ارتفاع الولادات القيصرية في إدلب... بين الضرورة والاختيار
انتشرت الولادات القيصرية بين النساء في إدلب مؤخراً بشكل ملحوظ، اذ لم تعد العمليات القيصرية أمراً اضطرارياً فقط، بل غدت خيار الكثيرات هرباً من عدة أسباب أولها آلام المخاض وليس آخرها عدم تواجد مراكز صحية قريبة من المخيمات
سهير الإدلبي
إدلب ـ .
وصفت منظمة الصحة العالمية الولادات القيصرية بالوباء، فهي تسجل نسباً مرتفعة في غالبية دول العالم، كطريقة آمنة للولادة، أو لأسباب أخرى تتعلق بالانهيار الذي يشهده القطاع الصحي في الدول التي تعاني من الحروب.
اختارت لمى السليم (٣٢) عاماً إجراء عملية قيصرية رغم تأكيد طبيبتها على قدرتها على الولادة الطبيعية، لكن ما تعرضت له من صعوبات وتعسر وألم، تلاها وفاة طفلتها المولودة دون معرفة السبب أثناء ولادتها السابقة دفعها لاختيار العمل الجراحي خوفاً من تكرار الأمر معها في ولادتها الحالية، تقول أنها ولدت أربع مرات بشكل طبيعي غير أن ولادة طفلتها الأخيرة وعدم معرفة سبب وفاتها رجح احتمالية أن تكون ولادتها الطبيعية المعسرة وزيادة وزن الطفلة أصاب الأخيرة بأذى شديد أثناء عملية المخاض وهو ما دفع الأم لإجراء القيصرية دون تردد خوفاً على صحة مولودها القادم.
وإن كانت الولادات القيصرية خيار بعض النساء اللواتي وجدنَّ فيها هرباً من عدة صعوبات متعلقة بالولادة الطبيعية وأحياناً لكونها الحل الوحيد نظراً لحصول مضاعفات متعلقة بضيق الحوض أو إتمام المرأة شهرها التاسع دون وجود أعراض ولادة. أو تعرض الحامل للولادة القيصرية سابقاً وغيرها من الأسباب المتعلقة بأهمية إنقاذ حياة الأم والجنين إلا أن هناك عدداً من الأطباء والطبيبات اختاروا العمل الجراحي للحوامل نظراً لسهولتها وكونها الأكثر ربحاً والأقل صبراً من الولادة الطبيعية.
لم تكن سارة الرماح (٢٧) عاماً تتوقع أن تكون ولادتها الثانية بجراحة قيصرية خاصة وأنها خلال ولادتها السابقة لم تشكو أي عوائق رغم أنها كانت ولادتها البكر وحظيت بولادة طبيعية دون مغصات، غير أن الأمر اختلف هذه المرة وفق تعبيرها إذ تقول "مجرد أن دخلت غرفة الفحص أخبرتني الطبيبة أنني بحاجة لعملية قيصرية بحجة أن لدي أعراض مخاض قوية في حين أنه لا يوجد انفتاح بالرحم وأمرت بتحضير غرفة العمليات على الفور لتستغرق العملية مدة نصف ساعة فقط".
وأضافت "حين فتحت عينيّ شعرت بالفرح لرؤية مولودي الجديد وقد أتى إلى الحياة ليملأها أملاً وسعادة "، غير أنه سرعان ما بدأت سارة تشعر بآلام العملية الجراحية لحظة انتهاء تأثير المخدر لتستمر معاناتها أكثر من شهر متواصل حيث لا قدرة لها على الحركة والأكل بشكل جيد، هذا عدا عن أجرة العملية والتي بلغت قيمتها ٢٠٠ دولار أمريكي يضاف إليها مصاريف الأدوية والمقويات وهو ما دفع زوجها الفقير للاستدانة بغية تسديد المبلغ.
ينتاب سارة الرماح الشك أن وضعها قبل الولادة لم يكن بتلك الخطورة وأنها كانت قادرة على الولادة الطبيعية لولا قلة صبر طبيبتها التي أسرعت بإخضاعها للعمل الجراحي، وما أكد شكها هذا هو تكرار الأمر مع الكثيرات اللواتي رجحنَّ أن يكون الأطباء يعمدون لإجراء الولادات القيصرية الأسهل والأكثر ربحاً بالنسبة لهم.
من جهة أخرى تنفي الطبيبة روان صبري (٤٥) عاماً أن يلجأ الأطباء لإجراء عمليات قيصرية أن لم تكن المرأة الحامل بحاجة فعلية لها.
وتوضح أن هناك ثلاث أنواع للجراحة القيصرية وهي الجراحة المخططة وغالباً ما تكون لضرورة طبية مثل وجود الجنين في وضعية المقعد داخل الرحم أو نتيجة لكبر حجمه، والولادة القيصرية الطارئة تجري في حال مواجهة صعوبات أثناء الولادة الطبيعية، أما الجراحة الانتقائية فتكون على طلب الأم ودونما ضرورة طبية.
مشيرةً إلى زيادة ظاهرة العمليات القيصرية بنسبة ٥٠ بالمئة عن السابق، وترجع السبب لإصرار الكثير من الحوامل على إجرائها، جراء مخاوفهن الأمنية من حدوث الولادة ليلاً وصعوبة الوصول إلى المشافي البعيدة عن أماكن إقامتهم، وأحياناً نتيجة تدهور الوضع الصحي للحامل والجنين ما يحتم على الطبيبة تدارك الأمر وإجراء العملية لإنقاذ حياة الأم وجنينها.
وكانت مجلة "ذي لانسيت" الطبية قد نشرت مجموعة أبحاث في تشرين الأول/أكتوبر 2018، بيّنت أن معدل الولادة القيصرية في أنحاء العالم زاد بمقدار الضعف تقريباً في 15 عاماً، ليصل إلى مستويات مثيرة للقلق في بعض الدول.