المرأة وعبء السمعة... قيود العيب والحرام تكبل النساء

لا يزال المجتمع يعاني من التقاليد والأعراف البالية في مدينة حلب السورية التي تؤثر بشكل كبير على حياة النساء وتقيد حرياتهن، أبرزها تحمل المرأة مسؤولية سمعة العائلة وتصرفاتها الشخصية، حيث تتعرض لانتقادات لاذعة بعبارات قاسية منها "نزعتي سمعت العيلة، بدك تحطي

غفران الهبص

حلب ـ تُحمّل المرأة عبء سمعة العائلة وكرامتها، لينعكس ذلك سلباً على صحتها النفسية ويقيّد من حريتها، إذ يجب أن تلتزم بمعايير سلوكية صارمة كون سمعة العائلة مرآة للمرأة وعنوان لشرفها، لذلك يجب العمل على تغيير المفاهيم الاجتماعية السائدة وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي للنساء لمساعدتهن في كسر القيود وتحريرهن من الضغوط التي تثقل كاهلهن.

يُحمّل المجتمع النساء عبء الحفاظ على سمعة العائلة، مما يجعلهن في تدقيق مستمر على تصرفاتهن وسلوكياتهن، وهذا الضغط الاجتماعي يخلق تحديات نفسية كبيرة فكل خطوة تقوم بها المرأة يُنظر إليها على أنها انعكاس لمكانة العائلة فلا تقتصر تداعيات هذه المسؤولية على حياة النساء الشخصية وحريتهن فحسب، بل تؤثر أيضاً على مدى اندماجهن في المجتمع وفي مدى حصولهن على فرصهن الاقتصادية والتعليمية.

حيث ترى خديجة اليوسف إحدى نساء ريف حلب أن "العادات والتقاليد تلعب دوراً في تحديد ما هو مقبول أو مرفوض بالنسبة للنساء، ففي مجتمعنا يُنظر إلى كل تصرف تقوم به المرأة على أنه ينعكس على سمعة عائلتها، والمجتمع يقيد خيارات النساء ويعتبر الكثير من تصرفاتهن غير مقبولة لمجرد أنها تتجاوز الإطار التقليدي علماً أن أي تصرف قد يبدو بسيطاً، يُعتبر عيباً فقط كونه بدر من المرأة".

وأضافت أنه لا يُسجل نفس التأثير إذا قام الرجل بذات التصرف أو الفعل، حيث أن المجتمع يتعامل مع الأخطاء بشكل مختلف بين الجنسين، حيث يعتبر الرجل أخطاءه بسيطة ومبررة كما يتم منحه الفرص لتصحيحها، أما المرأة فكل ما يبدر عنها فهو إخفاق كبير يمس سمعتها وسمعة أسرتها كونه ينظر إليها كرمز للشرف، وأي تصرف قد تقوم به مخالفاً للتقاليد قد يؤدي إلى وصمها بأكثر من مجرد اللوم.

ولفتت إلى أنه تُضع قيود أكثر صرامة على النساء مقارنة بالرجال في سلوكياتهن اليومية، فالمرأة دائماً توضع تحت المجهر، وكل قرار تتخذه يخضع للتقييم من قبل الآخرين مما يعرضها لضغوط مستمرة، مثل خروجها من المنزل أو الذهاب للعمل أو حتى الدراسة.

وفي أحد الأمثلة التي تطرقت لها خديجة اليوسف "هناك امرأة تعمل في مركز صحي، لمجرد اهتمامها بمظهرها لم يتركها المجتمع وشأنها حيث ينظر إليها بتعالي معتبراً أنها سيئة السمعة فقط لأنها تحب الحياة وتعتني بنفسها، فكل يوم تسمع من أهل الحي كلمات تسيء لها، كما أنه لا أحد يتكلم معها أو يزور منزلها ولا أحد يقبل أن تدخل منزله".

ولفتت إلى أن "المجتمع لا يرحم المرأة، خاصة إذا حاولت أن تُظهر أي نوع من العناية بنفسها، هذه المرأة التي تساعد في خدمة مجتمعها، لم تجد سوى الوصم بالعار، تحملت هذه النظرات القاسية والكلمات الجارحة لسنوات، في النهاية اضطرت لترك عملها رغم أنها كانت في أمس الحاجة إليه ورحلت إلى مكان آخر".

وفي رواية أخرى لفتاة تعرضت للضرب والإساءة من قبل أهل زوجها، قالت "هناك فتاة تعيش في منزل يعج بالقيود مع أهل زوجها تعرضت لاتهامات انتهكت خصوصيتها ووضعتها موضع جدل في تلك البيئة التي لا تتسامح مع خيارات النساء مهما كانت طبيعية، فقط لأنها ذهبت لحضور حفلة لإحدى صديقاتها، رغم أن تصرفها بسيط لا يتعارض مع القيم".

وأضافت "فوجئت الفتاة بردة فعل قاسية من أهل زوجها فعندما عادت إلى المنزل هوجمت بشكل عنيف، وبدأوا بإهانتها والتعرض لها بأقسى العبارات وألقوا اللوم عليها واعتبارها بأنها انتهكت القيود المفروضة، لكن الأمور لم تتوقف عند هذا الحد، بل وصل الأمر إلى طردها الى غرفة صغيرة في المنزل ومنعها من التواصل مع الناس، حتى زوجها لم يكن يقف إلى جانبها، بل أصبح يتجاهلها ويشجع عائلته على معاملتها بهذه الطريقة المهينة".

وأوضحت خديجة اليوسف أن الضغط الاجتماعي والنظرة القاسية التي يفرضها المجتمع على النساء تؤدي إلى العديد من المشاكل النفسية حيث تعانين الاكتئاب والقلق بسبب الشعور المستمر بالذنب والضغط لجعلهن تتصرفن وفقاً للقيود المجتمعية، والكثير منهن تشعرن بالعزلة بسبب رفض المجتمع لهن إذا لم يتوافقن مع المعايير التقليدية.

وتابعت على سبيل المثال قد تشعر المرأة بالذنب لأنها اختارت العمل خارج المنزل أو لأنها قررت العناية بمظهرها إلا أن المجتمع اعتبرها غير لائقة، هذه الضغوط النفسية قد تؤدي إلى اضطرابات منها القلق المزمن والاكتئاب التي قد تسبب للنساء شعوراً دائماً بالعجز عن تحقيق ذاتهن أو العيش بحرية.

وعن حال النساء اللواتي تصدمن بردة فعل المجتمع قالت إن "اللواتي تتعرضن للوصم الاجتماعي تشعرن أحياناً بأنهن لا تستحقن الحب أو التقدير، مما يزيد من اضطراباتهن النفسية، كما أن هذه الضغوط تؤثر بشكل كبير على علاقاتهن الاجتماعية، حيث تعمدن إلى تجنبهن الآخرين، مما ينعكس على حياتهن اليومية وصحتهن النفسية فالكثير منهن تشعرن بأنهن محاصرات بين التوقعات المجتمعية والواقع الذي تعشنه".

وأكدت خديجة اليوسف في ختام حديثها أنه "إذا أردنا تغيير هذه النظرة السلبية تجاه النساء، يجب أن نبدأ بتوعية المجتمع بحقوق المرأة وتوجيه الإعلام، وأن تصرفات المرأة لا تعبير عن شرف عائلتها أو المجتمع، فالأمر يحتاج الى تغيير وجهود مشتركة بين الرجال والنساء على حد سواء، ومن المنظمات المدنية التي تعمل في هذا المجال، كما يجب أن يجب تنظيم جلسات ونقاشات حول العادات والتقاليد التي تظلم النساء وتعوق تقدمهن وإذا كانت لدي الفرصة لتغيير شيء واحد في طريقة تفكير المجتمع حول النساء، فسأعمل على تغيير الفكرة السائدة بأن المرأة تتحمل مسؤولية شرف العائلة أو المجتمع فهذه الفكرة هي أساس معظم القيود التي تُفرض عليها، وأن العادات والتقاليد يجب أن تتطور بما يتماشى مع حقوق الإنسان والاعتراف ن بأن المرأة تستحق الاحترام والدعم".