فقدت كل أفراد عائلتها وتقاوم حزنها بالجد والعمل

لم يكن مضي خمس سنوات على الحادثة التي فقدت فيها مرام الحسين عائلتها كفيلاً أن يمحو من ذاكرتها تفاصيل تلك الفاجعة التي جعلتها تعاني الفقد والوحدة طيلة حياتها

سهير الإدلبي

إدلب ـ لم يكن مضي خمس سنوات على الحادثة التي فقدت فيها مرام الحسين عائلتها كفيلاً أن يمحو من ذاكرتها تفاصيل تلك الفاجعة التي جعلتها تعاني الفقد والوحدة طيلة حياتها.

تنحدر مرام الحسين (40) عاماً من مدينة معرة النعمان ونزحت إلى مخيمات تل الكرامة مع الآلاف إبان العمليات العسكرية على المنطقة أواخر عام 2019، ما تسبب بنزوح جميع ساكني مدن وبلدات ريف إدلب الجنوبي وريف حماه الشمالي.

تسترجع مرام الحسين ذكريات فقدها لعائلتها بكثير من الحزن والألم وتقول أن تاريخ 25 آذار/مارس 2017 كان التاريخ الفاصل بين سعادتها وتعاستها، أنه تاريخ المجزرة التي جعلتها تعاني طوال حياتها.

كان لديها أربع أولاد وزوجها الذين تركتهم لساعات قليلة إثر زيارتها لإحدى قريباتها، حين سمعت صوت الطائرة الحربية تحلق في أجواء المدينة وتسدد صواريخها "الغادرة" على المدنيين الأبرياء ما تسبب بدمار إحدى المنازل على رؤوس ساكنيها.

وقالت "كنت أعي أن صوت الانفجار قادم من منطقة سكني، ولكنني حاولت إنكار أن يكون الهدف عائلتي، رغم وجود غصة داخلي شعرت معها بأن روحي تكاد تفارق جسدي خوفاً من تلقي خبراً لا أود سماعه، إلا أن الخبر المشؤوم بسقوط الصاروخ فوق منزلي ودفن عائلتي كلها داخله وهم أحياء كان أسرع مما أتوقع".

سارعت مرام الحسين إلى منزلها المهدم وكلها أمل أن تجد أفراد عائلتها على قيد الحياة غير أن فرق الدفاع المدني بدأوا بإخراجهم الواحد تلو الآخر وقد تحولوا إلى جثث هامدة.

لأيام أصيبت مرام الحسين بصدمة نفسية دخلت على إثرها المشفى، لم تعي ما جرى معها وكيف فقدت عائلتها "ماما لا تتأخري" مازالت كلمات ابنها الأصغر مناف البالغ من العمر خمس سنوات تتردد على مسامعها وهي آخر جملة كانت بينها وبين ابنها الصغير.

لم تستكن مرام الحسين لحياة الحزن والألم والذكريات الموجعة وإنما سعت لإيجاد مشروع عمل لها تفيد به من حولها من النساء ويخرجها مما هي فيه من قهر وعزلة، فاتخذت خيمتها مركزاً لتعليم النساء في المخيم أصول الكتابة والقراءة مجاناً بعد أن أطلقت مبادرة لمحو الأمية لكل من ترغب من النساء المتواجدات في المخيم الانضمام إليها.

واستفادت من حيازتها على شهادة الثانوية العامة وخبرتها في قواعد اللغة العربية في إفادة غيرها من النساء النازحات في المخيم.

تقول مرام الحسين "لامست حاجة كبيرة لدى النساء لتعلم القراءة والكتابة فمعظمهن أميات ويستعن بغيرهن في كثير من الأحيان لقراءة رسائل الواتس آب أو الإعلانات التي يتم نشرها في المخيم، وهو ما دفعني لإطلاق مشروعي التطوعي بغية مساعدتهن في تجاوز ما يمرن به من صعوبات".

لاحظت مرام الحسين ارتباط مباشر بين تدني المستوى التعليمي ونسبة الأمية للكثير من النساء وبين الفقر الذي يعد من عوامل انتشار الأمية لا سيما وأن العديد من المخيمات تفتقد لدعم الخدمات التعليمية التي تكاد تكون معدومة هناك.

وأوضحت "بدأت برنامجي التعليمي بوضع مبادئ لتعليم القراءة والكتابة وبعض العمليات الحسابية البسيطة التي تعطي النساء المجال لإنجاز الكثير من أمورهن الحياتية كالتنقل وقراءة اللافتات الطرقية والتعامل مع الحسابات المالية اليومية".

صابرين الحسون (30) عاماً إحدى المستفيدات من مبادرة مرام الحسين تقول أن ما تعلمته من مبادئ محو الأمية التي تقدمها مرام ساعدها على التعلم وباتت قادرة على قراءة الكلمات والجمل وكتابتها وإجراء عمليات حسابية بل وتعليم أبنائها بعض أساسيات التعليم بعد أن حرمتهم الحرب من أبسط حقوقهم.

رغم كل آلامها وجروحها النفسية بفقدان أعز ما تملكه في هذه الحياة، تحاول مرام الحسين كما أخريات غيرها عدم الاستسلام لواقعها المأساوي، بل نهضت وثابرت وأثبتت قدرتها على تجاوز كل جراحها لتكون ناشطة وفاعلة في محيطها بكل عزيمة وإصرار على المتابعة.