من القمع إلى الإرادة الحرة... سمية رسولي تعيد بناء ذاتها
سميّة رسولي عاشت سنوات من القمع، قبل أن تواجه واقعها وتستعيد حريتها رغم الصعوبات، بدأت بناء حياة جديدة لنفسها ولابنها، معتمدة على قوتها الداخلية وإرادتها في كسر القيود التي كبلتها طويلاً.
نيان خسوري
سنه ـ نساء كثيرات عانين طويلاً من هيمنة السلطة الذكورية، لكنهن لم يعدن يقبلن حياة تشبه الأسر، فبدأن يطالبن بوجود حر يليق بكرامتهن الإنسانية، من بينهن سمية رسولي، التي خضعت إرادتها لسنوات لسطوة رجال عائلتها، غير أنها اليوم تواجه بشجاعة كل القيود التي حاولت محاصرتها.
تقول سميّة رسولي إنه "قبل سنوات كنتُ شابة مفعمة بالحيوية والشغف، أكتب كثيراً وأدرس الأدب في الجامعة، وأتخيّل نفسي دائماً كاتبة عظيمة، كنت فتاة هادئة أعبر عن كل ما أشعر به على الورق، وأشارك في المحافل الأدبية حيث حظيت كتاباتي بالإعجاب"، مضيفةً "نشأتُ في عائلة تقليدية ومتديّنة، ترغب أن أتزوج مبكراً مثل باقي شقيقاتي، تابعت دراستي الجامعية بعد جهد وإصرار طويل، يردد أفراد عائلتي دائماً "ما حاجة الفتاة إلى الشهادة إذا كان مصيرها الزواج؟ كنت أخشى لحظة تخرّجي، لكن ربما لهذا السبب كنت أستمتع بكل لحظة من حياتي الجامعية".
وتساءلت "كيف يمكن لأسرة، وهي أول مؤسسة يولد فيها الإنسان وينمو، أن تسعى إلى تدمير أحلامه وخياله؟! بالنسبة لي لم تكن العائلة مكاناً آمناً، بل سجناً له حرّاس معادون للنساء. لم أشعر بالأمان فيها يوماً، وكان الهروب منها أمراً مستحيلاً".
وأضافت "بعد الجامعة كنت أريد التقدّم لمرحلة الماجستير، لكنني واجهت معارضة شديدة من والدي، حتى أخي الأصغر وقف إلى جانبه، معتبراً أن استمراري في الدراسة نوع من عدم الاحترام للمؤسسة المقدسة التي يسمّونها العائلة، لم يكن أمامي سوى طريقين للهروب، إما أن أغادر المنزل بلا أي دعم مادي وأترك مصيري للمجهول، أو أن أتزوج على أمل أن أجد رجلاً آمناً".
وأشارت إلى أن الخيار الأول كان مستحيلاً "خوفي من الوحدة ومن قسوة المجتمع كان يطاردني، في ذلك الوقت لم يكن بإمكان الفتيات العيش بمفردهن، وكان يُنظر إليهن كـ "هاربات"، لذلك فضّلت البقاء في ذلك السجن، وخضعت لرغبة العائلة وتزوجت الرجل الذي اختاروه لي، كنت آمل أن يكون أكثر تفهماً من عائلتي، لكن ذلك كان وهماً، فقد كان رجلاً يشبه والدي، بل يملك شعوراً أكبر بالملكية وسلطة أعلى".
وتابعت "مع الزواج اضطررتُ إلى توديع كتبي وأحلامي وأصدقائي، وسلمتُ نفسي لما يخبئه القدر، مرّت السنوات، وتحولتُ إلى أم يُنتظر منها أن تبقى في المطبخ وأن تحافظ على هدوء البيت، بينما كنتُ أنا خالية من أي هدوء أو رضا، استطاع رجال العائلة أن ينتزعوا مني واقعي، لكنهم لم يقدروا على سلب خيالي، كنت أغوص ليلاً في عوالم أحلامي، وأتمنى لو أستطيع أن أضيع بين كلماتي وكتبي، بعيداً عن واقع فُرض عليّ بقوة الرجال، عقل المرأة لا يمكن تقييده أو سجنه، وهذا التحرر الداخلي هو ما منح جسدي أيضاً فرصة للانعتاق".
وبعد عشرة أعوام من الأسر داخل سجن العائلة، قررت سميّة رسولي أن تحرّر نفسها من كل القيود التي كبّلتها "كنت أعلم أن الطريق شاق، لكن رغبتي في تحويل أحلامي إلى واقع كانت أقوى من الخوف"، موضحةً "ما زلت أشعر بثقل تلك السلاسل، لكن ذلك لم يعد يعني شيئاً؛ فقد أدركت أن الإنسان إمّا أن يحيا حراً أو لا يحيا أبداً".
وأضافت "كنتُ أماً حرصت على ألا ينشأ ابني مثل كثير من الرجال من حولنا؛ ربّيته إنساناً حراً يؤمن بالمساواة، علّمته ألا يجعل الحياة مستحيلة على النساء، وألا يكرر ما فعله الآباء والإخوة والأزواج الذين سلبوا النساء حقوقهن"، مؤكدةً أنه "لم يكن شغفي بالتحرر من أجلي وحدي، بل من أجله أيضاً، حتى لا يُعاد إنتاج تلك العقلية المتسلطة، فهؤلاء الرجال لا يدمّرون النساء فقط، بل يضرّون مجتمعاً بأكمله، لأن الفكر الذي يحكمهم فكر ضيق ومخرّب".
ورغم كل الصعوبات وما بدا مستحيلاً، تمكنت أخيراً من بدء إجراءات الطلاق، حيث قالت "استغرق الانفصال وقتاً طويلاً بسبب ما تعرضت له من أذى وإساءة، لكنني في النهاية نجحت وانتشلت نفسي من ذلك الجُبّ العميق"، مضيفةً "استأجرتُ بيتاً صغيراً بما ادخرته، ووجدت عملاً مؤقتاً يعينني على البدء من جديد".
وعن حضانة ابنها، أوضحت أنها لم تحصل عليها "القانون لم يكن في صالحي، فقبلت بالزيارات الأسبوعية، كنت قد ربّيت ابني بطريقة تجعله قادراً على تقبّل هذا الانفصال والعيش مع لقاءات محدودة، وبرغم صغر سنه، أدرك أن هذا القرار كان الأفضل لنا، كان واعياً، ثابتاً، وعاقلاً، وهذه الحكمة لم يتعلمها من أبيه الغائب والمتسلّط، بل من امرأة عانت الظلم والألم، لكنها امتلكت قوة خفية مكّنَتها من تربية إنسان حر لا يعيد إنتاج القسوة ذاتها".
وأكدت أنه "بفضل إيماني بالطريقة التي أنشأت عليها نفسي، بدأت أتعلم من جديد كيف أعيش بحرية، كان الأمر صعباً، فسنوات طويلة حُرمت فيها من حق الاختيار، لكن كان عليّ أن أستعيد ثقتي بنفسي خطوة بعد خطوة".
وتابعت "بحثت لأشهر عن عمل يناسبني، ثم استأجرت بيتاً صغيراً بأحلام كبيرة لأبدأ طريقي من جديد، كانت روحي بحاجة ماسة إلى الترميم، أصبحت قادرة على قول "لا" لعائلتي وللرجال من حولي، وهذا الفضل يعود للنساء اللواتي كسرن القيود وفتحن الطريق أمامنا، الآن أعيد بناء نفسي جسداً وروحاً؛ أقرأ، أمارس الرياضة، وأختار العلاقات التي تدفعني للتطوّر، أول ما اشتريته لبيتي الجديد كان مرآة كبيرة؛ مرآة لأواجه نفسي وألتقي بسميّة من جديد، واليوم، أقف أمامها، أرى سميّة بوضوح أكبر؛ ربما أكثر غموضاً مما كانت، لكنها أكثر صدقاً، وما عليّ إلا أن أزيح غبار السنوات عنها لتظهر بكامل قوتها".