"باي باي طبريا" فيلم يختزل حكاية الشعب الفلسطيني في قصة أربع نساء
سلط المهرجان الدولي للفيلم بمدينة مراكش، الضوء على معاناة النساء الفلسطينيات اللواتي هجرن من بلدهن في اتجاه المخيمات من خلال فيلم "باي باي طبريا".
رجاء خيرات
مراكش ـ تشارك المخرجة الفلسطينية الجزائرية لينا سوالم ضمن المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة بالمهرجان الدولي للفيلم بمدينة مراكش في المغرب، بفيلمها الوثائقي "باي باي طبريا" الذي يختزل حكاية الشعب الفلسطيني من خلال قصة أربع نساء تنتمين لأربعة أجيال (الابنة، الأم، الجدة الأولى والجدة الثانية).
أثناء تقييم الفيلم الذي عرض أمس السبت 25 تشرين الثاني/نوفمبر، ثاني أيام المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، قالت الممثلة الفلسطينية هيام عباس بطلة الفيلم، إن فيلم "باي باي طبريا" يحكي قصة حياتها مع نساء أخريات من عائلتها، مضيفةً وهي تغالب دموعها "سبق وأن أقنعت نفسي بألا أكون عاطفية، لكننا نحن الفلسطينيون من الصعب ألا نكون كذلك".
بدورها أكدت مخرجة الفيلم لينا سوالم بكلمة ألقتها على الجمهور قبل العرض، أنها صورت العديد من مشاهد الفيلم بمنطقة "طبريا" وهو ما يجعلها ترتعش وهي تتحدث من كثرة التأثر، لافتةً إلى أنها تتوجه بهذه الكلمات وقلبها مثقل بالحزن، على إثر ما يقع لأطفال غزة وكذلك الذين هاجروا من القطاع.
وأضافت "خلال هذه السنوات عرفنا أن إنسانيتنا تخضع لشروط وإن كان يعترف بها أحياناً فإن ذلك لا يتم بشكل تام، ونمنح هذا الفضل إذا ما قررنا أن نصمت أو نتخفى تقريباً، وهذا هو التناقض بأن نكون موجودين دون أن نتمكن من الحديث عن لماذا نحن موجودون؟".
وأوضحت لينا سوالم أن قصة الفيلم لا توثق حكاية امرأة تورث قصتها لابنتها أو جدة لحفيدتها أو ابنة لأمها، وإنما تعكس تاريخ شعب حُرم من هويته، حيث يتعلق الأمر بشعب وبحقوقه، ومن خلال هذا السرد فإنني اقتفيت نفس الأثر الذي سلكته عائلتي، أي مكافحة كل الجهود التي تبذل لإزالتنا".
وتدور تفاصيل الفيلم حول استرجاع لينا سوالم لذاكرة أمها وإيقاظ الحنين في داخلها لمسقط رأسها طبريا، حيث نشأت قبل أن تهاجر إلى فرنسا من أجل أن تصبح الممثلة هيام عباس، رغم اعتراض عائلتها.
وتحاول الابنة لينا سوالم من خلال طرح الأسئلة على أمها والنبش في ذاكرتها مع الاستعانة بألبومات الصور ومقاطع الفيديو المصورة حين كانت طفلة صغيرة وهي ترافق والدتها إلى فلسطين.
وتقول لينا سوالم في الفيلم "ولدت بعيداً عن هذه البحيرة، لكني أشعر بشيء يشدني إلى هذا المكان، لا أعرف لماذا كانت أمي تصحبني إلى هذه البحيرة المحاذية لقرية طبريا للسباحة معها، ربما كانت تريدني أن أغوص في حكايتها وفي تاريخها".
وتتوالى المشاهد التي تجمع الأم هيام عباس بابنتها لينا سوالم وأمها وجدتها، عبر استرجاع فصول من الذاكرة، مصحوبة بالوجع أحياناً وبالفرح أحياناً أخرى، لكنها كلها تصب في حنين لمكان قضت فيه طفولتها قبل أن يتم ترحيلهم إلى دير حنا، بعد أن دمرت طبريا بالكامل ولم يعد فيها فلسطيني واحد، بل تحولت إلى مستوطنات إسرائيلية.
ثم تتذكر الأم هيام عباس كيف أن أباها قرر الرجوع إلى مزرعته بطبريا، ليتفاجأ بكون بيته لم يعد له وجود بعد أن دمرته الجرافات الإسرائيلية، كما باقي بيوت الفلسطينيين.
وتختزل المشاهد التي تتأرجح بين الماضي والحاضر تاريخ شعب بأكمله تم تهجيره قسراً من بلده في اتجاه المخيمات، وهنا تستحضر هيام عباس ذكرى زيارتها لخالتها التي كانت تعيش في مخيم اليرموك جنوب دمشق بسوريا، بعد أن ذهبت إليها من باريس، حيث تحكي كيف ظلت الخالة تشتم كل جزء من جسدها وهي تعانقها وتقول "أريد أن أشم فيك رائحة العائلة. إنني أشم رائحة فلسطين".
ولا يخلو الفيلم الذي يشارك ضمن المسابقة الرسمية للمهرجان من مشاهد المرح، حيث تتوجه الأم هيام عباس بأسئلة ساخرة لأمها محاولة إحراجها، كما تجمعها بعض المشاهد مع صديقاتها وشقيقاتها وهن تستحضرن طفولتهن بطبريا.
وتحاول الابنة لينا سوالم أن تتوجه بأسئلة دقيقة ونفاذة لأمها، أسئلة تخدم توجه قصتها التي تحاول من خلالها أن تسلط الضوء على تاريخ الشعب الفلسطيني وهويته الذي يحاول إسرائيل طمسها ومحو معالمها بشكل نهائي، كأن تسألها عن الأسباب التي دفعتها للهجرة إلى فرنسا، وماذا لو بقيت كغيرها من بنات جيلها في بلدها الأصلي؟ كلها أسئلة تحاول الأم الإجابة عنها وهي تكشف عن أحلامها ومشاريعها وتمردها على الأسرة المحافظة التي كانت ترفض زواجها الأول من شاب إنكليزي، ثم سفرها إلى فرنسا لكي تحقق حلمها بأن تصبح ممثلة.
وتعد لينا سوالم مخرجة وممثلة فرنسية جزائرية وفلسطينية، ولدت بباريس وتقطن حالياً فيها، بدأت عملها مبرمجة أفلام للمهرجان الدولي لسينما حقوق الإنسان ببوينس أيرس، وقدم فيلمها الوثائقي الأول "جزائرهم" في أول عرض عالمي له في مهرجان رؤى في عام 2020، ونال العديد من الجوائز، من بينها جائزة أفضل فيلم وثائقي عربي في مهرجان الجونة السينمائي، وهي أيضا كاتبة سيناريو أفلام روائية ووثائقية ومسلسلات تلفزيونية، حيث قامت مؤخراً بتنفيذ أعمال البحث والتنسيق لكتابة سلسلة "أوسكين" لمنصة "ديزني+".