حُضور نسوي يضيئ أروقة معرض الجزائر الدُولي للكتاب

تميزت الدورة الـ 28 لمعرض الجزائر الدولي للكتاب بمشاركة نسائية قياسية من كاتبات وناشرات من الجزائر والعالم العربي وأوروبا، قدمن أعمالاً أدبية تعكس عمق التجربة النسائية المعاصرة.

رابعة خريص

الجزائر ـ أكدت المشاركات في معرض الجزائر الدولي للكتاب على أهمية الحضور النسائي في المشهد الثقافي، من خلال تقديم محتوى أدبي متجدد يعكس عمق التجربة النسائية المعاصرة في المجتمع الجزائري.

شهد اليوم الأول والثاني من فعاليات الطبعة الثامنة والعشرين لمعرض الجزائر الدولي للكتاب، التي انطلقت رسمياً مساء الأربعاء 30 تشرين الأول/أكتوبر إقبالاً جماهيرياً غير مسبوق على مختلف أجنحة المعرض، وقد لفت الأنظار الحضور الكثيف الذي قُدّر بالآلاف، ويُعزى ذلك إلى تزامن انطلاق المعرض مع عطلة عيد الثورة، التي تُصادف الأول من تشرين الثاني/نوفمبر من كل عام، ما أتاح للزوار فرصة مثالية لاكتشاف جديد للساحة الأدبية والثقافية في أجواء احتفالية مميزة.

خلال جولة ميدانية لوكالتنا في فعاليات الدورة الثامنة والعشرين من معرض الجزائر الدولي للكتاب، الذي اختار موريتانيا ضيف شرف لهذا العام، برز بشكل لافت الحضور النسائي في مختلف أجنحة المعرض، فقد سجلت الكاتبات والناشرات والمبدعات من الجزائر والدول العربية، وحتى من أوروبا، مشاركة قياسية، قدمن خلالها محتوى متجدد ورؤى فكرية تعكس بوضوح عمق التجربة النسائية المعاصرة في المجتمع الجزائري.

وقد تميزت دور النشر الجزائرية مثل "القصبة"، "البرزخ"، "ميم" و"الشهاب"، إلى جانب نظيراتها العربية والأجنبية، بارتفاع ملحوظ في نسبة الإنتاج الأدبي النسائي، سواءً من خلال الإصدارات الجديدة المصحوبة بفعاليات "البيع بالإهداء" أو "البيع بالتوقيع"، أو عبر الحضور القوي لدور نشر تديرها نساء أثبتن كفاءتهن في قيادة المشاريع الثقافية بكل اقتدار.

وقد عرف المعرض هذا العام إطلاق عدد من الإصدارات النسائية الجديدة التي تناولت قضايا من عُمق المُجتمع الجزائري بُلغة رصينة تحمل في مضمونها رسائل تعكسُ وعياً مُتقدماً وإحساساً وطنياً عميقاً.

وتقول مريم علاقي ذات 17 عاماً واحدة من أصغر الكاتبات في الجزائر والوطن العربي، والتي سجلت حضورها للمرة الأولى في فعاليات المعرض الدُولي للكتاب بروايتها الأولى "جواهر قلبي"، إن الرواية تُقدمُ تجربة سردية تُعالج ظاهرة اجتماعية سلبية وشكل من أشكال العُنف المُتكرر والمقصود وهي التنمر، وهي تقصُ حكاية فتاة مُراهقة مرت بفترة صعبة أثناء انتقالها إلى بلدة أخرى بعيداً عن أهلها وكانت عُرضة للتنمر المدرسي وهُو ما سبب لها أذى نفسي كبير وشُعور بالعزلة والانفصال عن الآخرين، فجواهر (البطلة في الرواية) عندما انكسرت وتدمرت حالتها النفسية وجدت في الكتاب قُوة الإرادة التي تتحلى بها".

وأكدت مريم علاقي أن "الرواية هي قصة حقيقية وليست من وحي الخيال تعكسُ الواقع القاسي الذي مرت به وحاولت التخلص منه باللجوء إلى العالم الخيالي الذي هو أفكارها التي لجأت إليها حينها".

وقدّمت دار "تايدمايت" للنشر والتوزيع أحدث إصدارات الكاتبة والإعلامية سلوى لميس مسعى، والتي تنوّعت بين الشعر والسرد، منها ديوانها الشعري "أناشيد العين الثالثة"، وهو مجموعة من النصوص المتفرقة التي تعبّر فيها عن قلق وجودي وتفريغ ينبع من ذاتها الغارقة في التأمل والبحث عن المعنى، كما طرحت كتاباً جديداً بعنوان "حلاق مونتي كارلو الصغير" يتضمّن وصايا موجّهة لمرضى نفسيين، إلى جانب ذلك عرضت مجموعة من التجارب السردية مثل "كورونا مرت من هنا"، "مزاج السينوفاك"، "مجلس عزاء"، وأخيراً "مستوى أول ضياع"، التي تعكس تنوّع رؤاها الأدبية وعمق اشتغالها على الإنسان في مختلف حالاته.

وقالت سلوى لميس إن مشاركتها في الدورة الثامنة والعشرين تُعد أول ظهور رسمي لها، وعن طبيعة الروايات التي قدمتها ودور المرأة فيها، أوضحت "أنا لا أتعامل مع المرأة كعنصر خاص أو منفصل في النصوص، لكنها تظهر بقوة من خلال شخصياتها، كما في تجربتي السردية (مستوى أول ضياع) و(حلاق مونتي كارلو الصغير) كتابتي تنطلق من الإنسان ككل، والمرأة جزء من هذا الكيان الإنساني، ومع ذلك تحمل النصوص خصوصية معينة تتجلى في طريقة التفكير والتركيز على تفاصيل قد لا يلتفت إليها الآخرون، بل وحتى المرأة نفسها قد لا تراها".

وفي المعرض سجلت الشاعرة الجزائرية نادية نواصر حُضورها بمجموعة مُتنوعة من العناوين التي تتراوح بين الشعر والنقد ومنها "مينيرفا"، "ليلة الغدر بفاطمة نسومر"، "شقراء إفريقيا"، "رسائل إلى مُفدي زكرياء"، "عُذرا بيروت"، "على ذمة عشقك" و "رسائل إلى نيلسون مونديلا"، "جُنون الساكسو"، "زهرة الأوركيدا"، "في المدار الشهي"، "قراءة بلا سواحل في أشعار الكويتية سعاد الصباح"، "مات مُظفر"، "سوناتا"، "نزف الصنصال"، "شهقة طين وعلى كف معناي".

وتقول الكاتبة والشاعرة الجزائرية نادية نواصر إنها "حاولت أن تُخصص مساحة واسعة من خيالها الشعري لتمجيد الثورة الجزائرية والتغني بتضحيات رجالها ونسائها بينهن لالا فاطمة نسومر من أبطال المُقاومة ضد الفرنسيين، فهي التي ضحت بشبابها من أجل الجزائر وكانت مثالا يُحتذى به بالنظر إلى عمرها عندما دخلت المقاومة، فهي لم تعش حياتها كأنثى وإنما عاشتها كمناضلة"، ومن خلال كتابها "ليلة الغدر بفاطمة نسومر"، تُؤكدُ أنها "حاولت أن تبرز أن المرأة عطاء فكري وحضاري وليست فقط عُنصر للمُتعة والجسد".