الشرق الأوسط مهد الحضارات وولادة الإنسانية (1)

على بقعة جغرافية تبلغ مساحتها 17.5 مليون ك م2، أسس الإنسان أول حضارة عرفها التاريخ، مهد الاديان وانطلاقة الانبياء والعلماء والفلاسفة ومركز ثقافة الأم، وبقليل من المؤلفات التي نجت من مكتبة بغداد التي حرقها المغول أصبح الشرق الأوسط منطلقاً للعلم والمعرفة.

سناء العلي

مركز الأخبار ـ "الشرق الأوسط" حاضنة البشرية، ونسختها الأصلية، تنامت على ميراثها حضارات عدة كالإغريق والرومان، وتركت أثراً مهماً للبشرية، وشهدت أعظم الثورات والمقاومة حفاظاً على إرثها وتاريخها، كانت ولا تزال الأم المعطاء، لكنها همشت مع الزمن لتتحول إلى مركز الصراعات والنزاعات الفتاكة من نهب وقتل ودمار على مر مئات السنين، ولا زالت شعوبها مشتتة إلى يومنا هذا، وكل ما يدور حولها هو الطمع بثرواتها والأهم فقدت المرأة مكانتها ودورها الأساسي في تاريخ هذه المنطقة.

يضم الشرق الأوسط وهو منطقة جغرافية تقع جنوب غرب قارة آسيا وتشمل جزءاً من شمال أفريقيا، بلاد الشام والخليج العربي والعراق وإيران، وأفغانستان، بالإضافة إلى مصر في شمال شرقي أفريقيا، وتركيا، وترتبط هذه البلدان جميعاً بعناصر جغرافية وحضارية، وعددها 18 بلداً.

يطل الشرق الأوسط على العديد من البوابات المائية المهمة أبرزها البحر الأبيض المتوسط غرباً، والخليج العربي شرقاً، والبحر الأسود وبحر قزوين في الشمال إلى الصحراء الكبرى والمحيط الهندي في الجنوب، إضافة إلى العديد من الأنهار التي تمتد عبر مناطق مختلفة وأهمها النيل وهو من أطول وأهم الأنهار في العالم، وكذلك أنهار دجلة والفرات، والأردن واليرموك، والعاصي.

وتعيش في هذه المنطقة العديد من القوميات والأديان، وهم "عرب، كرد، تركمان، أشوريون، آراميون سريان كلدان، آذاريون، أرمن، غجر مسلمون مسيحيون، يهود وهندوس، وأمازيغ، وأبخاز، وأفارقة، ودروز، بهائيين، وإيزيديين، مندائيين، وزرادشتيين، وبوذيين".  

ومصطلح "الشرق الأوسط" عرف منذ العام 1850 وحتى الحرب العالمية الثانية كان يعني المنطقة من بلاد الرافدين إلى بورما، أي المنطقة بين الشرق الأدنى والشرق الأقصى، ثم أصبح المصطلح أكثر استخداماً فيما بعد، وكانت الإمبراطوريتان البريطانية والروسية تتصارعان على النفوذ في وسط آسيا، واستوعب الاستراتيجي الأمريكي ألفريد ثاير ماهان الأهمية الاستراتيجية للمنطقة، وقال إن مركزها هو الخليج العربي.

 

المجتمع الأمومي... تاريخ منسي

النساء ساهمنَّ في نشوء الحضارة السومرية التي تعد حتى اليوم أول حضارة على وجه الأرض لكنهن غيبن بشكل كامل، فالآثار والكتابات السومرية تؤكد للعالم أن المرأة لها تاريخ عريق وامتلكت مكانة مهمة فكانت رمزاً للخصوبة، والحياة متمثلة بالآلهات على رأسهن إنانا.

فقبل حوالي 5000 عام بدأت المؤامرة على المرأة عندما اجتمع المسن والشاب والرجل القوي وشكلا أول تحالف سياسي وعسكري وإيديولوجي للانقلاب على المرأة، من خلال إنهاء دور النساء وتقليل مكانتهن وكانت البداية ابتكار آلهة تحاكي الآلهة الأنثى.

وبينت إحدى الأساطير، معركة بين الإله إنكي الذي حاول سرقة انجازات الإلهة إنانا التي أصرت على كونها صاحبة الاكتشافات العظمى. فيما أسطورة الدمار توثيق آخر على صراع المجتمع النيولوتي بقيادة المرأة مع الرجل وتمثل ذلك بحادثة اغتصاب إنانا من قبل الفلاح "شواكلايتودا"، الذي يلجأ إلى المدينة ويختفي هناك هرباً منها. واستمر الصراع بين القوى المتكافئة وهي (المجتمع النيوليتي ومجتمع المدينة) حتى عام 2000 ق.م بعدها بدأت الكفة ترجح على حساب المرأة، من خلال تأنيث المجتمع واستعباده وإعطاء السلطة صفة الرجولة.

ومع ظهور السلالة واكتسابها قوة كبيرة في حضارة ميزوبوتاميا السفلى في الفترة الممتدة بين (5000 ـ 4000ق.م) وبما أن الملوك هم من الرجال فكان إنجابهم للذكور مسألة حيوية من أجل استمرارهم، وتعدد الزوجات من أجل إنجاب المزيد من الأبناء الذكور مرتبط بذلك. 

وفي الوقت الذي لم يتمكن فيه المصريون من تفسير الكثير من الظواهر الطبيعية لجأوا إلى عبادة قوة خارقة اسموها آلهة، ومن أحق من المرأة لأن يكون ذلك المقدس الذي يمكنه فعل ما لا يستطيع أحد فعله، خاصة بعد أن اكتشفت المرأة الزراعة إحدى أهم أسس الحياة، فأصبحت إلهة الفلاحة والأمومة والحب متمثلة بـ "إيزيس" و"حتحور" و"سخت" وغيرهن.

وكما في سومر ظهر مفهوم جديد وهو الإله الذكر مقابل الآلهة الأنثى وتوترت العلاقة بين الآلهة ذكوراً وإناثاً وهي انعكاسات للصراع بين المجتمع الذكوري والمجتمع الأمومي "النيولوتي".

 

حضارات الشرق الأوسط هي الأعرق

وفي الشرق الأوسط هناك ثلاث حضارات هي الأقدم في العالم، وهي "السومرية، والمصرية، ووادي السند"، وحتى الآن يعتقد علماء الاركيولوجيا أن الحضارة السومرية هي الأقدم بينها، لكن علماء الآثار في مصر عثروا على كتابات تعود لنفس الوقت الذي كتبت فيه ألواح سومر، ولا يزال هناك احتمال آخر يتمثل في حضارة وادي السند، التي نشأت في أجزاء مما يُعرف الآن بأفغانستان وباكستان وشمال غرب الهند، ويعود تاريخها إلى ما لا يقل عن 3300 ق.م.

لكن حتى اليوم السومرية تتربع على عرش العالم كأقدم حضارة عرفها التاريخ حيث ظهر اسم سومر في بداية الألفية الثالثة ق.م في فترة ظهور الحيثيين لكن بداية السومريين كانت في الألفية السادسة ق.م عندما استقر شعب العبيديين بجنوب العراق وشيدوا المدن السومرية الرئيسية كأور ونيبور، واختلطوا بأهل الشام والجزيرة العربية عن طريق الهجرة أو شن غارات عليهم.

 

الحضارة السومرية

جنوب العراق استقر العبيديين، وكتبوا على الألواح الطينية أنهم تركوا موطناً في أرض جبلية يمكن الوصول إليها بحراً، واستقروا عند مصبي دجلة والفرات في العام 3200 ق.م، وشيدوا المدن السومرية الرئيسية.

وتعد قائمة الملوك السومريين مصدر مهم لدراسة الحقبة السومرية فالقائمة تتحدث عن الدويلات السومرية المتعاقبة زمنياً جزئياً وكلياً، وتعد أول سلالة سومرية حاكمة هي مدينة كيش، وقبل القرن 25 ق.م. قامت الإمبراطورية السومرية التي امتدت من جبال طوروس حتى جبال زاغروس ومن الخليج العربي حتى البحر الأبيض المتوسط، لتعيش فترة اضطرابات داخلية حتى القرن 23 ق.م.

وبعد عام 3250 ق.م ابتكروا الكتابة على الرقم الطينية وظلت الكتابة السومرية لـ 2000 عام لغة الاتصال بين دول الشرق الأوسط في وقتها، ولا تمت بصلة إلى أي لغة معاصرة.

فالشعب السومري يعد من أقدم الشعوب التي ابتكرت طريقة خاصة لكتابة لغتها المحكيّة بين الألفين الرابع والثالث ق.م، ودونوا أساطيرهم وملاحمهم ورسائلهم وصكوكهم ولوائح البضائع والأسعار وغير ذلك على الألواح الطينية، وتعتبر ملحمة جلجامش من أشهر ما وصل من تراثهم الأدبي.

وفي سومر نشأ أول عمل أدبي وهو "ملحمة جلجامش"، كما ترك السومريون "مرثاة أور"، التي ألفت بعد سقوط مدينة أور بيد العيلاميين، إضافةً لمرثاة سومر، ومرثاة نيبور ومرثاة إريدو وغيرها، ومن أشهر الأساطير التي أثرت على حياة البشرية حتى يومنا هذا هي أسطورة الخلق.

ولمبتكرات السومريين ومنجزاتهم الحضارية تأثير بارز فيما يعيشه البشر اليوم، فالعديد مما توصل إليه العالم يعتمد على المبادئ التي وضعها السومريون ومنها "الدولاب"، الذي أحدث ثورة في وسائل النقل ولا يزال العالم ينعم بفائدته، وكذلك المحراث الذي يحرث ويرش البذار في آن معاً، ولا يزال هذا المبدأ يُطبّق اليوم في المحاريث الآلية الحديثة.

ومن إنجازاتهم العلمية أيضاً بعض الصناعات الكيماوية، فكانوا يعملون على تقطير العطور وتركيب الأدوية، وهناك لوح يعود للألف الثالث ق.م مكتوب عليه أكثر من 12 وصفة طبية لمعالجة مختلف الأمراض.

وتعلّم السومريون تحويل اللّبن الى آجر من خلال شيه بالنار، فأصبحت صناعة الآجر رائجة مما مكنهم من بناء طابقين وأكثر، واشتهروا ببناء الهياكل المؤلفة من عدّة طبقات.   

وحولوا الصحراء إلى مناطق مزروعة، بعد أن خطّطوا مجموعة من القنوات المائية وحفروها بإتقان لنقل الفائض من مياه الفرات ودجلة إلى بقية المناطق.   

وارتكز التقويم السومري، كالمصري، على الشهر القمري، وقُسّمت الدائرة إلى ثلاثمئة وستين درجة، وكانت وحدة الأوزان عندهم تنقسم إلى ستين جزءاً يدعى الواحد منها "شاقلاً"، وما يزال النظام الستيني الذي ابتكروه مستخدماً حتى اليوم في العديد من العلوم كقياس الزمن والزوايا الهندسية ونظام الإحداثيات الجغرافية.  

 

الحضارة المصرية

أما مصر القديمة فارتكزت على ضفاف نهر النيل فيما يعرف اليوم بمصر، وبداية استقرار المصريين في منطقة وادي النيل عام 6000 ق.م، ولأن المياه متوفرة والأرض خصبة استوطن المصريون على ضفاف النيل وفائض المحاصيل ساعد في زيادة عددهم وساهم في تقدم الحضارة، لتتأسس دولتان هما الدلتا والصعيد واتحدتا في العام 3100 ق.م. 

وتشمل الإنجازات التي حققتها الحضارة المصرية تقنيات الاستفادة من المحاجر، والمسح والبناء التي دعمت بناء الأهرامات والمعابد والمسلات الضخمة، واستخدم نظام العد العشري مما ساهم في تطور الهندسة، إضافةً لأنظمة الري وتقنيات الإنتاج الزراعي، وصناعة الزجاج.

وشهد الطب تقدماً كبيراً حتى أنه شمل إجراء عمليات جراحية بسيطة، وإصلاح كسور العظام وتركيب الأدوية فالتراكيب الدوائية المصرية القديمة تتفق بنسبة 37 بالمئة مع الصيغ المعروفة حالياً.

 

حضارة وادي السند "هارابا"

بجانب حضارة مصر القديمة وحضارة بلاد الرافدين، تعد حضارة وادي السند واحدة من ثلاث حضارات مبكرة في الشرق الأدنى وجنوب آسيا، وواحدة من الحضارات الثلاث الأكثر انتشاراً، إذا امتد موقعها من شمال شرق أفغانستان، مروراً بمساحة كبيرة من باكستان، وحتى غرب وشمال غرب الهند، وأخذت اسمها من نهر السند وهو أطول وأهم نهر في باكستان وشبه القارة الهندية.

وعرفت بالتخطيط العمراني المميز وبنيت المنازل من الطوب الآجوري، وكان في مدنها نظام صرف متطور وشبكات إمداد مياه وتجمعات سكنية ضخمة، وأغلب المنازل مكونة من طابقين، ولمعظمها أماكن للاستحمام، موصولة بمصادر مياه، وأوجدت تقنيات جديدة في الصناعات اليدوية من منتجات العقيق الأحمر، ونحت الأختام.

 

حضارات أخرى لا تقل عراقة

حضارة الأناضول على أرض كردستان تعد من أعرق الحضارات أيضاً فعلم الجيولوجيا يشير إلى انحسار الجليد في هذه الأراضي قبل 15 ألف عام، لتنتقل إلى العهد النيوليتي ولتصبح من أهم المناطق التي تكاثف فيها النوع البشري وعاشت ثورة لغوية، وقال عالم الآثار الاسترالي جوردون تشايلد أن أهمية ثقافة العصر النيوليتي في هذه الأراضي لا تقل شأناً عن ثقافة أوروبا الغربية المعمرة أربعة قرون، فقد شهدت هذه الحقبة اكتشافات واختراعات لا حصر لها وعرفت تطورات كانت بمثابة ثورات من حيث معانيها وأهميتها وذلك في ميادين مختلفة كالزراعة والحرف اليدوية والمواصلات والسكن والفن والإدارة والدين كما أصبحت أرضية لاكتشاف وتسمية واصطلاح آلاف الظواهر الجديدة في كل ميدان من تلك الميادين كما أن موطن ولادة ونشوء مجموعة اللغة الآرية هو المنطقة النواة للهلال الخصيب وليس كما يعتقد بلاد الهند وأوروبا.

ومركز الحضارة في العصر النيوليثي هي مستوطنة نشأت في الألفية الثالثة ق.م بنتوء جبلي مرتفع عُرفت لاحقًا باسم بويوكايا، وأصبحت لاحقًا مدينة حاتوش، وبعدها أصبحت معقل الحيثيين وعُرفت باسم خاتوشا، وهي تُعرف حاليًا ببوغاز كوي، حيث اُكتشفت بقايا حضارة الحيثيين أسفل مدينة خاتوشا القديمة وفي مرتفعات بويوكايا وبويوكالي.

وعلى إرث هذه الحضارات نشأت حضارات أخرى لا تقل أهميتها وهي حضارة بلاد الشام فمنذ فجر التاريخ قامت عدة حضارات في المنطقة الممتدة من ساحل البحر الأبيض المتوسط غرباً حتى منطقة الجزيرة السورية شرقاً. 

ومن هذه الحضارات حضارة كيش وقامت في عدة مدن شمال بلاد الشام والجزيرة منها ماري وإيبلا وناوار "تل براك"، وتاريخها يعود للألف الرابع ق.م، وتأسست بعدها عدة ممالك منها ماري الأولى في العام 2900 ق.م، ومملكة ناوار 2600 ق.م، ومملكة إيبلا 3000 ق.م.

وكذلك حضارة الأموريون وهم أقوام ساميّة انتشروا في وسط وغرب بلاد الشام حوالي العام 2500 ق.م، تقول المصادر السومرية والأكادية أنهم لم يكونوا مستقرين فغزوا بلاد ما بين النّهرين وأسسوا مملكة بابل عام 1900 ق.م. وأسسوا المملكة الثانية في مدينة ماري في شرق سوريا عام 2200 ق.م، إضافةً لمملكة يمحض شمال غرب سوريا، والتي ازدهرت من القرن 19 ق.م، لتصبح من أهم المناطق التجارية قبل ما يقارب 4 آلاف عام. 

كما أسس الأموريون ممالك منها أوغاريت وتعتبر أبجديتها التي عاصرت اللغة اللأكادية والسومرية من أوائل الأبجديات، واُستعملت حوالي العام 1500 ق.م في تدوين اللغة الأوغاريتية، واكتشفت في الموقع الأثري أوغاريت في سوريا عام 1928، وتوفر هذه الأبجدية أولى الأدلة عن الترتيب الأبجدي للكتابة وأقدم الأبجديات الشامية والسامية الجنوبية.

كما تفوق الفينيقيون في صناعة الزجاج والنسيج بنوعيه القطن والصوف، وصباغة الأقمشة باللون الأرجواني ويعدون أول شعب بحري في التاريخ، فقد استطاعوا الطوفان حول القارة الإفريقية وأبحروا ليلاً مسترشدين بالنجم القطبي، واكتشفوا رأس الرجاء الصالح قبل فاسكودي غاما بألفي عام، ويقول عن ذلك الفيلسوف والمؤرخ ويل ديورانت في كتابه قصة الحضارة "ربطوا الشرق بالغرب من سواحل سوريا إلى سواحل المتوسط بشبكة من الروابط التجارية والثقافية وشرعوا ينتشلون أوروبا من براثن الهمجية".

وفي الأردن تعود أقدم الاكتشافات الأثرية إلى قبل مليون ونصف المليون عام، وقد تعاقبت على الأردن عدة حضارات بدءاً من العصور الحجرية، ومن الممالك التي عرفها الأردن المؤابية، والأدومية، والعمونية والنبطية التي تركت نماذج معمارية وحضارية، وهنالك العديد من الشواهد كالمباني والمسارح والمعابد والقلاع والتماثيل والمجسمات ولوحات الفسيفساء والكتابات.

ومن حضارات بلاد الشام الكنعانية والآرامية والكلدانية وغيرها، فالحضارات التي قامت في بلاد الشام وسوريا الداخلية ومنطقة الجزيرة السورية كثيرة.

وقبل ظهور الإسلام الذي ميز منطقة شبه الجزيرة العربية منذ أكثر من 1400 عام، ازدهرت الكثير من الحضارات في جنوب الجزيرة، واعتمدت على الزراعة والتجارة ونشأت طرق تجارة مهمة كطريق البخور وطريق اللبان.

وشكل اليمن موقعاً مهماً فنشأت فيه أبرز الممالك في شبه الجزيرة العربية وهي سبأ في القرن العاشر ق.م، وفيها تم بناء أول سد في التاريخ وهو سد مأرب، وأصبح اليمن ممراً تجارياً لإمبراطوريات أفريقيا، وقبل خمسة آلاف سنة قامت حضارة دلمون في البحرين وشرق الجزيرة العربية، وعثر فيها على أضخم المقابر في العالم، أما وسط الجزيرة وتحديداً عام 547 ق.م قامت مملكة كندة والتي تقع في نجد جنوب الرياض واستمرت حتى القرن السابع الميلادي.

ومع ظهور الإسلام أصبحت لمكة أهمية روحية كبيرة، وكانت قبل الإسلام محطة للقوافل بين الشمال والجنوب، وأضحت قبلة 2 مليار مسلم، في يومنا هذا، وكانت قد تراجعت أهميتها بعد امتداد الإمبراطوريات الإسلامية في العراق والشام، لكن اكتشاف النفط ساهم في استعادة مكة لأهميتها الاقتصادية.

 

المكتبات 

عندما هاجم المغول الدولة العباسية عام 1258م احترقت الكثير من المؤلفات القيمة في مختلف المجالات العلمية والفلسفية والأدبية والاقتصادية والاجتماعية، عندما أشعل المغول النار في إحدى أعظم مكتبات العالم القديم "بيت الحكمة"، وألقوا بالكُتب في نهري دجلة والفرات، وقتلوا الكثير من العلماء.

ومن أهم مكتبات التاريخ القديم وأكبرها في حضارة (مملكة إبلا) تل مرديخ الواقعة شمال سوريا تلك التي وجدت فيها آلاف الرقم والمخطوطات التي تحدثت عن مختلف جوانب الحياة والعمل وعمليات البيع والشراء.

وفي مصر وجدت مكتبات في مناطق متفرقة يرجع تاريخها إلى العصر الفرعوني، منها ما وجد في تل العمارنة حيث عثر على دور تحوي ألواح طينية مكتوبة بالخط المسماري، ولفائف من البردي، مما يدل على أنها كانت مكتبة أو داراً للسجلات والوثائق، وفي مدينة طيبة عثر على مجموعة أثرية ترجع إلى حوالي العام 1200 ق. م، تدل على وجود دور الوثائق والسجلات من لفائف البردي.

لكن الشرق الأوسط بات يعاني حالة من الجمود والتعصب الفكري والقومي والديني والذهني الذي يشكل عائق كبير أمام التطور والتغير من الدوغمائية والاقطاعية وكذلك حاجته الى التغير والانفتاح الذهني الصحيح. لعل المشاكل النابعة من الناحية الذهنية والجمود الفكري الذي يعاني منه الفرد والمجتمع الشرقي عامة، تعد من اهم العوائق الاساسية في قدرته على تخطي ازماته هذه، فالعقائد والأفكار التنويرية التي قدمها أنبياء وعلماء وفلاسفة حضارة الشرق الأوسط لا تعد ولا تحصى وساهمت في تقدم العلم الحديث.

لكن هذا التطور الذي حققته حضارات الشرق الأوسط تعرض للعديد من التحديات أوصلته إلى ظلام الجهل والتعصب المميت، وهناك العديد من الدوغمائيين الذين منعوا الفكر بل حرموه بحجة أنه يعارض الدين، ومنهم الإمام الغزالي المولود عام 1058م، الذي نقد بشكل كبير الفلاسفة وقال عنهم في كتابه مقاصد الفلاسفة "رأيتهم أصنافاً، ورأيت علومهم أقساماً وهم على كثرة أصنافهم يلزمهم وصمة الكفر والإلحاد"، وتبعه الكثير ممن يسمون أنفسهم بعلماء الدين، لذلك يعد استهداف الدوغمائية وتشتتيها ثورة من أجل نهضة الشرق الأوسط.

في الوقت الذي كانت الأزمة واللاتحليلية "الجمود" المعاشة في مركز ولادة حضارة الرق تمهد الطريق أمام الدويلات الموجودة على الأطراف والتي أصبحت أكثر مرونة وترسخ فيها الوعي الإثني، من جهة أخرى فقد كانت الجهود تبذل لإيجاد مخرج ضمن المخطط الإيديولوجي من خلال الأديان التوحيدية مع مساعي البحث السرية، إن الفلسفة وخاصة في المجموعات السرية تصبح مناسبة أكثر للتطور، حيث تزداد إمكانية التفكير الحر عند هذه المجموعات أو يزداد ما يمكن أن نسميه بالتجارب السرية لهذه المجموعات المناهضة للإيديولوجية الرسمية لنظام الرق، فبالإضافة لكونهم أصحاب اعتقادات واضحة فهم في مرحلة بحث واستقراء عن نظام قيم يرتبطون به من جديد ويجعلهم يتجاوزون خوفهم ويدخلون الطمأنينة إلى أذهانهم وأرواحهم. إنها عبارة عن طرائق نوعية في العهد البدائي ووعيه في العهد البدائي.