامي، يمكن تحويل جرائم الشرف من "عبرة للنساء" إلى "عار يلاحق القتلة".

هذا التحول في السردية يشكل خطوة أساسية في مواجهة ثقافة العنف والهيمنة الذكورية، إذ ينبغي للإعلام أن يتجاوز دوره السلبي في نقل الأحداث، وأن يتحمل مسؤوليته في تشكيل وعي عام رافض للعنف القائم على النوع الاجتماعي.

وبينت إن مجرد إجراء بحث بسيط على الإنترنت باستخدام كلمات مرتبطة بضحايا جرائم الشرف يكشف كماً هائلاً من صور النساء "وجوه نُشرت على نطاق واسع وثُبّتت في ذاكرة الإعلام، بينما تغيب تماماً صور القتلة عن المشهد. والأشد إيلاماً أن بعض وسائل الإعلام لا تكتفي بإخفاء صورهم، بل تحرص أيضاً على حماية أسمائهم، مكتفية بذكر الحرف الأول أو اللقب، وكأن هوية القاتل سرّ ينبغي إخفاؤه بعناية".

 

"محاسبة الجناة خطوة أساسية لمنع استمرار العنف"

تعمل العديد من وسائل الإعلام على تغطية أخبار جرائم قتل النساء، وغالباً ما تتحول هذه الحوادث فور وقوعها إلى العنوان الرئيسي في المنصات الإخبارية. وإلى جانب هذا الاهتمام العام، ظهرت أيضاً منصات متخصصة تركز بشكل خاص على جرائم قتل النساء، ولا سيما الجرائم المرتبطة بـ "الشرف".

ورغم أن هذه المنصات تنشر تقارير دورية وإحصاءات سنوية حول حالات قتل النساء، وهو جهد يستحق التقدير لأنه يسلّط الضوء على قضية خطيرة ومهمّشة، إلا أن مراجعة محتواها تكشف أن معظم ما تنشره يقتصر على صور الضحايا وتفاصيل الجرائم، دون أن تتضمن أي معلومات أو صور واضحة عن القتلة.

ومن الضروري أن تخصص هذه المنصات مساحة لكشف هوية الجناة، حتى يواجه المجتمع هؤلاء الأشخاص الذين غالباً ما تبقى أسماؤهم وملامحهم طيّ الكتمان، فإظهار القاتل لا يقل أهمية عن توثيق الجريمة، بل يشكل خطوة أساسية نحو مساءلة حقيقية تمنع استمرار العنف ضد النساء.

وهذا النمط من السرد الذي يركّز حصراً على الضحية، رغم قدرته على كشف حجم العنف، لا يفضي إلى تغيير فعلي في مسار قتل النساء، فالكثير من وسائل الإعلام تتبع النهج ذاته؛ إذ تكتفي بعرض تفاصيل الحادثة ومعلومات الضحية دون أن تُحدث أثراً بنيوياً أو دائماً في الحد من العنف.

ولكي يكون السرد الإعلامي مؤثراً، يجب أن يتجاوز مجرد توثيق الجريمة، وأن يتحول إلى أداة للمساءلة الاجتماعية، والتحليل القانوني، والمطالبة العلنية بمحاسبة الجناة. أما الاكتفاء بنقل الخبر كما هو، فيؤدي عملياً إلى إعادة إنتاج دائرة العنف، لأن المتلقي يغرق في سيل من الأخبار دون أن يُقدَّم له مسار للتغيير أو فعل جماعي.

من هنا، يصبح ضرورياً أن تتناول التغطية الإعلامية الثغرات القانونية وضعف تطبيق القوانين، ليُدرك الجمهور أن العنف ضد النساء ليس حادثة فردية معزولة، بل نتيجة لبُنى قانونية ومؤسساتية يجب مساءلتها وإصلاحها.

وبالتالي لا يقتصر دور وسائل الإعلام على نقل الأخبار فحسب، بل يمتد ليصبح أداة فاعلة في إحداث تغييرات جوهرية داخل المجتمع. فالإعلام قادر، من خلال كشف العلاقة بين قتل النساء والثقافة الأبوية، على فتح باب نقاش عام حول ضرورة تغيير الأعراف وإعادة تعريف الأدوار الاجتماعية، إضافة إلى إبراز الصورة الحقيقية لمرتكبي هذه الجرائم.

ولا يمكن لروايات قتل النساء أن تكون مؤثرة ما لم تُنشر هوية القاتل أيضاً ليخضع للمساءلة المجتمعية، بالتوازي مع نقل شهادات النساء الناجيات وأسر الضحايا والناشطين، لأن هذه الأصوات قادرة على التحول إلى قوة دافعة للتغيير.

إن مثل هذه القوة، إلى جانب فضح الوجه الحقيقي للقاتل الذي منحته الذكورية أدوات العنف وشجعته على ممارسته، يمكنها أن توقف آلة قتل النساء وتحدّ من استمرار هذا العنف البنيوي.