فيلم وثائقي يلخص معاناة الشعب اللبناني

رصد الفيلم الوثائقي "مثل قصص الحب" للمخرجة اللبنانية ميريام الحاج فترة عصيبة من تاريخ لبنان ما بين 2018 و2022، حيث عرض بمهرجان مراكش الدولي للفيلم في دورته الواحدة والعشرين ضمن العروض الخاصة، ونال استحسان الجمهور.

رجاء خيرات

مراكش ـ ذكرت المخرجة اللبنانية ميريام الحاج أن حضور النساء في فيلمها الوثائقي "مثل قصص الحب" جاء قوياً كونهن الأكثر تأثراً بالأزمات والكوارث والحروب، وهن من تتكبدن خسائرها.

صور فيلم "مثل قصص الحب" اندلاع مظاهرات شعبية بسبب تزوير الانتخابات النيابية اللبنانية سنة 2018، لمناصرة الناشطة الحقوقية والصحافية جمانة حداد التي علمت أنها فازت في اليوم الأول من الانتخابات، ليعلن في اليوم التالي أنها لم تفز، وهو ما أدى إلى خروج مناصريها إلى الشوارع للاحتجاج على التزوير والفساد الذي عم البلاد. 

حيث قالت مخرجة الفيلم ميريام الحاج إن الأشخاص الذين يتعرضون للظلم ولديهم الكثير مما يعبرون عنه من مشاعر الخوف والاضطهاد هم الأكثر تواجداً في المظاهرات، وهو ما ينطبق على النساء في لبنان، لذلك كان حضورهن قوياً وكن دائماً في الواجهة أثناء تصوير الأحداث والمظاهرات التي رصدتها عدسات الكاميرات في الشوارع.

وأوضحت أن تواجد النساء بقوة داخل الفيلم لم يكن من اختيارها أو توجيه منها، بقدر ما كان حقيقة فرضها الشارع اللبناني، باستثناء اختيارها لشخصيتين محوريتين هما الناشطة الحقوقية والصحافية جمانة حداد والفنانة بيرلا جو، حيث تتقاطع مساراتهما من خلال الحلم والانتظار لإنهاء الحرب والعيش في بلد كلبنان يسع الجميع بكل الأطياف والتيارات الديانات والطوائف، مع شخصية ثالثة وهي شخصية الرجل المتقاعد التي جسدها الفنان جورج مفرج.

وتابعت ميريام الحاج أن النساء في لبنان والعالم هن الأكثر تأثراً بالحروب لأنهن تدفعن الثمن باهظاً من خلال فقد الأبناء والأزواج والإخوة، وكذلك التعايش مع الأوضاع الجديدة.

وعن مدة تصوير الفيلم أشارت إلى أنه استغرق أربع سنوات من التصوير وهي ذات المدة التي شهدت خلالها لبنان أزمات عديدة منها انتفاضات شعبية وثورات من أجل المطالبة بالإصلاحات ومحاسبة المسؤولين عن الفساد، ثم فترة كوفيد ـ 19 التي أعقبتها انفجار مرفأ بيروت، جميعها أحداث صادفتها ميريام الحاج، حيث لم تكن تتوقع أن تقع هذه الأحداث التي شكلت هيكل الفيلم إلى جانب هذه الشخصيات.

تتقاطع ثلاثة مسارات لثلاث شخصيات رئيسية في الفيلم هي الناشطة الحقوقية جمانة حداد والفنانة بيرلا والفنان جورج مفرج الذي أطلق أول رصاصة على حافلة وتسبب في اندلاع الشرارة الأولى للحرب الأهلية التي أغرقت لبنان في موجة من الدمار والصراع، مع توالي الأحداث سيفقد البطل ساقه إثر انفجار الرابع من آب/أغسطس سنة 2020، حيث أن كل شخصية في الفيلم تعبر عن أحلامها وتطلعاتها لتغيير الأوضاع في البلاد، وتنحية أشخاص حكموا البلاد لأربعة عقود.

وأكدت ميريام الحاج أنها تنتظر جيلاً جديداً يترعرع في لبنان الجديد، لكن ذلك لن يكون دون التخلص من رواسب الماضي والتصالح معه، من خلال معرفة الحقيقة وما وقع بالضبط ومحاسبة من تسبب في الحرب الأهلية اللبنانية التي أنهكته، وكان لابد أن تجسد هذا الجيل الجديد وتسلط عليه الضوء من خلال الفنانتين جمانة حداد وبيرلا جو.

جسدت الصحافية والناشطة جمانة حداد شخصية المرأة القوية المتحررة من قيود المجتمع ونظرته، وتؤمن بقوة الكلمة وتأثيرها وبضرورة التغيير، والإيمان بولادة لبنان جديد تسوده الحرية والعدالة الاجتماعية وتشعر فيه كل لبنانية وكل مواطن بالانتماء والعيش بكرامة.

ولا تختلف الفنانة بيرلا جو عن زميلتها، فقد جسدت الشخصية الثائرة التي تنفجر كلما سنحت لها الفرصة، أثناء لقاءات داخل مقر "جسد" وهي المجلة الثقافية التي ترأس هيئة تحريرها جمانة حداد، أو أثناء المظاهرات وهي تمسك بمكبر الصوت وتصرخ بكل قوتها لتفضح الظلم والفساد الذي يُغرق البلاد.

ثم تنتقل كاميرا الفيلم بين المشاهد التي تصور حجم الخسائر التي تكبدها الشعب اللبناني والانهيار الاقتصادي وخسارة العديد من الأشخاص لأموالهم التي أودعوها في البنوك، حتى أن جمانة حداد نفسها قالت في أحد المشاهدة إنها تحصلت على مبلغ لا بأس به من الجريدة التي كانت تعمل فيها لثلاثة عشر سنة، لكنها لم تتمكن من سحب إلا نصفه بسبب انهيار الاقتصاد، وهي محظوظة لأن أشخاص آخرين لم يحصلوا على أي شيء من ودائعهم في البنوك.

ثم يأتي انفجار الرابع من آب/أغسطس سنة 2020 ليقضي على ما تبقى من الآمال يفتح الجروح القديمة من جديد، لتظهر الشخصية التي جسدتها جمانة حداد تخوض في الأعمال لإصلاح المركز الذي تضرر بفعل الانفجار وهي تتمتم بأن الأمل بغد مشرق لازال ممكناً، ثم تصرح "هذه المحنة إما أن تصنعنا من جديد أو تدمرنا من جديد".

وأما بيرلا جو فتقف في أحد المشاهد على سطح بيتها وتخبرها إحدى صديقاتها ألا تغني بمكبر الصوت وأن ستة أشخاص ينتظرون في أسفل البناية لاعتقالها، لكنها تصر على المضي في طريقها وإسماع صوتها للعالم بأن التغيير آت لا محالة وأن لبنان آخر سيتحقق مع جيل جديد مؤمن بالحرية والمساواة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.