نساء غزة ترزخن تحت وطأة القصف والنزوح والعنف بإشكاله
تتعرض النساء للعنف الجسدي واللفظي خلال الحرب نتيجة عدم قبولهن بتعنيفهن اقتصادياً، فالكثير من الأزواج تمنع زوجاتهن من العمل إذا لم تقمن بإعطائهن المال، مشيرةً إلى أن غالبية تلك الحالات قد تمت مصادفتها في مراكز النزوح والإيواء المختلفة.
رفيف اسليم
غزة ـ زادت الحرب في قطاع غزة من أشكال العنف التي تعاني منها النساء خاصة في المخيمات ومراكز الإيواء، بالتزامن مع غياب دور المؤسسات النسوية وعجزها عن تقديم المساعدات في ظل خطورة الوضع الأمني وكثافة الغارات التي تطال جميع مناطق القطاع، لتنتهي النساء وحدهن دون وجود جهة حقوقية أو قانونية تساندهن.
خلال عدة مقابلات أجرتها وكالتنا مع المعنفات، أفادت (آلاء محمد) اسم مستعار، أنها تعاني من العنف اللفظي والجسدي الذي يمارسه زوجها ضدها منذ بداية الحرب أي منذ ما يقارب العام ونصف، وما زاد الأمر سوء هو نزوح جميع أفراد عائلتها للمناطق الإنسانية جنوب وادي قطاع غزة وتركها وحدها يفصل بينها وبين سبب نجاتها حاجز عسكري، وطريق خطر يحفه الرصاص والقذائف.
وتروي آلاء محمد، أنها حاولت أن تشكي الزوج لعائلته، لكنهم نصحوها بالصبر حتى عودة عائلتها لشمال قطاع غزة، وعندما طلبت النزوح برفقة أطفالها وعائلة من المدينة للجنوب، أصروا عليها ترك أطفالها والنزوح وحدها فبقيت تصارع رغبتها ما بين الخلاص من معاناتها وبين رعاية أطفالها الثلاثة الذين يهرعوا إلى حضنها عند اشتداد الوضع الميداني.
بدورها قالت (ف، ن)، أنها تعيش بمخيم وقد عانت الويلات هناك إلى أن استطاعت التأقلم مع الوضع، لكنها لم تستطع تحمل تهرب زوجها من الانفاق على العائلة، ففي بداية الحرب كان يرفض جلب أي من الحاجيات التي تطلبها منه بحجة أنه ليس هناك ما يمكن شرائه في الأسواق من بضائع، فيتركها وأطفالها يتضورون جوعاً.
وتتابع أن الأمر لم ينتهي إلى ذلك الحد، فعندما بدأت المؤسسات بتسليم الطرود الغذائية أصبح يستولي على تلك الطرود ويبيعها ليترك أسرته للجوع طوال الشهر، لافتة إلى أنها حاولت شكوته لمديرة المؤسسة، لكنها رفضت تسليمها الطرد كونها ليست مسجلة كرب أسرة أو مطلقة بالتالي لا يمكنها الانتفاع من المساعدة الغذائية المقدمة.
بينما تعمل (س، ع) اسم مستعار، في الخياطة وتجني منها عائد مادي يمكنها الانفاق على أبنائها من خلال إصلاح قطع الملابس المهترئة، وقد زاد الإقبال عليها لخلو الأسواق من الملابس وغلاء ثمن المتبقي منها، لكنها في كل مرة تصطدم بزوجها الذي يأبى إلى أن يستولي على نقودها بالقوة.
وبينت أنه إن لم تعطيه ما تجني يقف على باب الفصل الدراسي الذي تنزح فيه ويمنع الزبائن من الدخول إليها، عدا عن العنف الجسدي واللفظي الذي يمارسه عليها وعلى الأطفال ومحاولته تكسير آلة الخياطة التي تم إنقاذها بشق الأنفس، مشيرة إلى أنها تفضل تسليمه ما يريد على خوض "معركة خاسرة".
فيما علقت المحامية والناشطة الحقوقية نعيمة اسبيتان، أن المرأة في قطاع غزة منذ بداية الحرب، تتعرض لأشكال متعددة ومركبة من العنف سواء السياسي، أو الاقتصادي، أو الاجتماعي، أو النفسي، أو الجنسي، أو الجسدي، أو اللفظي، لافتة إلى أنه يعد العنف الاقتصادي أحد أبرز تلك الأشكال وأشدها من حيث الممارسات التي باتت تفتعل.
ولا تستغرب نعيمة اسبيتان، من أشكال العنف تلك فالمرأة كانت الضحية ما قبل الحرب وقد زادت الأحداث الحالية من وطأة الأوضاع التي تعاني منها مع غياب المؤسسات والجهات المسؤولة التي تتولى الدفاع عنها، مشيرةً إلى أن تلك المؤسسات تعمل في منطقة جنوب وادي قطاع غزة بينما في الشمال يقتصر عملها على الورشات التوعوية.
وأوضحت أن هناك أشكال مختلفة من العنف الاقتصادي مثل عدم تكفل الزوج بالإنفاق على زوجته والأهل كذلك بالنسبة للفتاة، ويضاف إلى ذلك سرقة الأزواج للمساعدات الغذائية التي توزعها منظمة الأغذية العالمية وبيعها في الأسواق ليترك عائلته بلا طعام، مضيفة أنها في تلك الحالات تحاول التواصل مع المؤسسات لصرف حصة الأم والأطفال على حدى وقد نجحت في ذلك.
ولفتت إلى أن العنف الجسدي واللفظي الذي تتعرض له النساء خلال الهجوم ربما سببه الأساسي هو عدم قبولها بتعنيفها اقتصادياً، فالكثير من الأزواج تمنع زوجاتهن من العمل إذا لم تقمن بإعطائهن المال، مشيرةً إلى أن غالبية تلك الحالات قد تمت مصادفتها في مراكز النزوح والإيواء المختلفة.
وعن العيش في الخيام، نوهت نعيمة اسبيتان إلى أن ظروف المعيشة تلك وحرمان المرأة من العيش بكرامة تنتمي للعنف السياسي وفق نصوص القانون الدولي، التي لا تلتزم بها القوات الإسرائيلية بل وتستمر في قتل النساء والأطفال وإجبارهن على العيش في ظروف لا تؤامهن ولا تراعي احتياجاتهن لتكتمل سلسة التحديات التي تعانين منها منذ بداية الحرب.
وحول أشكال أخرى تعاني منها النساء في الخيام ومراكز النزوح، أفادت أن العنف الجنسي هو أبرز تلك الأشكال بين الزواج وحتى الفتيات نتيجة الاختلاط والفوضى والمجاعة التي تضرب شمال غزة منذ بداية الحرب، لافتة إلى العنف الاجتماعي المتمثل بحبس الزوجة ومنعها من الخروج من مكان إقامتها أو زيارة عائلتها وكأنها قد اتخذت رهينة.
وترى نعيمة اسبيتان، أن الحل لتلك المشكلات في الوقت الحالي هو تأقلم المرأة معها وتحديدها الوضع لمعرفة كيفية التعامل معه أو عزل نفسها قدر الإمكان عن المعنف، مشيرة إلى أنه حالياً يتم تسجيل جميع تلك الخروقات ومنذ اللحظة التي سيتم بها وقف إطلاق النار سيكون بمقدار أولئك النساء تقديم الشكاوى ومحاسبة الجاني.