الأفغانيات في إيران... قصص مدفونة في صمت المنفى تعكس معاناة وصمود وأحلاماً لم تكتمل
تعيش الأفغانيات اللاجئات في إيران تحديات ما بين اللجوء والقمع الاجتماعي، حيث تجدن أنفسهن مقيدات بالأطر الأبوية التي تزيد من معاناتهن اليومية، ألا أنهن لم تكتفين بالصمت بل تحملن صوتاً يعكس الألم والتمييز.

سارة كريمي
أصفهان ـ تواجه اللاجئات الأفغانيات في إيران معاناة يومياً، ورغم التحديات الاجتماعية والقانونية التي تقيد حريتهن، ألا أنهن تواصلن نضالهن من أجل حقوقهن وسط صعوبات التعليم والعمل والعيش بدون أي حماية قانونية.
امتددت الهجرة الأفغانية إلى إيران على مدى أربعة عقود، حيث أصبحت إيران إحدى الوجهات الرئيسية للأفغان الباحثين عن الأمان والاستقرار، وتشير الإحصاءات غير الرسمية إلى وجود ما بين 6 ـ 8 ملايين أفغاني في إيران بينهم عدد كبير من النساء اللواتي واجهن تحديات مضاعفة، فمن جهة نجين من القمع في ظل حكم طالبان ومن جهة أخرى وجدن أنفسهن أمام واقع جديد في الجمهورية الإيرانية التي تفرض قيوداً على النساء، هؤلاء النساء تحملن في أعماقهن قصصاً غالباً ما تبقى مدفونة في صمت المنفى، وقصصاً تعكس معاناة وصمود وأحلاماً لم تكتمل.
من ألم اللجوء إلى معاناة المرأة
وتكافح النساء الإيرانيات منذ سنوات طويلة ضد النظام الأبوي، والثقافة السائدة حيث تواجهن أشكالاً متعددة من القمع والاضطهاد، أما النساء الأفغانيات اللاجئات في إيران فقد أضيف إلى معاناتهن عبء النزوح، مما جعلهن في مقدمة المستهدفات بالقمع المنهجي الذي تمارسه السلطات الإيرانية، نضالهن يمتد عبر قضايا عديدة، الحجاب الإلزامي وزواج القاصرات والحق في الطلاق، لكن هذا النضال يبقى محفوفاً بالصعوبات والتحديات، بالإضافة إلى ذلك، فإن وضعهن كلاجئات يحرمهن من الحد الأدنى من الحقوق الذي تتمتع بها النساء الإيرانيات ومن الحماية القانونية المحدودة المتاحة لهن.
تروى شكرية .أ (أسم مستعار) وهي أفغانية تعيش في إيران إحدى هذه القصص قائلة "تعرضت للضرب من زوجي مرات عديدة لكن لم يكن لدي مكان ألجأ إليه، كان المعيل الوحيد في المنزل، والأطفال يعتمدون عليه، إذا غادر سأضطر للعودة إلى أفغانستان، وإذا بقيت هنا لا أملك تعليماً أو مهارات في القانون الإيراني، لا حقوق لي حتى لو متّ على يديه فمن سيهتم؟".
بدورها قالت فرشته. ك وهي شابة أخرى من ولاية هرات تعيش في أصفهان التي أُجبرت على الزواج القسري في سن الخامسة عشرة "وصلت إلى إيران وأنا طفلةً، ولأنني لم أكن أمتلك وثيقةً قانونيةً، لم أستطع مواصلة تعليمي في إحدى المرات اعتُقل والدي بعنفٍ واقتيد إلى معسكر، وفي اليوم التالي أُعيد إلى أفغانستان، وباتت والدتي مسؤولة عن خمسة أطفال، وكان عمي قد رتّب لي الزواج، لم أكن أعرف معنى الزواج لكن عمي قال إن وضعك سيكون أسوأ لو كنتَ في أفغانستان".
تكثيف الحرمان
وعلى الرغم من أن القانون يمنح الأطفال الأفغان الحق في الدراسة في المدارس الإيرانية، إلا أن العديد منهم يواجهون عقبات قانونية وثقافية تحول دون حصولهم على التعليم، مثل غياب الوثائق القانونية والتمييز العنصري والضغوطات المالية، ونتيجة لهذه التحديات تلجأ بعض العائلات إلى تسجيل أبنائها في مدارس أو معاهد غير رسمية، حيث تكون فرص التعليم محدودة.
وفي ضواحي أصفهان، تقبل بعض المدارس الأطفال الأفغان الحاصلين على وثائق اللجوء القانونية، مما يتيح لهم فرصة الالتحاق بالتعليم الرسمي، لكنه لا يزيل جميع العقبات التي يواجهونها تقول باريسا. د، مراهقة أفغانية ولدت في إيران "أدرس في مدرسة حكومية ويوجد هنا العديد من الطلاب الأفغان الآخرين لكن كثيراً منهم يضطرون إلى ترك الدراسة أو لا يتمكنون من مواصلة تعليمهم الجامعي".
معظم المهاجرين الأفغان في إيران ليس لديهم تصاريح عمل قانونية، ولا يجوز لهم العمل في وظائف معينة إلا لمن لديه بطاقة عمل خاصة أو تصريح إقامة، كما يتعرضون في كثير من الأحيان للاستغلال في العمل نتيجة وضعهم القانوني، وتعتبر هذه القضية حادة بشكل خاص بالنسبة للنساء المهاجرات.
تعيش (زبيدة. أ) وهي امرأة أفغانية تبلغ من العمر 28 عاماً في أحد الأحياء المهمشة في أصفهان حيث تكافح يومياً من أجل تأمين لقمة العيش، يعمل زوجها في البناء بينما تعمل هي منذ سنوات في مصنع لتغليف الفواكه المجففة بأجر منخفض.
وحول أوضاع العمل التي تواجهها النساء الأفغانيات في إيران تقول "عادةً ما تُمنح الأفغانيات وظائف في أماكن مغلقة، مثل الورش ومصانع الخياطة ليس لدينا أي تأمين صحي، وأجورنا أقل من أجور العمال الإيرانيين، إذا احتججنا يمكن لصاحب العمل طردنا بسهولة، ومع الظروف الاقتصادية الصعبة في إيران وحكم طالبان في أفغانستان نحن مضطرات للبقاء صامتات والعمل رغم جميع الصعوبات".
ولا يتمتع عدد كبير من اللاجئين الأفغان في إيران بالتأمين الصحي، وحتى لو كان لديهم بطاقة إقامة أو تخطيط خاص فإن تأمينهم محدود للغاية ولا يغطي العديد من الخدمات الأساسية، ورغم الظروف الاقتصادية الراهنة في إيران خاصة فيما يتعلق بالخدمات الطبية، فإنهم يواجهون تكاليف باهظة أو يؤجلون العلاج، وفي ظل هذه الظروف تواجه النساء مخاطر صحية أكبر بسبب الولادة أو الأمراض النسائية أو عدم وجود مصدر دخل مستقل وكاف.
ألم مدفون في طبقات المنفى
وتمثل قضية المرأة الأفغانية معاناة تتجاوز الحدود فهي قضية عالمية، تحت طبقات من اللجوء والمنفى، وفي إيران تتفاقم مشاكل العنف، حيث يتجذر القمع وكراهية النساء في القوانين وأحكام القضاء، مما يزيد من صعوبة الحياة اليومية لهن.
بدورها تصف محبوبة ج، وهي امرأة أفغانية أخرى وُلدت في إيران إحساسها بعدم الانتماء قائلة "ثلاثة أجيال منّا وُلدت في إيران، ومع ذلك لا أعرف إلى أين أنتمي، أشعر بقلق تجاه المعاناة التي تعيشها النساء في أفغانستان وإيران على حد سواء، ردود الفعل العالمية تجاه قضايا النساء خاصة الأفغانيات والإيرانيات تقتصر على الكلمات دون الأفعال، لذلك أذ لم نتحد نحن النساء فلن يتغير شيء".