شهادات نساء نازحات: الأوضاع كارثية في مراكز الإيواء
أكدت نازحات في مراكز الإيواء تدهور الأحوال الصحية والنفسية وتفاقم معاناتهن، واقتراب الأوضاع المأساوية نحو الهاوية نتيجة الإهمال الشامل.
نغم كراجة
غزة ـ تعاني النازحات في ملاجئ الأونروا ومراكز الإيواء من انعدام الرعاية الصحية ونقص الإمدادات الإغاثية والإنسانية، وتتحملنّ الصعاب والمسؤولية جراء مواصلة أقسى حرب يمر بها الشعب الفلسطيني، ولم تحظين بأي اهتمام عربي ودولي بالرغم من نشر معاناتهن الواضحة للعالم، واستمرار استغاثتاهن ومناشداتهن حتى الآن.
تقول إحدى النازحات في مراكز الإيواء ناريمان أبو الكاس "منذ ما يقارب الشهر ونحن متواجدين داخل مدرسة الأونروا بعدما أطلقت صواريخ متفرقة على منطقتنا الحدودية أسفرت عن وقوع عشرات القتلى، صاروخ الاستطلاع الذي استهدف منزلنا دون انذار جعلنا ننزح إلى الملاجئ سيراً على الأقدام، لنعلم لاحقاً أن المنزل المكون من أربع طوابق ويضم 35 شخص تم تدميره بالكامل".
وأشارت إلى أن المعاناة تضاعفت وحالتها النفسية متدهورة بعد تدمير مأواها الوحيد "في حال انتهت الحرب لا يوجد ملاذ لي ولأولادي ولا أي مكان نذهب إليه، ليس هنالك أي تعويضات عن حجم الدمار والخسائر، نحن بالكاد نستطيع توفير قوت يومنا، فكيف سنعمر منزلاً من جديد؟".
كما أن ملاجئ الاونروا تفتقر للخدمات والموارد الأساسية من مياه وكهرباء وامدادات إغاثية إلى جانب انعدام الرعاية الصحية والنظافة العامة في غرف الإيواء، كما أوضحت "نواجه أزمة كبيرة في جلب المياه التي نحتاجها طيلة اليوم فلجأنا إلى تعبئة العبوات والزجاجات الفارغة من المياه شبه الملوثة لتأدية احتياجاتنا الضرورية، كذلك نعاني من نقص أدوات التنظيف والسلامة، فالوضع كارثي وخاصة من ناحية الأطفال نتيجة الإهمال الصحي".
وقالت "نحن إن لم نمت من الصواريخ التي تنهال في كل المناطق كالمطر سنموت من الجوع حيث لم نحصل على أي مساعدة إغاثية أو طرد غذائي لسد قوتنا ورمق أطفالنا، تزامناً مع نفاذ غالبية البضائع الأساسية والخضار أيضاً من الأسواق، حتى الخبز بات حلماً صعب المنال بعد طوابير آلاف الأشخاص أمام المخابز التي أصبحت مستهدفة قاصداً الاحتلال بذلك تجويعنا وقتلنا ببطء".
وأوضحت "أبحث يومياً عن دقيق الطعام الذي شح حالياً في السوق بسبب زيادة الطلب عليه؛ لتصنع منه خبزاً بواسطة الخشب وفرن الطين نظراً لانقطاع الغاز مما يستدعي الاستعانة بالحلول البدائية وليس هناك أي خياراً آخر، نعيش مجاعة غير مسبوقة لذلك نبحث عن أي حل يخرجنا من المأزق إلى حين انتهاء هذه الحرب الهمجية".
وتواجه ناريمان أبو الكاس تحديات جمة عند استعمالها للمرافق العامة والمراحيض حيث تضطر للانتظار طويلاً في طابورٍ مختلط لقضاء حاجتها، وهذا الحال المأساوي يعاني منه فتياتها اللواتي تتذمرن من هذه الأوضاع المزرية حيث لا تستطعن فعل أي شيء في ظل انعدام مفهوم الخصوصية والأمان "فتياتي لا يتمكنّ من غسل وجوههن أو حتى تغيير ملابسهن، نعيش في مراكز الايواء المكتظة مع عائلات مختلفة لا نعرف عنها شيئاً".
كما أن وضع ناريمان أبو الكاس الصحي متدهور حيث تعاني من مرض السكري المزمن الذي بحاجة إلى متابعة ومراقبة طبية مستمرة لكن إسرائيل تفرض سياستها الكاملة حتى على دخول شاحنات الأدوية إلى القطاع "اعتدت كل ٢٠ يوم على إجراء فحوصات الدم للاطمئنان على نفسي، وفي الوقت الحالي تأتيني نوبات إغماء إلى جانب نفاذ العلاج الخاص والحقن"، منوهة أنه منذ اندلاع الحرب لم تهتم أي جهة بأوضاع المرضى.
وعبرت عن استيائها الشديد جراء الأوضاع الكارثية في مراكز الايواء خاصة انعدام النظافة والرعاية في كل شبر به، ومعظم الأفراد ينامون على الأرض بلا فراش وأغطية في مشهدٍ قاسٍ خالٍ من الإنسانية "العالم يرى حجم نكبتنا ومدى مأساتنا ولا يتحرك وكأنه اعتاد المشهد، جميعنا مضطرون للتعايش مع ظروف قاهرة لا تناسبنا".
وفي رحلة معاناة أخرى تحاول النازحة عايدة محمد البحث عن مقصوصات القماش وتقوم بجمعها وعقدها؛ لتستخدمها لأطفالها بدلاً من الحفاضات الطبية التي ارتفع ثمنها ووضعها المادي السيء لا يسمح بشرائها، وتسعى إلى جلب ملابس مستعملة؛ للبسها هي وأبنائها "هرعنا من المنزل بعد أمر الإخلاء مباشرة، ومن شدة الخوف والذعر لم نستطع احضار ملابسنا والمتطلبات الأساسية والأوراق الثبوتية، كان كل تفكيرنا إنقاذ أرواحنا قبل أن نصبح تحت الأنقاض".
وأوضحت "كل السبل ضاقت بنا ونتماشى مع الحال المفروض علينا، هربنا من الموت إلى موت آخر، لا يوجد هنا ما يسمى حياة وكل شيء منتزع كرامتنا وسلامنا وأمننا وحريتنا، وكل يوم يمضي بثقله، ونجد أنفسنا نخوض معاناة جديدة خاصة أن النساء في الوقت الحالي هنّ معيلات أسرهن وتحملن المسؤولية بأكملها على عاتقهن".
ولفتت إلى أن جميع النساء في مراكز الايواء تواجهن كافة أشكال المعاناة "نخطط كل يوم كيف سندير شؤوننا وتدبير قوت أسرتنا وتلبية الاحتياجات الضرورية بأقل الإمكانيات المتاحة".
وفي بيانٍ لوكالة الغوث للاجئين "الأونروا" أكدت أن عدد النازحين في قطاع غزة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر السابق بلغ مليون و400 ألف نازح، أكثر من نصفهم في مراكز الإيواء البالغ عددها 149 ملجأ.