تونس... كفاءات النساء بين الوأد في المنزل والهجرة
عدم إيجاد عمل يليق بكفاءاتهن ومؤهلاتهن يدفع بالتونسيات للهجرة، والأسرة هي من تدفع ضريبة ذلك وكذلك البلاد عندما تتخلى عن كفاءاتها للخارج بدلاً من استثمارها.
نزيهة بوسعيدي
تونس - باتت الهجرة لدى التونسيات بنوعيها النظامي وغير النظامي قرار المغلوبة على أمرها بعد عجز السلطات عن إيجاد عمل يليق بمؤهلاتهن التي وأدت في المنزل.
يُقدر عدد المهاجرين التونسيين الحاليين بحوالي 566 ألف شخص (388 ألف من الرجال و178 ألف من النساء) وتتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة، وهم من سكان إقليم تونس الكبرى، والوسط الشرقي والجنوب الشرقي للبلاد، ويُعتبر البحث عن العمل وإيجاد فرص للعيش الكريم من أهم دوافع الهجرة وتبقى الدول الأوروبية وخاصة فرنسا وايطاليا وألمانيا الوجهة المفضلة لديهم، ووفقاً للأرقام الرسمية غادر نصف المهاجرين الحاليين تقريباً من أجل البحث عن عمل وتحسين دخلهم.
وبخصوص الهجرة غير النظامية للمرأة التونسية تقول الباحثة في علم الاجتماع نسرين بن سليمان إن إقبال التونسيات على الهجرة غير النظامية يعود إلى رفضهن للوضع الاقتصادي والاجتماعي المتردي الذي تعشنه منذ سنوات والذي دفع حتى الحوامل إلى الهجرة برفقة ابنائهن القصر.
وأشارت إلى أنه بعد أن كانت الهجرة غير النظامية عيباً أصبحت اليوم العديد من العائلات تتباهى بها رغم كل المخاطر التي يتعرضن لها ومنها انقلاب القوارب والانتهاء بالموت في غياب عمليات الإنقاذ.
واعتبرت أن الحكومات التونسية المتتالية بعد ثورة 2011 تتحمل جزءاً كبيراً من ارتفاع ظاهرة الهجرة غير النظامية في صفوف التونسيات فهي لم تزرع داخلهن حسب رأيها غير اليأس والإهمال بعدم الثقة وخيبة الأمل في السياسيين ومن يحكمون البلاد.
وفيما يتعلق بالأسباب الكامنة وراء إقبال الطالبات وخريجات الجامعات والكفاءات النسائية على الهجرة للدراسة أو للعمل قالت رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة التونسية راضية الجربي أن هجرة الشابات إلى الخارج لم تعد حالات نادرة بل تضاعفت نسبتها "كنا نعتبر سابقاً أن الهجرة غير النظامية حكراً على الرجال لكن في السنوات الأخيرة أقبلت نساء تونس على الهجرة ولم تعد المسألة غريبة، كما أضحت هجرة الشابات التونسيات ممن حصلن على الشهادة العليا أو حتى ممن لم تحصل عليها، وعندما يسألونها عما تنوي فعله بعد التخرج تجيب بأنها تريد السفر إلى الخارج".
وأضافت "الوضع الاقتصادي الذي ساد البلاد في السنوات الأخيرة وغياب الأفاق وانعدام الأمل في إيجاد عمل يحفظ كرامتهن جعل الشابات كما الشبان يفكرن في الهجرة بحثاً عن فرص عمل أفضل وحياة أكثر أريحية وانسجام مع طموحاتهن لأنه للأسف لم تقم وزارة العمل خلال السنوات السابقة بتقديم أي فرص أو فتح آفاق للنساء".
وقالت "للأسف فشلنا في أن يكون لدينا شخصيات في السلطة قادرة أن تبعث أملاً في النفوس وتخلق فرصاً لمعالجة القضية بحلول علمية كما يفعل الناس بالخارج وظلت حلولهم محبطة للشابات والشبان الذين درسوا الفلسفة أو المحاماة أو الصحافة وغيرها من الاختصاصات".
من يدفع الضريبة؟
ذكرت راضية الجربي أن ابناء وبنات أخوتها غادروا البلاد لأجل الدراسة، وكذلك ابنتيها هاجرتا إلى كندا وفرنسا والثالثة تنوي الهجرة في حال لم تجد عملاً يليق بمؤهلاتها الجامعية، مؤكدة أنهما لو كانتا في تونس لذاقتا المعاناة وتعبتا من التعطيلات الإدارية.
وقالت في هذا الإطار وقد سبقت الدموع الكلام "لقد تعبت كثيراً في بناء المنزل قصد الاستقرار مع بناتي والتمتع بأطفالهن ولكن وجدت نفسي بعد سفرهما محرومة منهما. نحن أولى بأبنائنا وبلادنا أولى بهم فهي تدفع الضريبة عندما تسلم كفاءاتها للخارج".
وخلصت بالقول "بلادنا لم تستثمر في نسائها وارتكبت خطأين في حقهن الخطأ الأول أن الكثير من الكفاءات النسائية وبعد الدراسة لسنوات طويلة تبقى في المنازل بين التنظيف والطهي والعناية بالأبناء والخطأ الثاني إن كفاءات نسائية هاجرت إلى الخارج، والكثير من الخريجات حالياً تعملن في بيع الملابس القديمة عبر تيك توك وانستغرام والكثير منهن قدمن لمراكز التكوين المهني بالاتحاد ليتعلمن الحلاقة وإعداد الحلويات والمرطبات كما أن الكثيرات في الأرياف ومنها ريف سيدي علي بن عون بسيدي بوزيد يرعين الأغنام".
وختمت راضية الجربي حديثها بالتأكيد على أنه "فشلنا في منح الأمل للشباب الذي أصبح يبحث عن الهروب من البلاد ويحتاج أن يبحث فيه علماء الاجتماع والنفس والسياسة لإيجاد خطط ووضع استراتيجيات معالجة كما أن تونس تحتاج للكثير من المراجعات ويمكن العودة إلى وثائق قرطاج كما يجب جمع كل الفاعلين السياسيين والمنظمات من جديد والاستنارة بالخبرات والكفاءات للقيام بإصلاحات وايجاد حلول".