العنف الجنسي... ملف راكد والنساء بحاجة إلى عدالة ناجزة

العنف الجنسي أحد المحاور الشائكة التي لا ترغب النساء عادة في البوح عما تعرضن له خلالها، خاصة إن كانت هناك ممارسات منتهكة لهن وذلك نتيجة إلقاء المجتمع باللوم عليهن.

أسماء فتحي

القاهرة ـ بالرغم من الجهود التي تبذلها النسويات والناشطات لتحريك ملف العنف الجنسي في مصر، والدفع بالفتيات والنساء للبوح عما تتعرضن له، إلا أنه لا تزال هناك معوقات تدفع بالمرأة لالتزام الصمت وعلى رأسها الوصم المجتمعي.

"عانيت لسنوات من ممارسات عمي حتى تركت المنزل ورحلت في سن مبكرة ولا أستطيع البوح لأسرتي حتى الآن عن السبب الحقيقي وراء بحثي عن فرصة تعليم وعمل في محافظة أخرى وإصراري على الأمر"، كانت تلك قصة هدى جمال "اسم مستعار"، مع الاعتداء الجنسي داخل أسرتها.

عانت هدى جمال في طفولتها من العنف الجنسي وظلت لسنوات صامتة تحاول الخلاص وتبحث عن الطرق التي تساعدها على ذلك فقررت التقديم على كلية لا تتوفر في محافظتها مما يجعلها مضطرة لمغادرة المنزل، ولأن أسرتها لا تستطيع الإنفاق عليها بحثت عن عمل وتمسكت بالأمر وظلت تحدثهم عن المستقبل الذي ينتظرها ولم تخبرهم أنها بذلت الكثير من الجهد لتهرب من "منزل العائلة" الذي تتعرض فيه لاعتداءات جنسية من قبل عمها، على حد قولها.

وتكمن إشكالية العنف الجنسي في عدم ثقة الأهل في رواية الابنة كما أوضحت فضلاً عن البحث عن مبرر وتداول الادعاءات التي تقلل من حجم الأزمة وعادة ما تدين الفتاة ولا تنتصر لحقوقها، ولم تكن وحدها من وقعت فريسة الصمت بل أن الكثيرات فعلن ذلك خوفاً من الوصم من جهة وهرباً من المواجهة من جهة أخرى.

اعتبرت المحامية سارة جمال، المتطوعة بمبادرة سند للدعم القانوني للنساء، أن العنف الجنسي يقل الحديث عنه سواء من قبل الفتيات أنفسهن اللواتي تتعرضن لتلك الممارسات أو حتى المهتمين بواقع النساء وذلك بسبب ردة فعل المجتمع الذي عادة ما يوصمهن بسبب ذلك ويلقي عليهن باللوم.

وأشارت إلى أن رفع معدل الوعي أحد أهم الأدوات المشجعة للفتيات على التعبير عما تتعرضن له من عنف جنسي وعدم التزام الصمت حيال تلك الممارسات، فضلاً عن ضرورة دعمهن قانونياً وتعريفهن بأدوات التقاضي وسبل الحصول على حقوقهن من خلال الإجراءات والطرق المختلفة في المسار القانوني، مؤكدةً أنهم في مبادرة سند يدعمون الفتيات ويساندون الناجيات مع مراعاة قدرتهن على البوح بما حدث لهن ونشر شهادتهن لمساعدة الأخريات وتشجيعهن على "الحكي والفضح إن لزم الأمر"، معتبرةً أن الوعي بمسار التقاضي يساعد الكثيرات ويحميهن من الدخول في دوامة الصمت وتداعياتها النفسية.

وأوضحت أن المؤسسات تعمل على وضع قانون موحد ضد العنف الذي تتعرضن له ويولون ملف العنف بشكل عام اهتمام كبير وتحديداً ما يمارس منه داخل جدران المنزل لعدم وجود قوانين تحمي النساء في العائلة، وتشجعهن على الإبلاغ عنه، معتبرةً أن رفع وعي النساء يساهم في تحقيق العدالة.

 

 

ضحايا العنف الجنسي بحاجة لدعم أكبر والتيقن من سرية بياناتهن

من جانبها أكدت منسق مشروعات تنموية في جمعية الرواد بمحافظة الاسكندرية، صابرين اسماعيل، على أن المؤسسات والجمعيات الأهلية تعمل على مناهضة العنف بشكل عام ومنها العنف الجنسي، لافتةً إلى أنهن تقمن ببرامج توعوية للنساء والفتيات وواحد من أهم القضايا التي تثار عادة هي ما تتعرضن له من اعتداءات جنسية ويصاحب ذلك خوف وتردد كبير يحتاج لوعي بسبل التعامل والدعم وأيضاً توفير المساحة الآمنة التي تتأكدن فيها من سرية وحماية ما تقلنه من معلومات ووقائع.

ولفتت إلى أن أسلوب التعامل مع ضحايا العنف الجنسي هو السبب الرئيسي في العزوف عن البوح به، منوهةً إلى أن هناك انتهاكات تمارس أثناء التقدم بالشكاوي منها تبرير المجتمع للجاني وهو ما يخيف النساء والفتيات، فضلاً عن إلقاء اللوم المستمر على الضحية بداية من الحديث عن مظهرها الخارجي وصولاً لممارساتها الشخصية، معتبرةً أن العمل على تغيير الوعي ضرورة وهو أمر بالفعل أتى بثمار واقعية خلال الفترة الحالية مقارنة بالسنوات الماضية، وهو أمر تحقق منه جانب كبير نتيجة العمل الواقعي مع النساء والفتيات.

وعن الحالات فقد أوضحت أن أغلب الفتيات اللواتي توافدن إلى الورش التوعوية تعانين من التحرش بالمواصلات العامة وهو ما أثر سلباً عليهن وتم العمل على مساعدتهن لمواجهته وعدم القبول بالممارسات التي تنال من حقوقهن.

وأكدت على أن تعجيل الإجراءات وعدم وصم الضحية أو تحميلها عواقب ما حدث لها أمر ضروري لتشجيعها على البوح والإبلاغ عما تتعرض له، لافتةً أن هناك ضرورة لتحقيق العدالة الناجزة للنساء خاصة من تمررن بتجربة العنف الجنسي لأن الوقت الطويل يشككهن في العدالة ويبعدهن عن سلك المسار القانوني للحصول على حقوقهن ممن يعتدون عليهن أو ينالون من حقوقهن.