رغم الصراع... النساء السودانيات تتحدين واقعهن بممارسة الرياضة

رغم الصراع المستمر في السودان والذي أثر سلباً على الرياضة النسائية في البلاد بسبب الظروف الصعبة التي تعيشها المجتمعات والأفراد نتيجة الأزمات والنزاعات، إلا أن النساء مستمرات في ممارسة هوياتهن بروح التحدي.

ميرفت عبد القادر

السودان ـ لم تُعرف الرياضة النسائية في السودان إلا قبل سنوات قليلة مضت، إذ لم تكن تسمح الأنظمة الحكومية السابقة والأعراف بممارسة النساء للرياضة باستثناء السباحة وكرة السلة وكانت تقام بأماكن مغلقة ولا يسمح لها بالظهور للإعلام حيث كانت تشارك النساء في المنافسات الخارجية في المجالات الرياضية على نفقتهن الخاصة وباسمهن لا باسم بلدهن.

انطلق أول نشاط لكرة القدم النسائية في السودان، عام 2001 بتأسيس فريق التحدي ضمن جامعة الأحفاد، ثم انضمت إليه الأندية التي بدأت حينها بإدخال كرة القدم النسائية إلى جانب النشاط الرياضي النسائي.

ووسط انقسامات في آراء المجتمع السوداني بين القبول والرفض والذي تسبب بدوره في عدة قضايا وبلاغات بين المجموعات النسائية ورجال الدين المتشددين الذين رفضوا الأمر ونادوا بعدم ممارسة النساء للرياضة.

تقول الحكمة الدولية هنادي محمد علي إن "الرياضة النسائية في السودان تواجهها العديد من الصعوبات والتحديات، فبعض المناطق والقبائل في السودان لا تسمح للمرأة بممارسة الرياضة ولا إنشاء أندية للرياضة النسائية بها، لذلك كانت كل الأنشطة الرياضية محصورة بالعاصمة الخرطوم، وفي فترة ما قبل الصراع بدأت الرياضة النسائية في التوسع والانتقال إلى بعض الولايات التي سمحت بقيام الأندية فتم إنشاء أكثر من 20 فريق نسائي بعدد من مدن السودان المختلفة".

وأكدت أن الصراع أثر بطريقة مباشرة على القطاع الرياضي في السودان، ودمر دور الرياضة وجعل مقراتها سكناً لـ "قوات الدعم السريع" واستحال مباشرة النشاط الرياضي بالسودان في جل مدنه، إلا القليل من المدن وتقدر بحوالي 4% فقط من مدن أو ولايات البلاد.

 

 

أما السباحة هناء علي النور فتقول إن "الرياضة النسائية في السودان سابقاً كانت تواجهها بعض المشاكل والمعوقات من المجتمع ولكن استطاعت المرأة التي تمارس الرياضة، من تغيير نظرة المجتمع لها وتغيير مفاهيمه تجاه الرياضة النسائية وتقبلها".

وترى أنه بالرغم من أن الصراع منذ بدايته أوقف النشاط الرياضي النسائي نسبة لعدم الأمن والأمان، إضافة إلى تمركز الأندية والاتحادات بالعاصمة الخرطوم، إلا أن بعض النساء اللواتي انضممن إلى المجالات الرياضية استطعن إكمال مشوارهن وممارسة النشاط الرياضي خارج السودان وعبر المناطق الآمنة.

 

 

أول دوري للسيدات في السودان

في عام 2016، تم تنظيم أول دوري لكرة القدم النسائية بعد أن وافق الاتحاد السوداني لكرة القدم بالسماح بتسجيل الفرق في الاتحادات المحلية، وتم تسجيل 18 فريقاً وإقامة ورش لتأهيل الحكمات، وتدريب 38 من خريجات التربية المدنية لمدربات.

وبعد ثورة ديسمبر 2019 التي أطاحت بنظام الإسلاميين في السودان وفي فترة حكومة الثورة المدنية تم الإعلان عن أول دوري لكرة القدم النسائية كبطولة معتمدة رسمياً لدى الاتحاد السوداني لكرة القدم والاتحاد الدولي لكرة القدم، وتم تعيين ولاء البوشي وزيرة لوزارة الشباب والرياضة واختيار الصحفية الرياضية ميرفت حسين رئيسة لجنة كرة القدم للسيدات بالاتحاد العام لكرة القدم السوداني حيث أُقيم أول دوري لكرة القدم للسيدات وتم نقلها عبر القنوات المحلية ووسائل الإعلام وسُمح بالحضور للجمهور من الجنسين داخل الملعب.

 

تأثير الصراع على النشاط الرياضي النسائي

أثر الصراع بشكل عام على جميع النشاطات في السودان بعد أن تم تدمير الملاعب واضطرت اللاعبات والمدربات للهجرة خارج البلاد أو النزوح للمناطق الآمنة، وتوقفت الحكومة عن دعم النشاط الرياضي النسائي، الأمر الذي أدى لاضطرار اللاعبات السودانيات للاحتراف بالفرق والمنتخبات الخارجية عربياً وأفريقياً لمواصلة نشاطهن وممارستهن للرياضة.

قالت الصحفية الرياضية وعضوة الاتحاد الدولي للصحافة الرياضية ناهد بشير الباقر إن "الصراع في السودان ترك آثاراً عميقة على الرياضة النسائية، حيث تسبب في نزوح العديد من اللاعبات من مناطقهن الأصلية، مما أدى إلى تشتت الفرق وصعوبة تجمعهن للتدريب والمشاركة في البطولات".

وأضافت أن اللاعبات تواجهن تحديات كبيرة في الوصول إلى الملاعب والمرافق الرياضية، حيث تضررت البنية التحتية بشكل كبير بسبب الصراع، فضلاً عن نقص الدعم المالي والمعنوي، مما يؤثر سلباً على أدائهن الرياضي ويحد من فرصهن في تحقيق النجاح.

وناشدت ناهد الباقر المجتمع الدولي والمنظمات الرياضية لتقديم الدعم اللازم لهؤلاء اللاعبات، لضمان استمرارية الرياضة النسائية في السودان وتوفير بيئة آمنة تمكنهن من التدريب والمنافسة، لافتةً إلى أن الرياضة النسائية كانت دائماً مصدر فخر وإلهام للسودانيات، ولكن الصراع جعل من الصعب على اللاعبات الاستمرار في ممارسة الرياضة وتحقيق أحلامهن في ظل هذه الظروف الصعبة.

أما الصحفية الرياضية بدرية عبد الحفيظ فقالت إن الرياضة النسائية تواجه صعوبات كبيرة في ظل الصراع القائم في البلاد والذي بدوره يؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على مختلف جوانب الحياة بما في ذلك الرياضة.

ولفتت إلى أن عدد كبير من أندية السيدات تواجه صعوبات مالية ولوجستية نتيجة للصراع، إضافة إلى الضرر الكبير الذي لحق بالبنية التحتية الرياضية، مما يؤثر سلباً على مستوى الأداء والتطوير الفني للفرق خاصة وأن المنتخب النسائي في طور الإعداد للبطولات، وأن أول مشاركة لهن كانت كأس العرب للسيدات بالقاهرة, وخسرن بعدد كبير من الأهداف وغادر المنتخب السوداني البطولة من أدوارها الأولى وكان هذا متوقعاً بصفته منتخب وليد والرياضة النسائية وكرة القدم بصفة خاصة تعتبر دخيلة على المجتمع السوداني.

 

بوارق أمل

رغم الصراع المستمر في السودان الذي دمر كل شيء بما فيها القطاعات الرياضية والأندية، إلا أن القطاع الرياضي النسائي مازال مستمراً في كفاحه وحربه من أجل تطوير الرياضة النسائية، حيث قامت مسؤولة الرياضة النسائية في الاتحاد منال علي البشرى بإقامة معسكر إعدادي في إثيوبيا استعداداً للاستحقاقات الأفريقية وأهمها أمم أفريقيا للسيدات.

الأمر الذي اعتبرته الصحفية بدرية عبد الحفيظ تحدياً كبيراً يعكس قوة وإرادة  النساء وتحديهن للصعاب، مضيفةً أن المرأة السودانية قادرة على تخطي كل الصعوبات في طريق نجاحها. ففي فترة الصراع هذا استطاعت السباحة رنا هاني من المشاركة في منافسات أولمبياد باريس، وشاركت عرفة المبارك في سباق الدراجات.