العنف ثقافة بررها المجتمع للجاني بلوم الضحية

تفاقم العنف ضد النساء خلال الفترة الأخيرة، ولا يقتصر الأمر على بلد دون غيره فالأمر بات متراكماً، ويحتاج للمناهضة بمختلف بقاع العالم.

أسماء فتحي

القاهرة ـ لأن الحديث عن العنف هو السمة الأساسية لحملة الـ 16 يوم التي أطلقتها الأمم المتحدة لمناهضته حول العالم، فعادة ما يتبادر للذهن سؤال حول طبيعته، وما إن كان ما يُرى في الشارع المصري نتاج ثقافة متأصلة في نفوس القائمين عليها ومجتمعهم المحيط أم أن لها مبرر يتعلق بأزمات اقتصادية كانت أو اجتماعية أو سياسية.

عدد ليس بالقليل من الأشخاص فور الحديث عن العنف يرجعونه لثقافة المجتمع، وهو أمر كفيل أن يعرقل أي عمل ميداني للمهتمين بالأمر لأن الأفكار تحتاج لجهد ووقت كي يتم تغييرها، بينما يرى آخرون أن ارتفاع معدل العنف ناتج عن تفاقم الأزمة الاقتصادية عقب انتشار جائحة كورونا في مصر والعالم أجمع، وهو ما جعل التعبيرات العنيفة آلية لتفريغ طاقاتهم.

 

العنف ثقافة والعمل عليه يحتاج لوقت وجهد

قالت منسقة مشروع نشر وتفعيل الآليات الدولية بمؤسسة المرأة الجديدة سارة بشر، أن العنف ثقافة فعادة ما تكون المرأة هي العنصر الأضعف في المعادلة ويحيطها عدد من الأفكار تتعلق بكونها امرأة، ويفرض عليها أن تتحمل ما يمارس عليها من عنف سواء داخل أسرتها من قبل الأب أو الأخ وضرورة الإصغاء لهم فيما يقررونه بشأنها أو تحمل تعنيف الزوج ومهما تطور الأمر بينهما، لأن هذا الأمر الطبيعي الذي أقنعها المجتمع به.

أما عن آليات المواجهة أوضحت أن الأمر يبدأ من الصغر فعلى الأسرة أن تعزز بداخلها رفض العنف حتى لا يترسخ في ذهن الأطفال أن ممارسته أمر طبيعي ويعتادوا عليه، مشيرة إلى أن الطفل الذي يرى أبيه يضرب أمه بالتبعية سيجد مئات الأسباب لاحقاً في ممارسة نفس الأمر أو قبوله من المحيطين به.

ولفتت إلى أن العنف يحتاج لعمل وجهد كبير من المجتمع المدني بمختلف فئاته وبالتعاون مع مؤسسات البلاد والإعلام لوقفه ومحاصرته، وأن للتعليم أيضاً دور كبير في تهذيب السلوك وتقويمه، مطالبة الجميع بالتكاتف من أجل تغيير تلك الثقافة التي ظهرت جلياً على إثر الجرائم المرتكبة خلال الفترة الأخيرة والتي كشفت عن حجم القبول المجتمعي لتلك الممارسات الكارثية.

 

 

ثقافة العنف في وعي المجتمع

وأكدت على أن الطفل لا يولد عنيف ولكنه يتأثر بالبيئة المحيطة به بداية من المنزل الذي يرى فيه تلك الممارسات وتوابعها سواء من قبول الأم أو الأخت للتعنيف مما يجعله يرى الأمر طبيعياً أو حتى بالرفض في المقابل والدفاع بنفس الآلية مما يرسخ في داخله أيضاً المواجهة بنفس الصورة.

وأشارت إلى أن الحياة الدراسية لها تأثير كبير فحينما يقوم الأطفال بتبادل العنف يتطور الأمر ليصبح عادة وأسلوب حياة في الدفاع عن النفس وانتزاع الحقوق، لذلك رأت أن للقائمين على العملية التعليمية دور في منع ذلك من خلال وضع آليات تناهض العنف وتحد من انتشاره وتنتصر للحقوق من خلال الإجراءات أو القوانين المنظمة لأن ذلك أيضاً يترسخ في وعي الأطفال.

وأوضحت أن المجتمع المحيط يساهم في بناء الثقافة إلى درجة كبيرة ويتجسد ذلك في بيئات الوقت الطويل التي يمكن للأطفال اكتساب بعض ملامحها كمنزل الأسرة الأم وكذلك المدرسة ثم الجامعة، مشيرة إلى أن للشارع أيضاً دور كبير في ذلك وكذلك الأندية الرياضية وغيرها من البيئات التي ترسخ ثقافة ممارسة العنف أو رفضه.

 

تعنيف الأطفال يؤدي إلى اضطرابات سلوكية

ومن جانبها قالت الاخصائية بجمعية مصر الجديدة ولاء مجاهد "أن العنف عادةً ما يستخدم كوسيلة تقويم لتعليم الطفل وإصلاحه، ولكن هذا لا يغفل التأثير المباشر للأزمات المتراكمة خاصة الاقتصادي منها على فضح وجوده وبشاعته وما ينتج عنها من ضغوط تخرج أسوأ ما في الإنسان وتجعله ينفعل لأبسط الأسباب".

وأوضحت أن الشخص إذا لم يجد مساحة أمان اقتصادي لأسرته فقد يجعله ذلك في أزمة حقيقية وضغوط محتمل انفجارها في أي وقت، لافتةً إلى أنه رغم كل ذلك لا يمكن إغفال التربية القاسية على الأطفال وكذلك تأثر الفرد بما تمر به الأسرة من ضيق مالي وتعرض القائمين على الأسرة لأزمة فقد العمل وغيرها من الأمور، التي ينشأ على خلفيتها اضطراب سلوكي جزء منه يتم التعبير عنه بشكل عنيف وحاد مع المحيطين.

وأشارت إلى أن العنف الناتج عن الأزمات الاقتصادية وارد باعتباره نتاج الضغوط المتمثلة في الاحتياجات التي تفوق قدرة الزوج والزوجة، وما قد يترتب على ذلك من حدة وانفعال نتاج التراكم والاحتقان عن الشعور بالعجز لتلبية متطلبات المعيشة الكريمة لمن يقومون بإعالتهم.