التكافل الاجتماعي وأحلام لاجئ ترسخان التراث الفلسطيني في معرض لتمكين المرأة

عندما يتحول التراث دافعاً للعمل الاجتماعي عموماً وتمكين المرأة خصوصاً، فذلك يعني أن الحاضر ينبض بإيقاع الماضي

سوزان أبو سعيد

بيروت ـ عندما يتحول التراث دافعاً للعمل الاجتماعي عموماً وتمكين المرأة خصوصاً، فذلك يعني أن الحاضر ينبض بإيقاع الماضي، ويرفد الحاضر بما يدعم المجتمعات الإنسانية بمقومات الصمود، خصوصاً في ظل تردي الأوضاع المعيشية، لا سيما فيما يخص اللاجئين الفلسطينيين في دول الشتات، حيث المعاناة مضاعفة، ذلك أن البلد الحاضن بعيد، وليس ثمة ما يبدد الغربة إلا العمل وبناء ذاكرة عصية على النسيان.

تنشط "جمعية التكافل الاجتماعي الفلسطينية" وجمعية "أحلام لاجئ" في مجال العمل الاجتماعي ليس في مجال أن يُبقي التراث حاضراً فحسب، وإنما في جعل هذا التراث قيمة ثقافية واجتماعي واقتصادية، وميداناً لنضال المرأة في مواجهة التحديات.

 

معرض "لكِ سيدتي" الثاني

نظمت "جمعية التكافل الاجتماعي الفلسطينية" بالتعاون مع "جمعية أحلام لاجئ" الفلسطينية بمناسبة عيد الأم معرض "لكِ سيدتي" للأشغال اليدوية والحرفية المختلفة في نسخته الثانية، بمشاركة نساء فلسطينيات ولبنانيات وسوريات شاركن بدورة تدريبية لمدة ثلاثة أشهر.

بدأ المعرض برقصة تعبيرية قدمتها فتيات فلسطينيات، ومقطع فني تراثي قدمته فرقة الخيول، وقالت مديرة جمعية التكافل الاجتماعي الفلسطيني جمال كليب "على مدار السنين قام الاحتلال الاسرائيلي بالعديد من المحاولات لسرقة التراث الفلسطيني واعتماده كتراث لدولتهم المزعومة، ولكن مع إصرار شعبنا نجح في إثبات ملكية هذا التراث باسم الدولة الفلسطينية في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونيسكو)"، مضيفةً "كامرأة فلسطينية، كان لابد من الحفاظ على هذا التراث من خلال تدريب النساء على تطريز التراثي الفلسطيني".

وأوضحت جمال كليب "مشروع لك سيدتي الثاني استهدف النساء سيدات المنازل، اللاتي يعانين كما تعاني بقية النساء والعائلات من ضائقة اقتصادية، لتعليمهن وصقل مهاراتهن، وتدريبهن على الكروشيه والتطريز ومنها التطريز على الطريقة الفلسطينية، لدعم التراث الفلسطيني الذي كانت تقوم به النساء وتناقلته أمهاتنا كإرث لهن من الجدة الفلسطينية الأولى، ونقله بصورة عصرية للأجيال الحالية والمستقبلية".

ولفتت إلى أن "فكرة مشروع (لك سيدتي الثاني) ولدت بعد دراسة ميدانية للمخيم وحاجاته إلى مشاريع تمكين لتحسين الوضع الاقتصادي للعائلات بعد ارتفاع مستوى البطالة وتدهور الحالة الاقتصادية في لبنان".

وأضافت "كان لا بد من إنماء هذا المشروع من خلال مدربين مختصين في مجال التطريز والتراث الفلسطيني"، مشيرةً إلى أن "هذا المعرض هو خلاصة عمل نساء مميزات مثابرات وطامحات لغد أفضل، وتمكنَّ على مدى ثلاثة أشهر من التدريب العملي والدعم النفسي والاجتماعي بإشراف مدربين متخصصين من المشاركة في هذا الإنتاج المهم".

وأوضحت "لا يمكننا ذكر التطريز والتراث الفلسطيني إلا بذكر سفيرة التراث الفلسطيني صبحية كريّم التي قدمت كل ما لديها من خبرة للنساء". وقالت "هذا المشروع هو سلسلة من المشاريع الهادفة والداعمة لتمكين المرأة على الصعيد النفسي والاجتماعي وإلى تغيير الصورة النمطية عن المرأة الفلسطينية الممول من جمعية أحلام لاجئ، وهي الجمعية الداعمة للمشاريع في جميع مخيمات لبنان والهادفة لتأمين فرص عمل للشباب وتمكين المرأة في المجتمع".

وقدمت جمال كليب درعاً تكريمياً للجمعية التي مثلتها منسقة الدعم الجندري في "جمعية أحلام لاجئ" هبة قاسم، لتقدم بعدها دروعاً تكريمية للمشاركات، ثم قص الشريط للمعرض المقام، والذي شمل منتجات يدوية من التطريز الفلسطيني والكروشيه ومنتجات من إعادة تدوير المواد وتصنيع تحف وهدايا ومنتجات غذائية وغيرها.

 

"تغيير الصورة النمطية عن المرأة الفلسطينية"

وفي هذا الإطار قالت مديرة "جمعية التكافل الاجتماعي الفلسطينية" جمال كليب لوكالتنا "النسخة الثانية من مشروع (لك سيدتي) استهدف 25 امرأة من نساء مخيم عين الحلوة، وكانت النسخة الأولى في شهر كانون الأول/ديسمبر 2021 الذي استهدف النساء المهمشات والراغبات في تحسين أوضاعهن المعيشية، وشمل منتجات إعادة التدوير من مواد البلاستيك والزجاج والملابس، بهدف إعادة استعمالها، ولصناعة وتزيين الفخار بحبال الخيش".

وأوضحت أن "المعرض الحالي شمل منتجات من المعرض السابق بالإضافة إلى منتجات من التراث الفلسطيني، فكل معرض يشمل ما سبقه مع تطوير أفكار ومهارات جديدة للنساء، وقد لا تكون هؤلاء النساء متعلمات، ولا تعرف بعضهن القراءة والكتابة، لذا استهدف هذا المشروع النساء في المنازل، وهن الأكثر حاجة للمساعدة في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعيشها لبنان والتي انعكست على أوضاع اللاجئين وخصوصاً المرأة الفلسطينية بصورة سيئة للغاية، خصوصاً لعدم قدرتهن على العمل في سوق العمل اللبناني، فقمنا بتعليمهن مهارات تساهم في أهداف عدة منها، تمكينهن مادياً، لمساعدتهن ومساعدة أسرهن على مواجهة الأزمة، وتغيير الصورة النمطية عن المرأة الفلسطينية بأن مكانها المنزل فقط، بل أنه يمكنها النجاح وبأي مكان، وأنه من خلال التدريب يمكنها أن تفتح مشروعاً خاصاً بها بدءاً من المنزل وأن تتوسع به خارج المنزل".

 

 

جمعية التكافل الاجتماعي

وعن "جمعية التكافل الاجتماعي"، قالت جمال كليب "تأسست جمعية التكافل الاجتماعي إثر حرب تموز/يوليو 2006، بهدف مساعدة المهجرين ولاسيما النساء، ولا تستهدف الجمعية المرأة فحسب، بل الأطفال وكافة فئات المجتمع، ولدينا مركز لتعليم الأطفال بقصد الدراسة، وقسم خاص بالدعم الاجتماعي وتنمية المهارات للشباب والتعليم المهني لتأمين فرص العمل لهم، وغيرها".

وعن التركيز على الإرث الفلسطيني أشارت إلى أنه "تراث تناقلناه عن الأم الفلسطينية الأولى، لا يمكننا التخلي عنه، وقد أثيرت ضجة إعلامية كبيرة العام الماضي، بعد أن قامت جهات تابعة للاحتلال الإسرائيلي بإدماجه في ملابس تخص مسابقات الجمال الخاصة بهم، لكن من خلال محاربتنا كشعب فلسطيني وتصدينا لهم، تمكنا من إثبات أن هذا التطريز من تراثنا وأنه يخصنا، وهو ما أقرته اليونسكو والأمم المتحدة، حيث أدرجت نهاية العام الماضي "فن التطريز في فلسطين: الممارسات والمهارات والعادات" على لائحتها للتراث الثقافي غير المادي، وذلك بناءً على طلب تقدمت به وزارة الخارجية الفلسطينية، ويسعى الفلسطينيون حول العالم، من بينهم اللاجئون في لبنان، للحفاظ على هذا التراث".

 

سفيرة التراث الفلسطيني

وقالت سفيرة التراث الفلسطيني المدربة على التطريز صبحية كريّم، المنحدرة من قرية صفورية (إحدى قرى قضاء الناصرة ومن أكبر قرى الجليل في فلسطين)، والمقيمة في مخيم عين الحلوة "كنت في السادسة عشرة من عمري عندما بدأت التطريز، بهدف تحسين وضعي المعيشي، حيث ساهم في تطوير عملي ودعمي اقتصادياً".

وأضافت "أدركت أهمية هذا العمل من ناحية التعرف على التراث، ومنذ أكثر من أربعين عاماً أثابر على تعليم الفتيات والنساء فن التطريز، وخصوصاً للأجيال الجديدة للحفاظ عليه، فضلاً عن تطويري هذا العمل بتبسيطه، وقمت بتدريب المشاركات على كيفية إعداد سلسلة من الإكسسوارات من قلادات وأساور وعلاقات المفاتيح وحقائب اليد وحتى أغطية الهواتف المحمولة وشالات ومحافظ صغيرة مزينة بالمطرزات التي تمثل التراث الفلسطيني، بحيث يمكن استخدامها بصورة يومية وبأسعار يمكن تحملها".

وأشارت إلى أنه "هناك أعمال تمثل التراث الفلسطيني مصنعة على آلات وغيرها، ولكن عملنا جميعه يدوي، ومتقن وتراثي، ولا يمكننا اعتماده إلا في حال صنعه بالإبرة، حيث يتحمل الزمن ولا يتغير لونه بالغسيل وغيره، ونستعمل أفضل المواد والطرق للحفاظ عليه".

وأوضحت أنها تدرب فن التطريز، ضمن مؤسسات عدة منها مشروع جمعية التكافل الاجتماعي، ويشمل نحو عشرين لبنانية وفلسطينية وسورية، بالإضافة إلى مسيرة طويلة شملت مئات النساء في التدريب على فن التطريز، وحالياً تدرب حوالي عشر نساء بمشروع خاص بها، كما وشاركت في معارض عدة تمثل هذا التراث في لبنان وخارجه".

 

 

وبينت أن بعض منتجاتها المعروضة في هذا المعرض للحفاظ على هذا التراث، تمثل الحياة الفلسطينية اليومية منها "حفل العرس الفلسطيني وتقاليد أهل العروس والعريس، والدبكة وكيف يتم إيصال العروس إلى عريسها وإلباسها الديماي (عباءة أبيها أو شيخ البلد) ويتم نقلها على الهودج، كما وتمثل حمام العريس والزفة الفلسطينية، ولوحات أخرى تمثل كاريكاتور للفنان الراحل ناجي العلي، منها حياة اللجوء من خيم من الشوادر تسمى طنزوع (لشخصين) وجمالون (للعائلات) وقبضة نار تمثل تمسك الفلسطيني بوطنه وحقه، وشجرة زيتون رمزاً لصموده عبر الزراعة، وغيرها".

وأختمت صبحية كريّم حديثها بالقول "يشمل التدريب كيفية صنع القطبة، وحتى أنواع القطبة المستخدمة في التطريز تختلف من منطقة إلى أخرى في فلسطين، وحتى ألوان الخيوط المستخدمة في التطريز تختلف من مدينة إلى أخرى، مثلاً قطبة التطريز في غزة تختلف عن مدينتي الخليل ورام الله وشمال فلسطين، وألوان التطريز التي تميز بين مناطق فلسطين وحتى ألوان الخيوط المستخدمة في التطريز تختلف من مدينة إلى أخرى، فضلاً عن المناسبات المختلفة وفقاً لوضع المرأة، وعلى سبيل المثال فما ترتديه العروس يختلف عما ترتديه المطلقة، كما وتختلف التصميمات من بلدة فلسطينية إلى أخرى لجهة الألوان وغيرها".

 

مشاركات من المعرض

وكان لنا لقاء مع بعض المشاركات في المعرض، وقالت رغد الخطيب من جمعية البرامج النسائية، والمختصة بإنتاج المنتجات الغذائية المختلفة، حول مشاركتهم في المعرض "شاركنا بمنتجات غذائية تراثية قمنا بتزيينها بالخيش لتعطي منظراً جميلاً، ومن المنتجات مقطر المرمية (القصعين)، دبس الرمان، العسل بأنواعه، المكدوس، مربى التين واليقطين والتفاح، ودبس العنب، والزعتر الذي قمنا بجمعه وتحضيره للمعرض، والإقبال جيد للغاية"، مشيرة إلى أهمية هذا النشاط في تأمين مدخول للمرأة الفلسطينية، ومنحها الاستقلال المعنوي والمادي.

وقالت صفاء عليان من جمعية التكافل، التي شاركت بدورة الكروشيه والتطريز "الإقبال ممتاز على منتجاتنا، وخصوصاً القطع الصغيرة مثل التعاليق، الأساور والعقود المصنوعة من المطرزات، كما وقمنا بتطريز حقائب نسائية بالقطبة الفلسطينية ومن الكروشيه".

 وأشارت إلى أن "هذا النشاط فضلاً عن تأمين مدخول للنساء، ساهم بتعبئة أوقات الفراغ بأمور مفيدة، كما تعرفنا على نساء من المخيم".

أما اللبنانية سهى بدر الحمد المقيمة في مخيم عين الحلوة قالت "بسبب الأوضاع الاقتصادية، لجأنا إلى إعادة التدوير، وساهم معرض لك سيدتي في مساعدة النساء في هذا المجال، لتستطيع المرأة التعبير عن نفسها عبر أشغال يدوية، بالإضافة إلى إعادة استخدام مواد كنا سنرميها في النفايات، واستطعنا تحويلها إلى مواد فنية مميزة وتأمين مدخول لنا".