حلمية حلس... الجبل الذي يحمل أربعين روحاً تحت سماء الموت والجوع

تحت وطأة الحرب المستمرة، تحولت حياة الفلسطينيين في قطاع غزة إلى صراع يومي من أجل البقاء، حيث تختزل قصص النزوح والجوع والحرمان مأساة شعب بأكمله.

نغم كراجة

غزة ـ في غرفة ضيقة جدرانها متآكلة وسقفها بالكاد يصد الأمطار، تقف السبعينية حلمية حلس، وسط عائلة مكونة من أربعين فرداً، تدير شؤونهم وتتكفل بتأمين الحد الأدنى من احتياجاتهم اليومية، بعد أن أصبحت المناطق الشرقية لمدينة غزة منطقة محظورة على الحياة، فمنذ عام وشهر تحول منزلها إلى رماد بسبب القصف الإسرائيلي، لتبدأ رحلة التهجير القسري والتنقل بين المناطق بحثاً عن ملاذ، دون أن تجد أماناً أو استقراراً.

تصف حلمية حلس واقعها بعبارات تنبض بالألم "لسنا مجرد عائلة نازحة، نحن أرواح تمضي بين الركام والمجهول، أحمل مسؤولية نساء وأطفال، ما هذا القدر؟ كيف يمكننا إسكات جوع الأطفال؟ نحاول أن نصمد بوجبة واحدة طوال اليوم، حتى الماء النقي أصبح حلماً نطارده ولا ندركه".

حلمية حلس ليست مجرد أم أو جدة، بل هي صخرة صمود تتحدى المستحيل في ظل أوضاع كارثية، فمنذ بدء الحرب في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، تحملت غزة أسوأ فصول الدمار حيث عشرات الآلاف من الأسر مثلها تواجه مصيراً قاتماً، ولا تزال مئات الجثث تحت الأنقاض وقد تحللت أجسادها أو اختفت تماماً في مشهد يفتقر إلى أبسط مقومات الإنسانية.

وتقول ودموعها تسبق كلماتها "منذ بداية الحرب، فقدنا كل شيء، البيوت أصبحت أكواماً من الركام، والأحلام تبخرت حتى دفن موتانا أصبح ترفاً لا نملكه، العالم يرى ولا يتحرك، وكأننا لسنا بشراً".

 

النساء في قلب المحنة

وسلطت حلمية حلس الضوء على دور المرأة الفلسطينية في ظل هذه الظروف، واصفة إياها بـ "جبل المحامل"، مضيفةً "إن النساء تحملن ما لا يستطيع بشر احتماله، مضيفات إلى أعبائهن أدوار الرجال الذين غيبتهم الحرب بين قتلى ومفقودين".

وتابعت "المرأة هنا ليست فقط أماً أو زوجة، بل عماد الأسرة، تصحو كل يوم وهي تحمل على كاهلها عبء أسرتها بأكملها من تأمين الطعام إلى حماية الأطفال في وقت باتت فيه أبسط الأساسيات مستحيلة المنال، فالنساء هن من تنهضن قبل الفجر وهن آخر من ينام، تحاولن بجهودهن المضنية إبقاء الحياة ممكنة وسط هذا الجحيم".

وتصف حلمية حلس الحرب بأنها أسوأ ما شهدته طوال حياتها، حتى أنها شبهتها بالحرب العالمية الثانية في قسوتها وهمجيتها، وترى أن الجرائم المرتكبة في غزة تجاوزت كل الحدود، حيث لم تسلم حتى المستشفيات والمدارس من القصف، في محاولة لقتل كل أمل.

وأضافت "لقد عشنا حروباً كثيرة، لكن هذه الحرب تفوق كل شيء، القصف لا يتوقف، الجوع ينهش أجسادنا، والأطفال يموتون بين أيدينا، لا أدري إن كنا سنبقى أحياء حتى نهاية اليوم، هذه ليست حياة بل موت يتكرر كل لحظة".

في مراكز الإيواء التي تعج بالنازحين، تغيب كل مقومات الحياة، وتضطر العائلات إلى التكدس في مساحات ضيقة تفتقر إلى الخصوصية والنظافة، تروي حلمية حلس وهي تقف وسط غرفة بالكاد تتسع لها ولحفيداتها، كيف تحاول تنظيم حياتهم اليومية وسط هذه الفوضى "الغرفة ليست إلا أربعة جدران بالكاد تصمد أمام الرياح، نحاول تنظيم أنفسنا لكن المكان لا يصلح للبشر، الأطفال يبكون من الجوع، النساء تشعرن بالعجز، والمياه الملوثة هي كل ما لدينا حتى لو أراد العالم أن يساعدنا فهو لا يفعل. أصبحنا نعيش في انتظار الموت".

 

نقص الغذاء والمياه

أصبح تأمين الطعام والمياه النظيفة تحدياً يومياً يواجه الجميع في قطاع غزة حيث أغلقت المعابر، وتوقفت الإمدادات، وارتفعت الأسعار بشكل جنوني، وتروي مأساتها "بالكاد أستطيع توفير وجبة واحدة لعائلتي، نتقاسم فتات الخبز. لا يهمني نفسي لكنني أرى الجوع في عيون الأطفال وأمهاتهم. ماذا نفعل؟ نحاول الاقتصاد بكل شيء لكن حتى هذا لم يعد كافياً. المياه الصالحة للشرب أصبحت معدومة خاصة في الشمال، وأطفالنا يعانون من الأمراض بسبب المياه الملوثة".

وفي مواجهة هذه المحنة، تناشد حلمية حلس العالم أن يتحرك لإنقاذ ما تبقى من سكان غزة، وتقول "أوقفوا هذه الحرب. نحن لا نطلب إلا أن نعيش. أطفالنا يموتون من الجوع، النساء يمتن من القهر، والعالم لا يفعل شيئاً، هذا المشهد أصبح عادياً لمن يراه لكنه جحيم بالنسبة لنا".