وضع الصحافة في إيران وشرق كردستان

تواجه الصحفيات الكرد العديد من العقبات في إيران وشرق كردستان، منها السياسات العامة للجمهورية الإسلامية، والرقابة الزائدة على الأنشطة وقلة أعدادهن.

ميديا روجهلاتي

يرى العديد من المحللين الإيرانيين في انتفاضة Jin Jiyan Azadî نقطة تحول في تاريخ هذا البلد، فقد غيرت هذه الانتفاضة المشهد السياسي في إيران بشكل واضح، لقد تقلصت إلى حد كبير احتمالية إجراء إصلاحات في النظام السياسي لجمهورية إيران الإسلامية حتى بين مؤيدي السلطة، وكانت إحدى العواقب المباشرة للانتفاضة الشعبية هي عسكرة مختلف القطاعات من السياسة إلى الإعلام خاصة في شرق كردستان.

وفي الوقت نفسه، كان شعار Jin Jiyan Azadî المتجذر بعمق في الحركة التحررية لحركتنا والشعب الكردي، حكراً على الوسطيين الإيرانيين داخل إيران وخارجها، وقد خلق ذلك عقبات كبيرة أمام رفع صوت الأقليات وخاصة الكرد. وكذلك الانقسام الداخلي في التوجهات السياسية للأحزاب الكردية، بالإضافة إلى عدم وجود منصة إعلامية قوية ومتعددة الأوجه فعالة، وقادرة على العمل من أجل تنفيذ وتمكين أيديولوجيةJin Jiyan Azadî.

هذا التقرير الموجز، الذي يصف الفترة من أيلول/سبتمبر 2022 إلى وقت حكم مسعود بزشكيان، هو نتيجة مناقشات مع الناشطات الإعلاميات في إيران وكردستان، وهو لا يقدم بيانات عن وضع وسائل الإعلام في هذه المناطق فحسب، بل يسلط الضوء على الدور الرئيسي للمرأة، وينتهي التقرير بتوصيات تهدف إلى تعزيز حركة الحرية مع التركيز على قيادة ومشاركة المرأة.

 

انتفاضة Jin Jiyan Azadî وأثرها على الإعلام

خلقت الانتفاضة التي بدأت في شرق كردستان تحت شعار Jin Jiyan Azadî ثم انتشرت في جميع أنحاء إيران مشكلة غير مسبوقة للحكومة الأبوية الدينية في الجمهورية الإسلامية، وبالإضافة إلى الممارسات القمعية مثل الاعتقالات والاحتجازات واسعة النطاق، واستهداف السلطات وسائل الإعلام بوحشية رهيبة من خلال حجب الإنترنت وعرقلة الصحف والمواقع الرسمية بشدة.

وبعد الانتفاضة، تم اعتقال ما لا يقل عن 62 صحفياً، من بينهم 24 امرأة، كجزء من حملة ممنهجة لإسكات المعارضة، ويعد هذا اعتقالاً كبيراً مقارنة باعتقال 47 صحفياً في عام 2009 من بينهم 4 نساء فقط، ومع تزايد عدد الاعتقالات في إيران، صُنف هذا البلد إلى جانب دول مثل الصين وميانمار وتركيا وبيلاروسيا كواحدة من أكثر الأنظمة قمعاً للصحفيين في العالم.

ومن خلال السيطرة على دخول وخروج العلماء وخنق وقمع الأصوات الصحفية، حاولت الجمهورية الإسلامية ليس فقط تطبيع كل شيء، ولكنها حاولت أيضاً ترسيخ خطابها السابق حول الإسلام وإيران وحقوق المرأة وإنشاء دولة قومية بشكل أكبر، وعلى الرغم من هذه العقبات فإن روح مقاومة Jin Jiyan Azadî وخاصة بين النساء والمقاتلين الكرد الذين يناضلون من أجل تغيير النظام، لا تزال مستمرة مثل صرخة المقاومة.

ووفقاً للتقارير التي أكدتها لجنة حماية الصحفيين (CPJ)، فإن الإجراءات الانتقامية التي اتخذتها السلطات الإيرانية بعد انتفاضة Jin Jiyan Azadî استهدفت بشكل غير عادل الكرد والصحفيين، وخلال تلك الفترة، تم اعتقال ما لا يقل عن 9 صحفيات كرد. وفي تقرير غير منشور لعام 2023 في إيران، تم توثيق 226 حادثة قمع إعلامي. من بينها 144 قضية قانونية ضد الصحفيين، و102 اعتقال ومحاكمة، و42 أمر استدعاء للإدلاء بإفادات، ولا تشمل هذه المعلومات الأشخاص الذين تمت دعوتهم بشكل مؤقت للتحقيق معهم في مراكز المخابرات الإيرانية، وبحلول نهاية عام 2024 تم سجن ما لا يقل عن 12 صحفية بسبب عملهن الإعلامي.

ومن بينهم إلهه محمدي، ونيلوفر حمدي، اللتان قامتا بالكشف عن مقتل الشابة الكردية جينا أميني على يد السلطات من خلال كتابة تقاريرهما، ومن أجل تلقي العلاج تم إطلاق سراح هاتين الصحفيتين مؤقتاً مقابل مبلغ كبير من المال، كما تم اعتقال الصحفية والناشطة الكردية مدرس كورجي من مدينة سنه منذ شهرين، ثم خففت عقوبتها البالغة 21عاماً إلى عامين، وفرت صحفية كردية أخرى هي نازيلا معروفيان إلى باريس في أيلول/سبتمبر 2024 بعد إطلاق سراحها من سجن أفين، بسبب الضغط المستمر من قوات الأمن الإيرانية.

وتسلط هذه الاعتقالات واسعة النطاق، وفرض العقوبات الكبيرة على الصحفيين، والجلد، والمنع من ممارسة المهنة، وشروط الكفالة القاسية، الضوء على تصميم والتزام السلطات الإيرانية بإسكات المعارضة، ومن ناحية أخرى فإن استهداف الصحفيات يكشف عن محاولة ممنهجة لقمع أصوات النساء، إن الاعتقالات واسعة النطاق والوحشية والملاحقات القضائية القاسية تثبت تصميم طهران على إغلاق جميع قنوات نشر المعلومات المستقلة وفي الوضع الحالي، لا يُسمع الصوت الحر في وسائل الإعلام الإيرانية.

 

دور القوات الأمنية في حجب وقمع الإعلام

تشير منظمة الاستخبارات التابعة للحرس الثوري الإسلامي، ووزارة الاستخبارات (الأذرع الأمنية الرئيسية للجمهورية الإسلامية) إلى الصحفيين، وخاصة النساء، على أنهم "عملاء تجسس غربيون" وتبرر معاقبتهم واعتقالهم بمثل هذه التهم والجرائم، وفي هذه الأثناء غالباً ما تتهم المخابرات الإيرانية الصحفيين الكرد على وجه الخصوص بالارتباط والتواصل مع الأحزاب السياسية الكردية أو بالأنشطة الانفصالية، وهذا أيضاً هو حجة لقسوة وكالة الاستخبارات الإيرانية ومخابرات البلاد، ويتجلى هذا القمع الممنهج بشكل أكبر في شرق كردستان، حيث يسيطر جهاز استخبارات الحرس بشكل كامل على الوضع في كردستان.

 

تهميش وتحييد التمثيل الكردي في الإعلام

منذ كانون الثاني/يناير 2022، تحاول وسائل الإعلام الإيرانية المؤيدة للدولة والمعارضة على حد سواء، الحد من مشاركة الأصوات الكردية في الانتفاضة الشعبية في إيران، كما يريدون وصف شعار Jin Jiyan Azadî بأنه شعار إيراني، وهذا هو التدمير المتعمد لمحاولة التغيير. إن استراتيجية تدمير تأثير الحركة الكردية في تشكيل اتجاه الحركات السياسية والثورية وبين المواقف الإيرانية قوية للغاية.

من ناحية أخرى، في عام 2024 زاد القمع الإعلامي، وصنفت منظمة مراسلون بلا حدود إيران في المرتبة 176 من بين 180 دولة من حيث حرية الصحافة، وتلتها كل من سوريا، كوريا الشمالية، أفغانستان، وإريتريا، وعلى الرغم من هذا الوضع تستمر المقاومة بطرق أخرى.

لقد أعادت البيئة القمعية في إيران تشكيل المشهد الإعلامي بشكل جذري مع عدة عواقب رئيسية وهي: الدعم الخارجي بالإضافة إلى أن وسائل الإعلام المحلية تواجه رقابة شديدة، تتجه الجماهير بشكل متزايد إلى متابعة وسائل الإعلام خارج إيران للحصول على أخبار موثوقة، تراجع الصحافة المحلية، حيث أدى انتشار الإنترنت إلى ضعف نشر الصحف والمجلات الورقية بشكل كبير، بالإضافة إلى عمل وسائل التواصل الافتراضي كمركز إخباري، تعمل منصات مثل Instagram التي لم يتم حظرها بعد في إيران  كمصادر رئيسية للمعلومات، ويتبعهم Telegram و Facebook و X حيث يتم نشر صحيفتين أسبوعيتين فقط بشكل غير منتظم في مدينة سنه، كما أن مشاركة المرأة في هذه المنشورات منخفضة أيضاً.

إلى جانب الصحافة السرية حيث تعاونت العديد من الصحفيات سراً مع مواقع إلكترونية باللغة الفارسية لكسب المال، كما تطورت وسائل الإعلام المحلية، في حين تزايدت القنوات الإخبارية المحلية على منصتي تيليغرام وإنستغرام في المدن الكردية، إلا أن أصوات النساء لا تزال مهمشة في هذه المنصات.

 

النشاط الإعلامي النسائي

تعمل الناشطات الإعلاميات في شرق كردستان إلى حد كبير بشكل سري، بسبب القمع الواسع النطاق الذي تمارسه الجمهورية الإسلامية عليهم، ومعظم الأخبار حول إيران وكردستان التي تعدها هؤلاء النساء من خلال الوكالات الفارسية، وتعد nuJINHA مصدر عظيم لعمل وجهود المرأة، وكذلك لمتابعيها.

وبالإضافة إلى ما ذكر تعمل بعض الناشطات الإعلاميات في الفضاء الإلكتروني والمواقع والقنوات الإيرانية مثل Adalat Baraye Îran، Medrese Forux، Bidar Zanî، Asso، Radyo Zamaneh. وغالباً ما يتم دعمهم مالياً من قبل أمريكا والمؤسسات الغربية الأخرى، ويضمن الدعم المالي الإضافي عمل هؤلاء الناشطات في هذه المنصات الإعلامية، ومن ناحية أخرى فإن هؤلاء الصحفيات الكرد تتفقن مع سياسات هذه المنصات الإعلامية مثل سياساتها وأعرافها، وغالباً ما تقوم هذه المؤسسات بتمويل النساء لدعم الحملات داخل إيران وبنفس الطريقة، شجع الدعم المالي المكثف من هذه المؤسسات الخارجية بعض الناشطات الإعلاميات الكرد على الانتقال إلى النشاط السياسي واستكمال حملاتهن الإعلامية بأنشطة اجتماعية واسعة النطاق، على سبيل المثال خلال الحملة الواسعة ضد قانون الإجهاض في إيران، قام بعض النشطاء بتوزيع حبوب الإجهاض بشكل غير قانوني والتحايل على القوانين الإيرانية.

وفي كثير من الحالات، يؤدي هذا الدعم المالي المقدم لهؤلاء الناشطات إلى جعل العديد من النساء العاملات تظهرن طوعاً قيم رعاتهم الماليين، ولذلك فإن مشاركتهن في "الثورة النسائية" ليست من منظور هوية الكرد ونضالهم، بل يظهر نفسه في سياق السرد الواسع للدولة القومية في إيران وفي الوقت نفسه، تتعاون بعض الناشطات الإعلاميات الكرد مع إعلام الأحزاب السياسية المنافسة للحركة، هذه النقاط القليلة تدفعهم إلى تحريف وجهات نظرنا ومواءمتها مع أجندات تلك الأطراف.

وتواجه الصحفيات الكرد العديد من العقبات في إيران، منها السياسات العامة للجمهورية الإسلامية، وزيادة الرقابة على الأنشطة الكردية وقلة عددهن في شرق كردستان. هذه الصعوبات حالت دون إنشاء منظمات مستقلة أو تفعيل صوت المرأة في شرق كردستان، وبسبب القيود الاقتصادية اضطر العديد من الصحفيين المحترفين في شرق كردستان إلى التعاون مع المواقع الأجنبية، ومن ناحية أخرى فإن التعاون مع الموقع الإلكتروني ووسائل الإعلام التابعة للمنظمة يحمل مخاطرة شخصية كبيرة، وقد تم تأكيد ذلك في المناقشات مع العديد من هؤلاء الصحفيين، وبسبب هذه الظروف تتعاون بعض النساء الكرد مع الأحزاب السياسية المنافسة للحركة.