احتجاجات المعلمين تكشف هشاشة الحكومة السورية المؤقتة
في سوريا لا تزال المؤسسات التربوية التابعة للحكومة المؤقتة التي يديرها جهاديي هيئة تحرير الشام، عاجزة عن تلبية أبسط مطالب كوادرها فيما تتحول السياسات الإدارية إلى أدوات إقصاء وتفكيك، لا إلى جسور للعدالة والاستقرار.

مركز الأخبار ـ بين احتجاجات المعلمين في الشمال وقرارات الفصل والنقل في الساحل، تتكشف أزمة ثقة متجذرة، تعكس فشل الحكومة المؤقتة في بناء نموذج إداري عادل، وتطرح تساؤلات حادة حول دوافع التمييز وغياب الشفافية، وتسييس الوظيفة العامة في لحظة حرجة.
في مشهد يعكس تصاعد التوترات الاجتماعية والإدارية في سوريا، تتوالى التحركات الاحتجاجية في القطاع التعليمي، لاسيما في مدن الساحل السوري وحلب، وسط قرارات فصل جماعية ونقل تعسفي أثارت موجة من الغضب والاستياء بين المعلمين والموظفين.
الاحتجاجات تتجدد في ظل وعود متعثرة
منذ إعلان "نقابة المعلمين السوريين الأحرار في شمال سوريا" عن وقفة احتجاجية جديدة أمام مديرية التربية في حلب التابعة للحكومة المؤقتة التي يديرها جهاديي هيئة تحرير الشام، بدا أن الأزمة التعليمية في المنطقة تدخل مرحلة أكثر حدة، فالمطالب التي رفعها المعلمون منذ أشهر، وعلى رأسها التثبيت الوظيفي، إعادة المفصولين، وتحقيق العدالة في الرواتب، لم تلق استجابة فعلية رغم مرور عشرة أشهر على ما وصفته النقابة بـ "تحرير المناطق من النظام السابق".
كما أن البيانات الرسمية الصادرة عن مديرية التربية والتي تؤكد استمرار صرف الرواتب ودراسة طلبات النقل، لم تكن كافية لتهدئة المعلمين، فشهادات من داخل المدارس تكشف عن واقع يومي مثقل بالإحباط والتحديات، حيث تتحول الوعود إلى عبء نفسي يزيد من هشاشة العملية التعليمية.
الاحتجاجات في حلب ليست وليدة اللحظة، بل امتداد لحراك بدأ منذ أشهر، وشهد مظاهرات في ساحة "سعد الله الجابري" وإعزاز وعندان ودارة عزة، ما يعكس عمق الأزمة البنيوية في القطاع التربوي، ويضع مديرية التربية أمام اختبار حقيقي في قدرتها على استعادة الثقة ومعالجة الملفات العالقة.
قرارات فصل ونقل تثير مخاوف من التمييز
بالتوازي مع احتجاجات المعلمين في الشمال، شهد الساحل السوري موجة قرارات فصل جماعية طالت نحو 600 موظف منذ مطلع تشرين الأول/أكتوبر الجاري، معظمهم من الطائفة العلوية، وفق تقارير المرصد السوري لحقوق الإنسان، هذه الإجراءات التي وُصفت بأنها تعسفية وغير مبررة جاءت في وقت تعاني فيه المنطقة من تدهور اقتصادي ومعيشي حاد، ما ضاعف من وقعها على المجتمعات المحلية.
وفي طرطوس، أدى فصل جميع العاملين في محطات ضخ المياه إلى توقف شبه كامل لإمدادات المياه في عدة قرى، بينما شملت قرارات أخرى فصل مئات الموظفين من مؤسسة البناء، بلدية اللاذقية، ومعمل الغزل والنسيج في جبلة، ما أثار جدلاً واسعاً حول خلفيات هذه الخطوات وتداعياتها على التوازن الاجتماعي.
الأكثر إثارة للقلق كانت قرارات نقل أكثر من 108 معلمين من بانياس إلى مناطق توصف بـ "الحساسة أمنياً وطائفياً"، مثل قلعة المرقب، ما دفع مراقبين إلى التحذير من أن هذه التحركات قد تحمل طابعاً عقابياً وتمييزياً، يهدد بتفكيك الكوادر المحلية ويزيد من هشاشة النسيج الاجتماعي في الساحل السوري.
أزمة الثقة تتعمق
ما يجمع بين مشهد حلب والساحل هو شعور متزايد بالخذلان من قبل المؤسسات التابعة للحكومة المؤقتة، وغياب آليات فعالة لمعالجة الأزمات المتراكمة، فالمعلمون يطالبون بحقوقهم المهنية بينما الموظفون في الساحل يواجهون قرارات فصل ونقل تهدد استقرارهم الوظيفي والاجتماعي.
في ظل هذه المعطيات تبدو الدعوات لفتح تحقيقات شفافة ومحاسبة المسؤولين على التجاوزات أكثر من مجرد مطالب إدارية؛ إنها دعوة لاستعادة الحد الأدنى من العدالة والكرامة في مؤسسات الدولة، وضمان ألا تتحول السياسات الإدارية إلى أدوات إقصاء وتفكيك في وقت تحتاج فيه البلاد إلى التماسك أكثر من أي وقت مضى.