قابس تختنق... تونسيون يحتجون لإنقاذ "البيئة والإنسان"
تظاهر عشرات التونسيين في العاصمة، مطالبين بنقل الوحدات الصناعية الملوثة من قابس، في ظل تفشي الأمراض وحالات الاختناق الناتجة عن التلوث، وسط دعوات عاجلة لإنهاء أزمة بيئية مستمرة منذ أكثر من نصف قرن.

زهور المشرقي
تونس ـ طالب المشاركون في التظاهرة السلطات بالتحرك الفوري لإيجاد حلول جذرية لأزمة المجمع الكيميائي، مؤكدين تمسكهم بمطلب نقل الوحدات الصناعية كحل وحيد، ورافضين أي بدائل، باعتبار أن "أن بقاء المجمع في قابس لم يعد ممكناً في ظل الأضرار الصحية والبيئية المتفاقمة".
تظاهر عشرات المواطنين التونسيين أمس الأربعاء 15 تشرين الأول/أكتوبر، في العاصمة التونسية استجابة لدعوة أطلقتها جمعية "دار قابس"، مطالبين بتفكيك الوحدات الصناعية الملوثة التابعة للمجمع الكيميائي في ولاية قابس جنوب شرقي البلاد.
ورفع المحتجون شعارات تدعو إلى تدخل الفوري من السلطات لوضع حد لما وصفوه بـ "التهديد المستمر" لحياة سكان المنطقة، مؤكدين أن الحل الوحيد يكمن في نقل هذه الوحدات التي تسببت في تفشي أمراض مزمنة، أبرزها السرطان، فضلاً عن حالات الاختناق اليومية الناتجة عن استنشاق الغازات السامة المنبعثة من المجمع.
كما رفع المتظاهرون لافتات حملت شعارات مؤثرة تعكس حجم المعاناة، مثل: "قابس تختنق"، "تخنقنا"، "نحب نعيش"، "قابس جنة الدنيا"، و"أوقفوا التلوث".
وتعاني ولاية قابس منذ أكثر من 53 من أزمة بيئية وصحية خانقة، بدأت منذ إنشاء المجمع الكيمائي الذي تحول إلى رمز للتلوث في المنطقة، فقد أدت الانبعاثات الغازية من مداخنه إلى تدهور جودة الهواء، فيما تسبت الكميات الهائلة من مادة الفوسفوجيبس التي تُصرف يومياً في البحر إلى تدمير الحياة البحرية على شواطئ قابس، ما ألحق أضراراً جسيمة بالإنسان والبيئة.
"المطالب باتت معروفة"
قالت الناشطة هناء نجيمة ، من حراك "stop pollution" أوقفوا التلوث ، إن اختيار يوم عيد الجلاء لتنظيم التظاهرة لم يكن صدفة، بل رغبة من أهالي قابس في تحويله إلى "يوم جلاء بيئي"، كما أنه يرمز إلى التحرر من التلوث الذي يخنق المنطقة منذ أكثر من نصف قرن، مؤكدةً أن المطالب السكان باتت معروفة لدى الجميع، فهي تعكس معاناة ولاية قابس وصرخة الطبيعة التي تتعرض لانتهاكات مستمرة منذ عقود، حيث بلغ الوضع مرحلة خطيرة، إذ بدأت حالات الاختناق تصيب الأطفال والطلبة في المدارس والمعاهد بشكل متكرر منذ أيلول/سبتمبر الماضي، وكان آخرها تسجيل حالتين جديدتين الثلاثاء الماضي".
وشددت على أن لأهالي قابس حقاً دستورياً في العيش في بيئة سليمة وهواء نقي وظروف حياة كريمة، مشيرة إلى أن الأزمة البيئية في قابس لا تعد قضية محلية، بل تهم البلاد بأكملها، واصفة إياها بـ "القضية العادلة" والمماثلة للقضية الفلسطينية، على حد تعبيرها، قائلة " إنها قضية حياة أو موت".
ودعت حميع ولايات الجمهورية إلى التضامن مع قابس، منتقدة تجاهل السلطات لمطالب السكان، وأكدت أن المطلب الأساسي يتمثل بتفكيك الوحدات الصناعية الملوثة".
ووصفت هناء نجيمة هذا القرار بأنه "سياسي بامتياز"، معربةً عن صدمتها من تعامل الدولة مع التحركات السلمية "نختنق يومياً بالفوسفوجين، لكن الدولة تواجهنا بالغازات المسيلة للدموع والعنف وهذا أمر غير مقبول".
كما أشارت إلى أن الدستور في أحد بنوده يتحدث عن الحق في الصحة، متسائلة عن غياب الأوكسجين في مستشفيات قابس لإنقاذ الأطفال المصابين بالاختناق "أُجبرنا على إطلاق نداءات لتوفير أنابيب الأوكسجين، وهذا يدل أننا أمام جريمة دولة حقيقية متواصلة".
دعم النساء واجب إنساني
من جهتها، شددت الناشطة الحقوقية والنسوية نجاة عرعاري، على أن دعم نساء قابس، باعتبارهن من الفئات الأكثر تضرراً من الأزمة البيئية، يُعد واجباً إنسانياً وأخلاقياً، مؤكدةً أن القضية المطروحة ليست مجرد مسألة محلية، بل تتعلق بحقوق أساسية تمسّ الحق في الصحة، والأمن البيئي والغذائي، والأمن الاجتماعي "أن حياة آلاف السكان في قابس أصبحت مهددة، ما يستوجب تحركاً عاجلاً وتضامناً واسعاً".
وأوضحت أن دراسات علمية متعددة أثبتت وجود علاقة وثيقة بين التلوث البيئي وتفشي أمراض خطيرة في المنطقة، مشيرةً إلى أن هذه الدراسات سجلت نسباً مرتفعة من حالات العقم، والإجهاض، والأمراض الرئوية والجلدية، وضعف المناعة، نتيجة التعرض المزمن للسموم الملوثة للبحر والأرض والهواء.
وأكدت أن الصمت إزاء هذه الانتهاكات الجسيمة يُعد تواطؤاً، مضيفة "نحن أمام جريمة بيئية تقتل الإنسان، يجب على الدولة ومؤسساتها التحرك بشكل فوري بعيداً عن شعارات حقوق العمال بالمجمع وغيرها، لاحقوق بلا صحة، وحياة الإنسان مقدسة ولا يمكن التلاعب بها، ومن المهم وضع حد للمسألة".
وكشفت أن خبراء البيئية قدّروا أن التلوث المنبعث من قابس يمتد لمسافة تصل إلى 500 كيلومتر، ما يعني أن تأثيراته لا تقتصر على الجهة فحسب، بل تهدد صحة وسلامة الشعب التونسي بأكمله "من حقنا العيش في بيئة سليمة وبكرامة"، داعية الدولة إلى تحمل مسؤولياتها في حماية هذه الحقوق وضمان حياة آمنة لجميع المواطنين.
"هذا الخطر الذي لا يهدد قابس فقط"
أما الناشطة النسوية والرئيسة السابقة للجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، نايلة الزغلامي، فقد أكدت أن الوقفة جاءت تضامناً مع قابس، التي تعاني منذ سنوات من معضلة التلوث البيئي وتدمير الطبيعة، وأن الوقت قد حان لتحمل الدولة مسؤولياتها والانتباه لهذا الخطر والذي لا يهدد قابس وحدها بل تونس بأكملها، مشيرة إلى أن قابس باتت موبوءة بأمراض قاتلة نتيجة التلوث، وكانت النساء والأطفال أول الضحايا، ما يستوجب تحركاً عاجلاً لحماية أرواح السكان وضمان حقهم في بيئة سليمة.
وأكدت أن هذه التحركات جاءت نتيجة تراكمات لسنوات من مطالب التي لم تجد آذاناً صاغية "يجب الوقوف عند المسألة والبحث في الحلول بعيداً عن الشعارات والتصريحات، البيئة تحتضر والإنسان يموت".