المرأة المصرية تحمي تاريخها وتكافح من أجل مستقبل أفضل

أحداث عديدة شهدتها مصر سياسية واقتصادية وأخرى عسكرية شكلت تاريخ الشعب المصري والمرأة التي أثبتت نفسها وأسست أعرق الحركات النسوية في المنطقة.

سناء العلي

مركز الأخبار ـ منذ أن تولد الفتاة في مصر تتعرض للانتهاكات بسبب أو من دون سبب تبدأ بالختان ولا تنتهي بفحوص العذرية المذلة فيما يحاصرها الفقر والتهميش، فحفيدة "إيزيس" و"حتحور" و"سخت" معرضة للزواج القسري، والطلاق التعسفي والصامت، ويتم ابتزازها من أجل التخلي عن النفقة وحضانة أطفالها. 

يقال إن التعميم لغة الجهلاء ولكن عند دراسة أي موضوع يتم أخذ الحالة العامة، فعند معالجة قضايا كالمرأة مثلاً يجب الأخذ بعين الاعتبار أنها لا تعبر عن قطاع أو فئة متجانسة، وإنما تتنوع من حيث الفئة العمرية والانتماءات الجغرافية والمهنية ودرجة التعليم وغيرها.

وعلى ذلك فإن الحالة العامة لحقوق المرأة في مصر مزرية فالعنف يحاصر المصريات من مختلف جوانب الحياة ولكن هناك بشائر في تحسين حياتهن إنما التغيير يحتاج لعقود وربما مئات السنوات والمهم هو الاستمرار دون فقدان الأمل من غدٍ أفضل.

 

لمحة تاريخية

الكثير من الآثار والوثائق التاريخية التي عثر عليها الباحثون وعلماء الأركيولوجيا في وادي النيل وثقت تفاصيل حياة شعوب عاشت في مصر منذ أكثر من 3 آلاف عام، أي منذ قيادة المجتمع من قبل النظام الذكوري، لكن هناك تاريخ غير مكتوب يتم تجاهله عن عمد عند الحديث عن تاريخ مصر، وعن معظم الحضارات وهو التاريخ المخفي للمرأة الممتد لأكثر من خمسة آلاف عام ق.م، وبحسب ما كشف لنا الفيلسوف عبد الله أوجلان فإن الفترة التاريخية المفقودة (تاريخ المرأة أو النظام الأمومي) تمتد لأكثر من 98 بالمئة من التاريخ البشري، مما يؤكد لنا بأن ما وصل إلى الآن ليس سوى أجزاء قليلة من التاريخ.

للجانب الروحي مكانة خاصة لدى جميع الشعوب قديماً وحديثاً، ولأن البشر في ذلك الوقت لم يتمكنوا من تفسير الكثير من الظواهر الطبيعية لجأوا إلى عبادة قوة خارقة اسموها آلهة، ومن أحق من المرأة لأن يكون ذلك المقدس الذي يمكنه فعل ما لا يستطيع أحد فعله من خلق ورضاعة، خاصة بعد أن اكتشفت المرأة الزراعة إحدى أهم أسس الحياة، فأصبحت إلهة الفلاحة والأمومة والحب متمثلة بـ "إيزيس" و"حتحور" و"سخت" وغيرهن ورغم ظهور مفهوم جديد وهو الإله الذكر مقابل الآلهة الأنثى بقيت المكانة الروحية الأكبر للإلهة الأنثى، ونقلت الأساطير توتر العلاقة بين الآلهة ذكوراً وإناثاً وهو ما يعتبر انعكاساً للصراع بين الذكورية والمجتمع الأمومي "النيولوتي".

وبقيت الكهنوتية وظيفة متوارثة وعلى عكس السومريون استطاعت النساء أن تكن كاهنات وامتلكن حق التملك، وإدارة أعمالهن الخاصة والحق في التبني، وترثن وتورثن وتبرمن العقود وتشهدن على عقود الزواج، وتتمتع المرأة بحق التقدم بشكوى إلى المحاكم، وبعد توحيد مملكتي مصر العليا والسفلى حوالي العام 3200ق.م، تقلدت النساء مناصب مختلفة، وسميت هذه الفترة بعصر الأسرات وهي 30 أسرة حاكمة.

ولكن لأن السلطة هي من ابتكار الرجل فإن القلائل من النساء استطعن أن يكن ملكات أو أن يتسلمن إدارة البلاد بشكل منفرد، فوفق هذه الايدلوجية الذكورية يتم توريث العرش عن طريق الذكور فقط، واشتراط إشراك المرأة للرجل في الحكم هو ما بقي من العصر النيولوتي، إذ تقول الأسطورة إن من يستبعد زوجته عن الحكم يتعرض لغضب الشعب، وفي حال موت الملك "الفرعون" فإن ابنه يرث كل شيء حتى زوجاته.

ومن أشهر الملكات في مصر القديمة الملكة "نفرتيتي" التي حكمت أثناء حكم زوجها "اخناتون" فرعون الأسرة 18 في القرن 14 ق.م، ويعدها التاريخ من أقوى النساء في مصر القديمة، لكن تم تشويه صورتها ومحو اسمها من السجلات التاريخية بعد وفاتها.

وأيضاً الملكة "حتشبسوت" التي حكمت في الفترة الممتدة ما بين (1458ـ 1473 ق.م) كوصية على ابنها، وساد البلاد أثناء حكمها الأمن والاستقرار وبرز الفن والعمارة بشكل كبير، وأرسلت بعثات إلى الصومال واليمن بقصد التجارة، وجلب البخور والعطور والتوابل وغيرها، وأعادت فتح مناجم الفحم والنحاس في شبه جزيرة سيناء.

وهناك ملكات لم يلقين شهرة كبيرة ولا يذكرهن التاريخ كثيراً كالملكة "مريت نيت" فبعض المخطوطات أشارت إلى الاعتقاد بأنها حكمت البلاد بمفردها، وكذلك الملكة "خنت كاوس" من الأسرة الرابعة، والملكة "سبك نفرو" وهي أول امرأة تحكم مصر بشكل فعّلي ودون أن تكون وصية على العرش، إضافةً لكل من الملكات "أرسينوي الثانية" و"برينيكي الثانية"، و"توسرت" آخر ملكة تحكم مصر في الأسرة 19 و"نفرتاري".

 

الحياة الاجتماعية

تكشف الرسومات والبرديات أن تعدد الزوجات كان موجوداً لدى الملوك "الفراعنة" في مختلف العصور ومنتشر بين العامة وبطبيعة الحال بين الكهنة، ولكن بشكل أقل ومقيد بموافقة الزوجة الأولى، وتعيش الزوجات في منزل واحد، مع العلم أن الزوجة الأولى هي من تحصل على كل الميراث، ولها الأولوية مع حفظ حقوق الزوجة في حال الطلاق الذي استأثر به الرجل.

العنف بدأ مع الانكسار الأنثوي والبرديات كشفت أن من حق الزوجة تقديم شكوى إلى المحكمة في حال أساء لها زوجها، أما التي ترتكب الخيانة فإنها تتعرض للاحتقار الشديد، وبذلك يمكنه حرمانها من كافة حقوقها وأحياناً يقوم بقتلها، وربما استغل الرجال هذا لإلصاق تهم الخيانة بالزوجة ليسهل عليه التخلص منها، فمع تراجع دور المرأة وانتشار النظام الطبقي وصلت التفرقة حد أن تكون بين النساء أنفسهن على أساس طبقاتهن الاجتماعية، أما الختان فمورس بكثرة قبل 5 آلاف عام.

العصر الروماني يحسب من تاريخ القضاء على البطالمة وانتحار الملكة كليوباترا، وقد امتد في الفترة (31 ق.م ـ 395م)، ولم تحكم مصر خلال هذه الفترة أي ملكة لأن مصر تحولت إلى مقاطعة تابعة للإمبراطورية الرومانية، وليس للمرأة عند الرومان أي قيمة، ووصل بهم الأمر حد وضع قفل على فمها لعدم سماع صوتها، وسحبت منها جميع صلاحياتها في المعبد وجردت من مناصبها.

فالتداخل بين الحضارات بفعل الحروب وغيرها أثر بشكل كبير على مكانة المرأة المصرية فتغيرت مفاهيم المجتمع وبنيته كذلك مع ظهور الديانات الثلاث التي يطلق عليها "السماوية أو التوحيدية"، فكانت تستهدف المرأة ويتم تطبيق التعاليم المتعلقة بالمرأة وكل ما يخصها بشكل صارم بعد أن رفعت العائلة لمرتبة القدسية ووضعت إدارتها بيد الرجل دوناً عن غيره، فلدى اليهود مثلاً لا ترث المرأة إن كان لديها أخوة ذكور، وجميع تعاليم وتشريعات العهد القديم تمييزية، وبدأ يظهر مفهوم الشرف المرتبط بالعذرية بشكل جنوني، وإلزام الرجل الذي يقيم علاقة مع فتاة غير متزوجة بالزواج منها وعدم تطليقها طوال حياته.

أما الإسلام ومنذ دخوله البلاد عام 641 م فأثر بشكل كبير على وضع المرأة، وحتى شجرة الدر التي هي من أكثر الأسماء النسائية شهرة ليس فقط في الدولة المملوكية وإنما في التاريخ الإسلامي لم يستمر حكمها سوى ثمانين يوماً فقط جراء الرفض الكبير الذي لاقته لكونها امرأة، استلمت الحكم بعد موت زوجها، في وقت تحشدت فيه قوات لويس التاسع واتجهت نحو الحدود المصرية، ولم يُقدر المجتمع الذكوري تمكن شجرة الدر من إدارة المعركة بحنكة كبيرة والانتصار بعد أن احتجزت لويس التاسع وإنهائها بذلك الوجود الصليبي في البلاد الواقعة تحت حكمها.

 

دور المرأة في مقاومة الاحتلال

مع احتلال البلاد من قبل العثمانيين ساءت أوضاع المصريين، فما كان من المرأة إلا أن شاركت وبقوة في الثورات، ضاربة بعرض الحائط مفاهيم المجتمع البالية، التي زادت مع انتشار النقاب بشكل كبير في تلك الفترة وكذلك الفقر، عدا عن سياسات المحتل في إجبار المصريون رجالاً ونساءً على العمل بالسخرة لصالح الدولة العثمانية، لترد النساء ما بين عامي (1801ـ1805م) بالمشاركة في حركات الاحتجاج ضد السياسة المالية للباشوات العثمانيين، وخرجن في مظاهرة ضخمة احتجاجاً على المبالغة في فرض الضرائب، وشاركن في الثورة العُرابية ضد الخديوي توفيق، حتى أن الفرنسيين ذكروا في تقاريرهم التي أعقبت الحملة التي قادها نابليون لاحتلال البلاد عام 1798 أن النساء كنَّ حاضرات بقوة للتصدي لقواتهم.

وخلال سنوات الاحتلال البريطاني لمصر والتي استمرت 54 عاماً تراجعت حقوق النساء بشكل كبير، وانتشرت تجارة العبيد، وكذلك الطلاق التعسفي وتعدد الزوجات والعنف، ورغم ذلك شاركت النساء في ثورة 1919 الشهيرة، لتسقط أول شهيدة في الثورة وهي حميدة خليل، ثم خرجت على إثرها مظاهرة ضمت 300 امرأة، وقاطعت النساء "لجنة ملنر" التي شكلها الاحتلال البريطاني لمعرفة أسباب الثورة، كما ساهمن في حملة مقاطعة البضائع الأجنبية، ومن خلال هذا الدور البارز أعادت المرأة لنفسها مكانتها الطبيعية في المجتمع المصري بعد سنوات من التراجع، وشكلت النساء أول كتيبة نسائية حملت أسم "كتائب بنت النيل"، أسستها درية شفيق رائدة حركة تحرير المرأة في مصر وصاحبة كتاب المرأة المصرية، وفي عام 1922 نالت مصر استقلالها عن بريطانيا وأُنشأت المملكة المصرية الخاضعة بجميع قرارتها لبريطانيا.

 

حصد ثمار الثورة

حمل دستور البلاد عام 1923 ثمار مشاركة المرأة في الحراك الجماهيري المنادي بالاستقلال إذ نص على المساواة بين جميع المواطنين رجالاً ونساءً وتأسس الاتحاد النسائي، وسُنت قوانين تحدد عمر زواج الفتيات بـ16 عاماً والمساواة في التعليم، وفي هذه الفترة كانت الناشطة النسوية هدى شعراوي من أقوى الشخصيات النسوية على الساحة المصرية والعربية، وأسست الاتحاد النسائي وافتتحت مدارس للفتيات على نفقتها الخاصة وأوفدت البعثات النسائية إلى جامعات أوروبا.

وانتهت فترة الحكم الملكي بحدث غاية في الأهمية وهو اقتحام عضوات بنت النيل وعلى رأسهن درية شفيق مبنى البرلمان للمطالبة بمشاركة المرأة لكي يمثل هذا البرلمان جميع فئات الشعب المصري وليس الرجال فقط. 

وبثورة الضباط الأحرار أعُلن عن قيام جمهورية مصر العربية عام 1958وبذلك ألغي الدستور الملكي، وبدأ الحديث وبجرأة عن حقوق النساء في دستور الدولة الجديدة، لكن رغم استلامه للحكم تحت شعارات داعمة للمرأة إلا أن جمال عبد الناصر لم يقر حقوق المرأة السياسية المتمثلة أولاً والأهم في حق التصويت إلا بعد اضراب درية شفيق ومن معها من الحقوقيات النسويات عن الطعام.

 

حقوق المرأة وفقاً لايدلوجية الدولة

نشأ خلاف كبير وجوهري بين جمال عبد الناصر رئيس البلاد، وبين حركة الإخوان المسلمين لأسباب عديدة بينها قضية تحرر المرأة، وطلب الإخوان منه فرض الحجاب الإلزامي كما يحصل الآن في إيران، وهو ما كان مرفوضاً وينافي مبادئ الثورة التي قامت على الأسس الاشتراكية، لكن على عكسه عمل أنور السادات الذي استلم الحكم عام 1970 على تقوية علاقاته مع الإخوان المسلمين، وفي لجنة صياغة الدستور أقصيت النساء وأبعدن عن الجيش والشرطة والقضاء بسبب ذكر اللجنة كلمة رجال لكل من هذه التخصصات، ولم يغير الكثير توقيع البلاد على اتفاقية سيداو عام 1980، فقط تم إلغاء القانون المتعلق بزواج الضحية من المغتصب منذ عام 1999، ومنح المرأة حق إعطاء جنسيتها لأبنائها عام 2004.

 

العنف المجتمعي

منذ أن تولد الفتاة في مصر تتعرض للانتهاكات بسبب أو من دون سبب تبدأ بالختان ثم فحوص العذرية المذلة سواء من أهلها أو من زوج المستقبل وحتى من الدولة وبين هذا وذاك تتعرض للتحرش كل يوم، ويحاصرها الفقر والتهميش، وقد أخذت قضية العنف ضد المرأة اهتماماً كبيراً سواء من قبل منظمات حقوق الإنسان الدولية أو من المؤسسات المحلية في مصر بعد حوادث التحرش والاغتصاب في ساحات الثورة، وعمليات الختان التي كانت لوقت ليس ببعيد تقليد يميز القارة الأفريقية على حساب أجساد وأرواح النساء.

واستطاعت مصر تحقيق نجاح في خفض معدل ختان الإناث بفضل تشديد العقوبات، ونشاط المجتمع المدني، بعد أن كانت البلاد تعد الأعلى عالمياً، وبدأت الجهود تأخذ شكلاً أكثر صرامة قانونياً عام 2008 عندما تم إصدار قانون يجرمه.

وهناك آفة أخرى تفتك بالمجتمع المصري المتمثلة بالتحرش ففي عام 2008 كشفت دراسة للمركز المصري لحقوق المرأة أن 83 بالمئة من النساء يتعرضن للتحرش بأشكال مختلفة وهذه دراسة قديمة نسبياً لكن لا توجد إحصائيات حديثة، مع العلم أن البلاد سنت قانون يجرمه منذ العام 2014، فيما لم يكن فحص العذرية منتشراً وكان القيام به مقتصراً على حالات الاعتداء والاغتصاب، إلا أن النظام المصري السابق استخدم كشوف العذرية لتهديد المعارضات، وإجبارهن على تغيير مواقفهن السياسية في ثورة 2011.

ومن الانتهاكات الممارسة أيضاً بحق نساء مصر جرائم الشرف والزواج العرفي والقسري، وزواج القاصرات، إضافةً للطلاق التعسفي، والطلاق الصامت، والمسيحيات لسن أفضل حالاً فمعاناتهن الكبرى تتمثل في عدم قدرتهن على الطلاق، وجميع النساء من مختلف الأديان والطوائف يتم ابتزازهن من أجل التخلي عن النفقة.

 

أين الحركة النسوية اليوم؟

تُعد الحركة النسوية المصرية من أقدم الحركات في الشرق الأوسط والمنطقة العربية عموماً، قادتها الناشطة المعروفة هدى شعراوي منذ بدايات القرن الماضي، وشكلت مشاركة المرأة في الثورات نقطة مهمة في إثباتها لنفسها في المجتمع المصري كما أسلفنا سابقاً، ولمصر السبق في إصدار أول مجلة نسائية للمرأة في المنطقة عام 1898م باسم "الفتاة" وتبعها بعد ذلك إصدار عدة مجلات مثل "فتاة الشرق" عام 1906م، ثم مجلة "الجنس اللطيف" عام 1908م.

الإنجازات النسائية التي تحققت كثيرة والدوافع مختلفة فالوضع المتردي للنساء في بادية الفيوم شكل حافزاً لنشاط ملك حفني النسوي، أما درية شفيق فهي ثورة فكرية بحد ذاتها، مناصرة لحقوق المرأة لأبعد الحدود، ولدت عام 1908م، وأسست مجلة "بنت النيل" عام 1945م، أول مجلة نسائية عربية توعوية للنساء، وأسست حزب بنت النيل السياسي، وقادت مظاهرة ضد الاحتلال البريطاني عام 1951م واقتحمت مجلس النواب مطالبة بدخول المرأة للبرلمان.

لكن النظام الدولتي فرض رقابته على الحركة النسوية بعد ثورة الضباط الأحرار عام 1952م، وحتى اليوم وربط جميع المنظمات النسوية بمؤسسات الدولة، ولم تلقى مطالبات النساء تعديلات تشريعية في قوانين الأحوال الشخصية، أذاناً صاغية، يتم التضييق على النسوية وتحتاج الناشطات تصاريح للموافقة على إقامة فعاليات توعوية أو حتى خيرية، وبعد العام 1999 تم تأطير العمل النسوي بما يتناسب مع كل نظام يستلم السلطة، ولكنهن ضغطن من أجل العديد من القضايا واستطعن إحداث تغييرات مهمة كما في قوانين التحرش والختان.

 

"الثورة خلعت رأس النظام وأبقت على جسده"

لطالما تحدثت الناشطة البارزة نوال السعداوي عن الارتباط بين الاقتصاد واستعباد المرأة وانتقدت النظام السياسي وواجهته بقوة، وقالت في أحد لقاءاتها أن "كل نظام سياسي يفسر الدين كما يشاء"، لذلك قالت بعد ثورة 25 كانون الثاني/يناير 2011، "خلعنا رأس النظام وما زال جسده موجوداً"، وقالت في لقاء آخر أنه لا يمكن تحرير النساء في مجتمع تابع وعبد للقوى الغربية الرأسمالية.

فالنساء اللواتي شاركن بقوة في التظاهرات حملن مطالب الشعب ولم تخصصن شيء لقضاياهن، ولم تكنَّ واعيات لخطورة حكم الإخوان المسلمين، الذي بدأ بهضم حقوق النساء بعد الاستيلاء على السلطة فجاءت لجنة الدستور عام 2012 مخيبة للآمال، تمثيل ضعيف للنساء وفقدان للكثير من المكتسبات التي حاربن سنوات لتحقيقها، والكثير من المظاهر التي لا تشبه المجتمع المصري بدأت بالظهور على السطح من الاستهداف على أساس الجنس إلى التهميش أن تم عزله في الثالث من تموز/يوليو2013.

وكرد فعل طبيعي أقبلت النساء بشكل كبير على استفتاء دستور عام 2013 الداعم لحقوق المرأة مقارنة بما سبقه ومن أهم ما جاء فيه تجريم التمييز بين الجنسين في جميع مجالات الحياة، لكن الذهنية الذكورية لا يمكن اجتثاثها بسهولة بعد 5 آلاف عام من السيطرة لذلك لم يستغرب رفض لجنة الخمسين إقرار الكوتا بجميع أشكالها في المجالس النيابية رغم إصرار النساء على تطبيقها، والاكتفاء بإقرار كوتا في المجالس المحلية المنتخبة بنسبة الربع فقط.

 

الفقر يعيد النساء لمربع العنف الأول

أرهق اقتصاد مصر في السنوات الأخيرة وما يزال مرهقاً، والشعب هو كبش الفداء الأول لأي نكسة اقتصادية فالشعب الذي زاد تعداده عن مئة مليون نسمة في معظمه يمر بأزمات الفقر والبطالة، مما يرفع معدلات العنف ضد المرأة والطفل، ويرتفع كذلك معدل الجريمة، وتأثر الريف بشكل أكبر مما دفع العائلات للهجرة الداخلية نحو المدن كنتيجة طبيعية لتراجع القطاع الزراعي الذي وصل إلى حالة غير مسبوقة من التردي والانحدار.

نسبة كبيرة من النساء يتم تفقيرهن وخاصة الريفيات اللواتي تعملن في أراضي العائلة دون أجر ثم لا ترث متراً واحداً من هذه الأرض التي أفنت عمرها بزراعتها، والعديد من اللاتي تعملن في الصناعات اليدوية والتجارة لا تتقاضين أجور، إذ تمثل النساء 30 بالمئة من إجمالي من يعانون من سياسة التفقير أي نحو 3.4 مليون امرأة.

 

نظرة أمل

بالتأكيد لا يخلو الواقع من الإخفاقات وما لم يكتمل بعد من أحلام وأفكار وطموحات ومطالب، ولذلك تعمل مؤسسات المرأة والمجتمع المدني في مصر على رفع الوعي المجتمعي، وكسر حاجز الصمت في قضايا وحقوق المرأة، ومنها المساواة والتمييز، وما تزال العديد من المصريات تمشين وفق النهج الذي أسسته هدى شعراوي من أجل مستقبل أفضل لنساء مصر، ما تزلن تناضلن من أجل واقع أفضل، واستطعن تحقيق عدد من المنجزات لصالح قضاياهن خلال الأعوام القليلة الماضية، على رأسها خلق وعي عام تجاه حقوقهن وقضايا العدالة والمساواة والأدوار الاجتماعية واحتياجاتهن المشروعة وغير ذلك وهذه نقطة تحسب لهن وتدفع المجتمع ليحسب لهن ألف حساب.