لارتفاع أسعارها... نقص الأدوية تفاقم معاناة المرضى في لبنان

تنامت أزمة نقص الأدوية في لبنان في ظل الأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد منذ سنوات، حيث توقف استيراد الأدوية خاصة تلك المخصصة لمعالجة الأمراض المزمنة والمستعصية، ما شكل خطراً على الصحة.

سوزان أبو سعيد

بيروت ـ طالت أزمة نقص الأدوية في لبنان لا سيما أدوية الأمراض المزمنة التي بدأت عام 2020 بسبب احتجاز أموال الشركات المعنية لدى المصارف؛ كافة الفئات العمرية والاجتماعية، خاصةً بعد التوقف عن استيرادها إثر ارتفاع أسعارها، في الوقت الذي نشطت فيه أسواق التهريب وانتشرت الأدوية المزورة في السوق السوداء، وكل ذلك على حساب صحة المواطنين/ات.

وفقاً لنقابة الصيادلة في لبنان فإن الأزمة الاقتصادية وجائحة كورونا، تسببتا في إقفال مئات الصيدليات أبوابها خلال السنوات الأخيرة، وعدد كبير منها باع رخصته لصيادلة آخرين، كما وتوقف موردو الأدوية عن تسليم الدواء لأسباب عدة منها عدم توفير مصرف لبنان الاعتمادات المالية لهم كون معظم أموالهم محجوزة لدى المصارف، فضلاً عن أن بعضها ينتظر المؤشر كي يستطيعوا البيع بسعر أعلى في ظل تذبذب سعر صرف الدولار.

وبادر الصيادلة بإضرابات متعددة شملت كافة المناطق اللبنانية الأسبوع الماضي، احتجاجاً على آلية توزيع الأدوية التي يتبعها الموردون، حيث حرمت المناطق البعيدة عن العاصمة من أدوية عدة، كما توقف الموردون عن تأمين الأدوية بسبب عدم توفير مصرف لبنان تأمين الاعتمادات اللازمة لمستوردي الأدوية.

وعن المصاعب التي يواجهها القطاع الصحي تقول الصيدلانية ستيفاني صليبي "القطاع الصحي من أوائل القطاعات التي تأثرت بالأزمة الاقتصادية في البلاد، ففي ظل ارتفاع سعر الصرف بصورة جنونية، حددت وزارة الصحة أسعار الأدوية والذي تطلب منا الالتزام بها، وهو ما صعب علينا تخزين الأدوية ودفعنا لاستنزاف ما خزن لدينا في السابق"، مشيرةً إلى أن ثمن الأدوية المرتفعة التي يجب دفعها تفوق قدرتهم في ظل عدم وجود مردود مادي وهو ما أدى لإقفال عدد كبير من الصيدليات.

ولفتت إلى أن المواطنين يتنقلون بين أكثر من صيدلية بحثاً عن الأدوية، وسط الخوف من عدم توفرها في المستقبل، فيقدمون على شراء كميات منها، لتتمخض عنها سوق سوداء لبيع الدواء "أكثر ما أثر على القطاع جودة ونوعية الأدوية، فمعظمها مزورة غير مرخصة من قبل وزارة الصحة، حيث يتم بيعها في السوق السوداء بأسعار مرتفعة، بعد شحنها من تركيا بصورة غير مثالية فإما تتعرض للحرارة أو تكون منتهية الصلاحية ويقومون بتزوير تاريخ الإنتاج وانتهاء الصلاحية حتى يسهل بيعها".

وأشارت إلى أن ذلك يؤثر على صحة المرضى "في الآونة الأخيرة بدأنا نواجه مشاكل كبيرة فالكثير من المرضى يدخلون المستشفيات، وعندما يجرون الفحوصات المخبرية يفاجئون بالنتائج، كما أن معظمهم يصابون بالتسمم الدوائي بالإضافة إلى التحسس الدوائي وهو خطر على صحة المريض ومن الممكن أن تتسبب بمشاكل صحية كبيرة"، مشددةً على ضرورة لجوء المرضى إلى شراء الأدوية الأصلية المرخصة أو البديلة عنها التي تحتوي على المواد الفعالة ولكن ربما بنسبة أقل، عوضاً عن استخدام الأدوية الغير موثوقة، بالإضافة إلى التأكد من المواد المستخدمة في صناعة الدواء ومصدرها وجودتها.

 

 

من جانبها قالت الصيدلانية دانا الريس أن للأدوية المهربة آثار سلبية خاصة وأنها غير خاضعة للرقابة من قبل وزارة الصحة، ولم يتم إجراء الاختبارات عليها في المختبرات الطبية للتأكد من أن نسب المواد الفعالة صحيحة، والجرعة كافية، وهو يؤثر بصورة سلبية على القطاع على الصيدليات وشركات الأدوية حيث يصبح هناك خللاً في المصداقية.

ولفتت إلى ارتفاع أسعار الأدوية المرتبط بارتفاع الدولار، دفع بالمرضى إلى تقليل كونه غير قادر على تأمين الأدوية في ظل ارتفاع نسب البطالة، وهو بالتالي من الممكن أن يؤثر على صحته وسرعة التعافي، مشيرةً إلى أن البعض قد يتخلى عن الدواء بشكل نهائي بالرغم من حاجته الملحة لتناوله.

وحول تأثير تلك الأزمة على المرضى وخاصة النساء الحوامل تقول "إن العديد من النساء تستغنين عن تناول الفيتامينات والمتممات الغذائية خلال فترة الحمل التي تستمر تسعة أشهر، بالرغم من أنهن تكن بحاجة ماسة لتناوله خاصةً وإن كان الجنين ضعيفاً، وحتى بعد الولادة لتستطيع تغذية طفلها والحفاظ على طاقتها وصحتها".

وأشارت إلى ان الارتفاع الهائل في الأسعار ضاعف من معاناة النساء اللواتي تعانين من فقر الدورة الشهرية، وهو ما أدى إلى انعكاسات صحية ومشاكل نفسية.

 

 

وأوضحت رئيسة جمعية "سيدات شويت" أنجيل أبو لطيف أنهم نظموا مبادرة "يوم صحي" في قرية شويت في قضاء بعبدا، لتأمين الفحص الطبي والعلاجات وفحوصات مخبرية للمرضى في القرية في ظل الأوضاع المعيشية المتدهورة وارتفاع أسعار الأدوية وأجرة الفحص لدى الأطباء، في سعي منهم لتخفيف معاناتهم.

وتأمل أن تستمر الحملة لمساعدة عددٍ أكبر من المرضى، مشيرةً إلى أنه "استطعنا تأمين الفوط للمسنين، ومختبر لفحص الدم بأسعار زهيدة، والتعاون مع أطباء وطبيبات من مختلف التخصصات، بالإضافة إلى تأمين الأدوية، كما عقدنا العديد من الندوات والمحاضرات الطبية".

 

 

وقالت ليلى بو سعيد إحدى نساء القرية أنهم يجدون صعوبة بالغة في تأمين معظم الأدوية التي نجدها مفقودة في الصيدليات في المنطقة التي نقطن بها، لافتةً إلى أنهم يضطرون لشراء بدائل عن الأدوية الأصلية والتي ربما تنعكس سلباً على صحتهم عوضاً عن معالجتهم لأنهم لا يدركون مدى فعالية المواد التي دخلت في تركيبتها.

وتمنت اطلاق العديد من المبادرات التي تساعد الأهالي وخاصة النساء في تأمين الأدوية والطبابة، لأنهم في أمس الحاجة لها خاصة تلك العائلات التي ليس لديها سوى معيل واحد أو تتولى النساء رعاية العائلة وتأمين قوتها في ظل تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد التي تشهد أزمات عدة.

 

 

وحول معاناتها مع نقص الأدوية وارتفاع أسعارها في لبنان تقول دنيا الريشاني "لقد سئمنا من هذا الوضع، فعند توجهنا إلى الصيدليات وطلب الأدوية التي وصفها الطبيب/ة في الوصفة الطبية، يقال أن تلك الأدوية مفقودة ولا يوجد منها إن أردت هناك الدواء البديل، ولكن تلك الأدوية البديلة من الممكن أن تتسبب في أضرار وأعراض جانبية غير متوقعة، فلا يمكن تبديل الأدوية من تلقاء أنفسنا دون استشارة طبية، هناك أزمة كبيرة في البلاد".

وأوضحت أن الأشخاص ذوي الدخل المحدود أكثر من يعانون، فهم مضرون لشراء الأدوية البديلة لرخص ثمنها "على الجمعيات والمنظمات تقديم المساعدة وتأمين ولو جزء بسيط من الأدوية للأهالي، خاصةً لكبار السن، ونأمل ألا تسوء الأوضاع لا سيما وأنها لا تبشر بالخير"، وشددت على ضرورة ضبط الأسعار وإيجاد حلول ناجعة للأزمة الاقتصادية التي تشهدها لبنان.

 

 

أما عضوة جمعية "معاً لدير الحرف" فلافيا أبو جودة أن جمعيتهم التي تأسست قبل أربع سنوات، ساهمت في إنشاء عيادة صغيرة في إحدى قرى بلدة دير الحرف، وعملوا على تأمين الأدوية للمرضى، والتعاون مع أطباء لفحص المرضى بالإضافة إلى إجراء الفحوصات المخبرية وبشكل دوري ومجاني، كما أطلقوا حملة "حبة تعبر عن حبي" وهي عبارة عن تجميع الأدوية لا يحتاجها بعض الأشخاص لإعطائها لمن هم بحاجة لها ولا يستطيعون تأمينها.

وأشارت إلى أن الجمعية التي تشكل النساء 70% من أعضائها، ستنظم قريباً العديد من الأيام الطبية في عدد من قرى بلدة دير الحرف وغيرها من القرى المحيطة بها.