جرائم العنف ضد النساء وآليات الحد منها محور مائدة حوارية في مصر
أكدت المشاركات في مائدة حوارية عقدت على خلفية ارتفاع وتيرة العنف وقتل النساء، على ضرورة إيجاد آليات للحد منه ومناهضته، وتكثيف الجهود للقضاء على التمييز بين الجنسين.
آليات التعامل مع الجرائم
أسماء فتحي
القاهرة ـ ارتفعت وتيرة العنف في الفترة الأخيرة وتعددت صوره التي أربكت المجتمع المدني وأثرت سلباً على أوضاع النساء وزادت من حجم مخاوفهم، كما ارتفعت الأصوات المطالبة بضرورة إصدار قانون موحد لمناهضة العنف لتلافي العوار الموجود في قانون العقوبات المصري الخاص بمثل تلك الجرائم.
عقدت مؤسسة قضايا المرأة المصرية مائدة حوارية أمس الثلاثاء 31 تشرين الأول/أكتوبر، بحضور مجموعة من المهتمين بقضايا النساء والمعنيين بالملف من مختلف الجهات والمؤسسات لمناقشة حالة الملف وأسباب تفاقمها والوقوف على التوصيات الخاصة بالتعامل معه وتحجيم انتشاره وسبل مناهضته.
وأكدت عضوة مجلس أمناء مؤسسة قضايا المرأة المصرية سهام علي خلال افتتاحها للمائدة الحوارية، على أهمية إصدار قانون موحد لمناهضة العنف وللحد من جرائم العنف ضد النساء، لافتةً إلى أن المؤسسة عملت على هذا الملف منذ سنوات عديدة ووجهت جانب ليس بالقليل من تركيزها لبحث سبل مناهضته، وأسباب وقوعه وارتفاع وتيرته وخاصةً بعد ارتفاع معدل قتل الفتيات والنساء، كما أن اللقاء يستهدف تبدل الآراء وفتح النقاش الفعال من أجل الخروج بمزيد من التوصيات وطرح الحلول الممكنة كواحد من الآليات التي تعتمدها المؤسسة في عملها.
وتيرة العنف ترتفع والمجتمع بحاجة للتكاتف لمناهضته
بدورها أوضحت عضو مؤسسة إدراك للمساواة والتنمية منى أبو حميدة، أن أحد أهم مشاريعهم رصد معدلات العنف لإيمانهم بأن البيانات فاعل مهم ومؤثر في مواجهة مثل هذه الانتهاكات، مشيرةً إلى أن السنوات الأخيرة شهدت ارتفاع كبير في وتيرة العنف وباتت تحدث بشكل علني، وأن 30% ممن تعرضن للعنف في 2022 كانوا أقل من 18 عام وهم فئة المراهقين الأكثر هشاشة مجتمعياً.
وعن المحافظات التي شهدت وتيرة أعلى من العنف قالت أن "محافظة الجيزة احتلت الترتيب الأول في القائمة"، مشيرة إلى أنهم لم يعملوا على رصد الجرائم فحسب، بل الوقوف على ردة فعل المجتمع تجاهها وأسباب قبوله بمثل هذه الممارسات التي نالت من أرواح الفتيات، مشيرةً إلى ارتفاع معدل جرائم العنف الاقتصادي والذي نتج عنه القتل للاستحواذ على الميراث يتضاعف من عام لآخر وبارتفاعه الغير مبسوق يحتاج إلى تدخل بآليات وإجراءات من مختلف الجهات المعنية.
تواطؤ مجتمعي للسيطرة على النساء
هناك عدد من الأسباب الاجتماعية أورثت العنف وساهمت في تسلسله نتيجة العادات والتقاليد والثقافة الذكورية السائدة بحسب رؤية أستاذة علم الاجتماع المساعد بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية هند فؤاد، التي أكدت أن ما يطرح من نسب وإحصائيات حول العنف قد لا يكون على درجة عالية من الدقة لاختلاف مفهوم وصور العنف وفقا للمجتمعات والطبقات التي يمارس فيها .
وأوضحت أن الموائد الحوارية تؤثر بدرجة كبيرة على وعي المتلقي، لقدرتها على جمع العديد من فئات المجتمع مع الجهات التنفيذية وطرح وجهات نظر أغلب الأطراف المعنية، لافتة إلى أن عرض الدراسات والأبحاث خلالها تؤثر إيجاباً لما قد ينتج عنه من تبنى استراتيجيات من شأنها أن تغير في الرؤى العامة.
وعلى هامش المائدة الحوارية التي حملت عنوان "العنف ضد النساء قصور قانوني... تواطؤ مجتمعي"، المعنية بعرض التحليل الاجتماعي لجرائم العنف التي ارتفعت وتيرتها في الفترة الأخيرة، أكدت على أن الثقافة المجتمعية متواطئة بالفعل على النساء في قضية العنف لأن لديهن قبول لما يمارس عليهن من انتهاكات وجرائم، فضلاً عن غياب الردع العام.
واعتبرت أن مختلف أنواع العنف هي جرائم في حاجة لوضع عقوبات لمنع ارتكابها، مشددةً على ضرورة دعم وجود قانون موحد لمناهضة العنف لتلافي العوار الموجود في قانون العقوبات، فضلاً عن أهمية العمل على كسر الثقافة الذكورية التي تخلق تمييز في التربية بين النوعين حتى لا يسفر الأمر عن خلق جيل غير سوي أكثر انسجاماً مع العنف، مضيفةً أن أحد أسباب ارتفاع معدل العنف تكمن في الفهم الخاطئ لبعض النصوص التشريعية والدينية وهو الأمر الذي ارتفع معه معدل انتهاك حقوق النساء.
آليات التعامل مع الجرائم
ومن جانبها قالت استشارية التدريب والعلاج النفسي منى أبو طيرة، أن الوقوف على الدوافع النفسية لجرائم العنف وسيكولوجية المعتدي والضحية وآليات الحماية النفسية أحد أهم أدوات التعامل مع ملف العنف، مؤكدةً على أن التوعية بسيكولوجية الجاني والضحية قد يساعد في رفع معدل التوعية بأهمية الإجراءات التي يجب أن تتبع داخل الأسرة والمجتمع والمدارس للتغلب على قضايا العنف ضد النساء.
ولفتت إلى أن التوتر يمكنه أن يصل بالإنسان لحد الانفجار إن لم تكن لديه أدوات التعامل معه مما يفقده القدرة على التحكم في سلوكياته وكذلك على دفاعاته وهو ما قد يؤدي للذروة بارتكاب جرائم القتل، لافتةً إلى أن المعنف قد يعطى وعود وآمال بأن الواقع أفضل ولكن هذا غير صحيح لأنه سرعان ما يدخل في دائرة التوتر والتعنيف مرة أخرى.
وأوضحت أن الشخص الذي لا يثق في نفسه ويتمركز حول ذاته ولا يستطيع التحكم في غضبه يصبح أكثر قابلية لممارسة العنف خاصةً إن كان نتاج بيئة أسرية تعطيه قيمة أعلى من المرأة ورسخت بداخله أن رغباته لا يجب أن يتم رفضها، مشيرةً إلى أن الضحية أيضاً لها مواصفات أهلتها للقبول بالعنف أو ساهمت في جعلها في هذا الموضع ومنها معاناتها من التوتر والانسحاب والخجل وعدم قدرتها على تأكيد ذاتها أو رفض ما يحدث لها مما يجعلها في بعض الأحيان تستسلم للتقاليد والأعراف والقيم التي تدعوها للتحمل والمواصلة.
واعتبرت أن تمكين النساء على مختلف المستويات يساعد لدرجة كبيرة في قدرتهم على المواجهة والرفض كما أن للدولة والمؤسسات المعنية بالأمر دور فاعل وقوي في التغيير، موضحةً أن للتوعية دور في خلق المناخ الرافض للعنف لكون عدد كبير من النساء لا يعين طبيعة ما يمارس عليهن من عنف ويعتبرونه جزء من السياق الاجتماعي الواجب قبوله.