عام على استشهاد جيهان بلكين وناظم داشتان... الحقيقة التي لا تُطمس

جسّد الصحفيين جيهان بلكين وناظم داشتان الحقيقة والمقاومة في مواجهة الاحتلال التركي، وأثرهما باقٍ كنداء للحرية والجمال، وبعد مرور عام، يواصل رفاقهما السير على خطاهما، حاملين كاميراتهم وكلماتهم وإيمانهم، ليبقى صوتهما حيّاً لا يُسكت.

بيريفان إيناتجي

مضى عام… ومع تقليب صفحات التقويم واحدة تلو الأخرى، يبقى الحزن في مكانه داخل قلوبنا. ما زال صوت جيهان بلكين صافياً كالنشيد وهي تقول "نحن هنا"، أما رفقة ناظم داشتان فما زالت كضوء صورة حية في ذاكرتنا، ومهما بدا أن خطواتنا تستمر في المسير، فإن محطة ذلك اليوم في قرقوزاق ما زلنا نحملها في أعماقنا، حيث كان آخر مكان رأيناهما فيه وودعناهما.

الصحافة الحقيقية ليست مجرد مهنة، بل موقف يتجسّد خلف قلم أو عدسة كاميرا، وجيهان بلكين وناظم داشتان لم يؤدّيا عملهما كضرورة وظيفية فحسب، بل حملا مسؤولية الحقيقة التي آمنا بها، وجعلا من وجودهما شهادة حيّة عليها، أنفاسهما كانت صدىً لرغبة في أن يبقى صوتهما نابضاً بالحياة لا يُسكت، الألم الذي انعكس في عيني طفل يركض، وصبر أمٍّ تقاوم بثبات، والأمل الذي يلوح على طريق قرية كبيرة، كلها صور وصلت إلينا بفضل تضحياتهما.

ففي التاسع عشر من كانون الأول/ديسمبر من العام الماضي، حين وقفا في قرقوزاق وسد تشرين في مواجهة الاحتلال وأعداء الإنسانية بقلوبٍ شجاعة، ارتقى جيهان بلكين وناظم داشتان شهداء إثر هجمات الاحتلال التركي، بعدما جسّدا ملحمة مقاومة تاريخية، روحان كانتا تسيران خلف الحقيقة، فاختارتا أن تكونا جزءاً من طريق الحرية.

جيهان بلكين، التي كانت رمزاً لأمها ورفيقاتها، كتبت قبل استشهادها بخمس عشرة دقيقة في دفتر يومياتها "حين تختار الطريق، عليك أن تمضي فيه بقبول التضحيات، نحن لسنا مجرد أفراد، نحن الطريق ذاته! سنواصل المسيرة، وسيكون هناك دائماً من يتبع خطانا، قد تعترضنا العقبات، لكننا لن نتوقف، فحيث يوجد طريق، يوجد من يمشي ويكمل، وكما قالوا شعرائنا، فإن الصباحات المشرقة ستولد بنا أو بدوننا".

إنها كلمات تختصر معنى المقاومة، وتحوّل التضحية الفردية إلى وعدٍ جماعي بأن نور الحرية سيبقى مشتعلاً، مهما حاول الظلام أن يطفئه.

فالطريق أحياناً يصبح رفيقاً، وأحياناً يكون الرفيق هو الطريق نفسه، أولئك الذين ساروا بحثاً عن جمال الدرب وصاروا جزءاً منه، حملوا أثقال حياتهم ووضعوها على هذا المسار ليكونوا لنا دليلاً، لذلك نحن نسير خلفهم.

رغم أن الألم بعد عام ما زال حيّاً، إلا أن الغضب تجاه قاتليهم لا يزال قائماً، لم يعد لدينا وقت للبكاء، فقد أصبحنا نحن امتدادهم، لأن من يترك أثراً خلفه لا يرحل في الحقيقة.

إن سرد قصة جماعية لا يخلّد الموتى فحسب، بل يجعل حضورهم أكبر وأعمق، فالفراغ الذي تركه كل من جيهان بلكين وناظم دشتان ليس جرحاً، بل نداء يدعونا إلى الحقيقة والجمال. واليوم، بعد مرور عام، ما زلنا نستحضر رفاقنا، وبالتمسك بكاميراتهم، بكلماتهم، وبإيمانهم، نواصل السير على دربهم.

نسير خلفهم، على خطى دربهم، فيما يستمر قلمنا في الكتابة، وسيظل يكتب.