"التغريبة العفرينية الثانية" رحلة نزوح دفعت ثمنها النساء والأطفال
قصص كثيرة خلفها التهجير القسري من مدينة الشهباء التي كانت تضم في مخيماتها مهجري عفرين، تخفي خلفها ألم وحزن وقهر ذاقها شعب كان يقاوم من أجل العودة إلى مدينتهم رافضين العيش تحت الظلم.
سيبيلييا إبراهيم
الرقة ـ في ظل فصل الشتاء القارس وأصوات الاشتباكات والرصاص الذي جاب المدينة، خرج عشرات الآلاف من مهجري عفرين والشهباء في رحلة نزوح قسرية جديدة تضاف إلى سلسلة الجرائم والانتهاكات التي يرتكبها الاحتلال التركي ومرتزقته منذ عام 2018، تاركين ورائهم أحلامهم ومنازلهم حاملين معهم أمل العودة إلى حضن مدينتهم بالرغم مما قاسوه من ألم وقهر على طريق التهجير الثاني.
حملت الأزمة السورية في طياتها العديد من القصص المؤلمة من قتل وتهجير وغيرها، في كافة المدن ومن بينها عفرين التي مضى على احتلالها من قبل الدولة التركية ومرتزقتها سبعة أعوام، حيث هجر أهلها قسراً من منازلهم باحثين عن أماكن تأويهم وتحافظ على هويتهم، ليحطوا رحالهم في المخيمات التي تم إنشائها في مدينة الشهباء المجاورة.
لم تقف معاناتهم حد النزوح قسراً من مدينتهم التي تم نهب خيراتها وتغيير ديمغرافيتها وارتكاب المجازر والانتهاكات بحق من لم يستطع ترك أرضه ورائه والرحيل عنها؛ ليعيشوا رحلة النزوح مرة أخرى وهم يحملون آلاماً أكبر مع ابتعادهم عن حدود مدينة الشهباء التي جعلوا منها عفرين ثانية.
حورية رشو امرأة في العقد السادس من عمرها، وهي من ناحية شرا بمدينة عفرين المحتلة، تروي ما عاشته منذ بداية احتلال مدينتها "عندما شن الاحتلال التركي هجومه الوحشي على مدينتنا عفرين عام 2018 كان هدفه إبادتنا، وارتكب العديد من المجازر هناك وعمل على تهجيرنا، واجهنا العديد من الصعوبات أثناء خروجنا من عفرين".
وعن رحلة النزوح، تقول "لقد قطعنا مسافات طويلة سيراً على الأقدام حتى جبل الأحلام بينما كانت الطائرات الحربية والمسيرات تحلق في سماء عفرين، فلا تزال أصوات القصف عالقة في أذهاننا ولم تغب مشاهد الجرائم التي ارتكبت ونحن في رحلة النزوح عن مخيلتنا".
وتابعت "رحلة تهجيرنا من عفرين انتهت تحت سقف المخيمات التي نصبت في الشهباء، ولم يكتفي الاحتلال التركي بذلك، فحتى ونحن نعيش تحت الخيام ظل يشن هجمات علينا ويرتكب الجرائم بحقنا، لقد أودت تلك الهجمات بفقدان العديد من الأطفال لحياتهم".
وتحدثت عن التهجير الثاني الذي عاشه أهالي الشهباء ومهجري عفرين بعد هجوم "هيئة تحرير الشام" على مدينة حلب في السابع والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، والسيطرة عليها، حيث شن بعد ذلك الاحتلال التركي ومرتزقته هجمات على مدينة الشهباء التي أجبر أهاليها على النزوح قسراً نحو مناطق آمنة في إقليم شمال وشرق سوريا.
وتقول حورية رشو أنه قبل خروجهم من المدينة تم محاصرتها من قبل المرتزقة "في البداية دارت اشتباكات بين الجيش السوري السابق وهيئة تحرير الشام في القرى المجاورة لمدينة الشهباء, فقام مرتزقة الاحتلال التركي باستغلال الاشتباكات ليشن هجمات على الشهباء ومحاصرتها من كافة الاتجاهات وأغلقوا الطرق أمامنا".
ومع محاصرة المدينة بدأ الأهالي بالتجمع في نقاط محددة للخروج من المدينة بسلام "بقينا محاصرين يوم كامل في الشهباء ننتظر في الطرقات وتحت برد الشتاء القارس، بينما نسمع أصوات القصف والاشتباكات القريبة من أماكن تواجدنا، لقد كانت تلك الليلة مخيفة جداً".
وبمبادرة من الإدارة الذاتية الديمقراطية في إقليم شمال وشرق سوريا، تم إرسال قوافل لإخراج الأهالي من المنطقة وذلك بعد فتح معبر قرية "أحداث"، وقد اعتبر الأهالي تلك المبادرة ولادة جديدة لهم، وعن الصعوبات التي واجهوها خلال رحلة الخروج من الشهباء والتي أطلق عليها "التغريبة العفرينية الثانية"، تقول "خرجت مع عائلتي المؤلفة من 11 شخصاً، مشيت مع أبنائي وأحفادي سيراً على الأقدام نحو طريق مجهول لا نعرف إلى أين سيصل بنا، واجهنا الموت عدة مرات على الطريق الذي كان يقف على أطرافه أعداد من المرتزقة لقد كانت مناظرهم مخيفة، على طول الطريق كانوا يشتموننا".
ولفتت حورية رشو إلى أنهم تركوا خلفهم كل شيء والآن يعيشون أوضاعاً مأساوية مع تقاعس المنظمات وعدم تلبية احتياجاتهم في ظل أجواء الشتاء الباردة "إننا نتحمل كل هذه المعاناة في سبيل العودة إلى أرضنا، ومهما تعرضنا للاعتداءات، سنبقى مستمرين بمقاومتنا في سبيل تحرير مدينتنا وسنتغلب على جميع التحديات".