نساء تونس تتحدين ظلمة الأمية وتتخلصن من براثنها

خيمت ظلمات الأمية وشبحها على الكثير من دول العالم، ارتبطت بالفقر وانعدام فرص التعليم وانخفاض الوعي وكثرة الحروب والصراعات، لتشكل النساء نسبة كبيرة منها عشن سنوات طويلة من الجهل.

إخلاص الحمروني

تونس ـ أكدت النساء اللواتي تخضعن لدورات محو الأمية في تونس أنهن عشن سنوات طويلة تعانين من عدم التمكن من القراءة والكتابة، وهو ما دفعهن للتسجيل في تلك الدورات حتى تغيرن واقعهن، وتستطعن التغلب على جميع الصعوبات.

ما كادت كريمة خلف الله تنهي جزءاً يسيراً من أعمالها المنزلية المتراكمة حتى ارتدت معطفها وغطت رأسها بوشاح أحمر، ثم سارت مسرعة حتى وصلت مركز محو الأمية القائم في مدرسة المنجم الذي تقصده عشرات النساء والفتيات بهدف التخلص من شبح الأمية، ولم تكن تعتقد يوماً أن تصل إلى حلمها في تعلم القراءة والكتابة وقد تقدم بها العمر أشواطاً، إلا أنها تبدو فخورة بالجلوس على مقاعد الدراسة في تلك السن، فهي واحدة من آلاف التونسيات اللواتي تعانين من الأمية.

تقول كريمة خلف الله البالغة من العمر 55 عاماً "دخلت المدرسة في سن متأخرة، وبحكم نشأتي في بيئة ريفية، كان التعليم فيها حكراً على الذكور فانقطعت عن التعليم في السنة الثانية، وبعد سنوات طويلة قررت أن أعود للدراسة لأتعلم القراءة والكتابة وتعلم مهارات جديدة".

 

"لا أريد أن أكون أمية"

كما تذهب عانس السالمي كل يوم إلى ذات المركز ساعيةً وراء حلم الدراسة والتعلم، تدخل قاعة الدرس وتجلس في الصف الأول وتفتح بلهفة كتاباً قُدم لها وكراساً كُتب عليها اسمها، رغم أنها لا تعلم ما الذي نُسخ داخل الكتاب ألا أنها تصر على تصفحه بشغف كبير، وتقول "انقطعت عن الدراسة في العام الثاني نتيجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي كنا نعاني منها، التي منعتني من الاستمرار في التعلم والدراسة، عشت طيلة 35 عاماً في ظلمة الأمية والإحساس بالعجز على مساعدة أبنائي في إعداد وظائفهم المدرسية".

وأوضحت أنها لن تنسى ذلك اليوم عندما ذهبت إلى المشفى لمعالجة طفلها "لم أتمكن من معرفة اسم الطبيب والقسم المخصّص لعلاجه وعند سؤالي لأحد الأشخاص، أجابني بلا مبالاة وباستعلاء الاسم مكتوب بالعريض على الورقة"، مضيفةً "منذ ذلك الوقت شعرت بالحزن الكبير على وضعي، ما ولد لدي رغبة كبيرة في التعلّم حتى أتمكّن من مساعدة أطفالي في انجاز أي تمرين أو قراءة ما يعلق على اللافتات في الأسواق والمستشفيات والمراكز العامة".

وأشارت إلى أنها كلما أرادت التنقل من مكان إلى آخر تواجه الكثير من الصعوبات، فتجبر دائماً على السؤال عن أسماء الأماكن التي لا تستطيع تحديدها، البعض منهم يجيبها بأدب ويدلها على وجهتها، لكن تتعرض أحياناً لمواقف حيث ينظر إليها بازدراء ولا يجيبها أحد وهذا ما يؤلمها كثيراً.

 

ريح بالحاج مبروك هي الأخرى تعاني مثل جميع النساء اللواتي لا تستطعن القراءة والكتابة، تؤكد أّن انضمامها إلى هذا المركز فرصة كبيرة لها يجب عليها الاستفادة منها قدر المستطاع، ليتغير واقعها نحو الأفضل، وتستطيع التغلب على جميع الصعوبات التي تواجهها "لم أذهب إلى المدرسة قط، ولم أتمكن من التعلم يوماً لا قراءة الحروف ولا حتى الأرقام، عندما سمعت أنه تم افتتاح دورة محو الأمية انضممت لها وبدأت الدراسة، اليوم تحسن مستواي التعليمي كثيراً، تعلمت مبادئ القراءة والكتابة وبعض المهارات الأخرى كذلك".

وبدروها أوضحت مُدرسة تعليم الكبار جمعة بوقرة بأنّ الفئة المستفيدة من هذه الدورات هن النساء اللواتي تعانين من نقص في الإمكانيات المعرفية والمهاراتية أي لا تعرفن القراءة والكتابة "التحقت بالتدريس في هذه الدورة منذ عام 2015 كما قمت بالتدريس في العديد من المراكز على غرار مراكز تعليم الكبار، وعموماً تم بعث البرنامج الوطني لتعليم الكبار حتى يستفيد كبار بالسن منها وخاصةً النساء الأميات اللواتي تمثلن حوالي 25% وفقاً لبيانات وزير الشؤون الاجتماعية في تونس، من أجل تحريرهن رسمياً من الأميّة من خلال برنامج موحد يدوم لمدة عامين تكون المرحلة الأولى منها المرحلة الأساس ويجري نهاية العام امتحان جهوي، أما المرحلة الثانية هي مرحلة التكميل تقدم امتحان وطني يعطى للناجحين فيه شهادة التربية الاجتماعية".

أما من الناحية النفسية يعتبر هذا البرنامج "فرصة للنساء المنتفعات من الدورات حتى تصبحن مدعومات نفسياً وتكتسبن الثقة في النفس والاعتماد على الذات والاستقلالية المادية وتتحولن إلى صاحبات أهداف تطمحن إلى تحقيقها كما أنّ نجاحهن في الدراسة ونيل الشهادة سينعكس إيجاباً على تعاملهن مع أطفالهن من حيث التربية والتعلّم".